وظيفة الأدب (3-3)

> «الأيام» عبد يحيى الدباني:

> لقد عرف الأدب العربي قديماً فنون النثر كما عرف فنون الشعر بيد أنه حديثاً عرف فنوناً جديدة في الشعر والنثر معاً بحكم التطور والتغير وبحكم الاحتكاك بالآداب الأجنبية. لقد وفدت إليه القصة والرواية والمسرحية والمقالة الأدبية من الأدب الغربي وإن يكن لها بذورها في الأدب العربي القديم أو ما يشبهها، ولا بأس ولا ضير من هذا التأثير، فالآداب القومية يمد بعضها بعضاً بالجديد والتجديد ويؤثر بعضها في بعض من غير ذوبان أو مسخ أو تقليد أعمى أو تبعية أدبية خانعة منسلخة عن الجذور.

ويبدو أن وظيفة القصة والرواية والمسرحية تختلف إلى حد ما عن وظيفة الشعر مع وجود بعض الوجوه المشتركة، وقديماً أخرج افلاطون الشعراء من مدينته الفاضلة بحجة أن الشعر يحاكي العواطف والانفعالات ولا يلتزم بما يمليه العقل، ولكنه عاد وأدخل بعضاً منهم، لأنهم يلتزمون بمبادئ جمهوريته الفاضلة. كما أخرج بعض النقاد في الغرب الشعر من دائرة الالتزام لأنهم عدوه ترجمانا للعواطف، وفناً خالصاً فيه المتعة أكثر من الفائدة لكن المسألة- في نظرنا- نسبية، لا سيما إذا انطلقنا من وظيفة الشعر خاصة والأدب عامة في التراث العربي والثقافة العربية .

إن القصة والرواية والمسرحية كثيراً ما تصور لنا الحياة بتفاصيلها تصويراً درامياً متخيلاً فنفيد كثيراً من تجارب الآخرين ، ونتخلص من كثير من عقد الخوف أو الرهبة أو التردد أو غيرها من المشاعر المكبوتة، ونستطيع أن نعرف أنفسنا إلى حد ما وأن نكتشفها من خلال هذه التجارب التي تحاكي النموذج من السلوك والمواقف سلباً وإيجاباً، فصورة (البخيل) في الأدب - مثلاً- تأتي واضحة نموذجية، مع أنها في الحياة الواقعية قد تكون غير واضحة وقد تكون جزئية، بينما صورة البخيل في الأدب تكون قد جمعت كل سلوك البخلاء في صورة واحدة وأبرزتها.

كتب العقاد يرحمه الله، عن قراءته للأدب ولغير الأدب يقول:«كلا.. لست أهوى القراءة لأكتب، ولا أهوى القراءة لازداد عمراً في تقدير الحساب.. وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة، والقراءة دون غيرها هي التي تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب».. ويواصل قائلاً:«فكرتك أنت فكرة واحدة شعورك أنت شعور واحد، خيالك أنت خيال فرد إذا قصرته عليك.. ولكنك إذا لاقيت بخيالك خيال غيرك.. فليس قصارى الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين، أو أن الشعور يصبح شعورين، أو أن الخيال يصبح خيالين، كلا، وإنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات من الفكر في القوة والعمق والامتداد». لقد أطلت الاقتباس من مقالة العقاد، فلقد وضع يده على وظيفة رئيسة من وظائف القراءة بوجه عام وقراءة الأدب بوجه خاص. ولعل من وظائف الأدب إجمالاً لا تفصيلاً، توليد المتعة واللذة في نفوس المتلقين من خلال عناصره الفنية المدهشة، وينطوي الأدب على كثير من المعرفة بمختلفة ألوانها كالعلم والثقافة والدين والتاريخ. ويرى النقاد الرومانسيون أن وظيفة الأدب هي التعبير عما يجيش من عواطف وانفعالات في نفس المبدع ، لأنهم مجدوا العاطفة والخيال في أدبهم ونقدهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى