خطة التسلّق من الهاوية تنطلق باستقالة «الرئيس - الأزمة»!

> غسان تويني:

>
غسان تويني
غسان تويني
نبدأ هذا المقال، بعيداً من التنظيرات التي يحفل بها الإعلام هذه الأيام، بسؤال عملي بسيط:ماذا لو حذا الوزراء الموارنة غداً، حذو زملائهم الشيعة، واستقالوا ككتلة تظللها القيادات الطائفية، بل الدينية، تبارك استقالتها وتحرّم على سواها الاشتراك في الحكومة ما لم تتحقق شروط هي من اختصاص الحكومة ككل وليست من اختصاص القيادات "الروحية"؟

هل يتحقق مزيد من "الدستورية التوافقية"، أم تتحوّل الحكومة مجموعة حكومات "ملّية"، "وفق التعبير العثماني"، قد تكون "مؤتلفة" كي لا نقول "مفدرلة" ولكنها حتماً ليست "موحّدة" كما ينص الدستور؟

وماذا يمنع ان تعمم القاعدة، فيأتلف الوزراء السنّة، بمن فيهم رئيس الحكومة ويتخذوا موقفاً مماثلاً؟ وماذا يمنع وزراء الأقليات المسيحية من اعتبار انفسهم كتلة ملّية متماسكة والتصرف هكذا؟... والدروز؟ والأرمن؟ الخ... الخ...

***

أوَيكون هذا هو التقسيم؟

لا، كلا... بل أسوأ: انه "تقاسم الشرعية" بل تقاسم الدستور، وغداً مؤسساته والميثاق وما بقي من هذا وذاك، بل بعثرة الحكم تمهيداً لبعثرة الارض والمدائن وتقاسمها، مناطق نفوذ، بل مناطق استئثار بالحكم وتقاسم السيادة.

وهو أمر ما كان ليكون متصوّراً لو لم يعبث رئيس الجمهورية، المؤتمن (نظرياً؟) على الدستور، بهذا الدستور عندما داس مقاييس الشرعية وتمرد عليها، واصبح غطاء، بل حجر الزاوية للمعارضة للدستور. ثم راح يطرح نظرياته على أرفع المقامات الدولية... فتصدّه هذه وهو "لا يحسّ" ولا يتراجع، ولا يستقيل!

وكانت تكون الاستقالة هي المسلك المنطقي الاخير الذي يحفظ للرئيس (المطعون اصلاً في شرعيته) بقية ضئيلة من الكرامة... وينقذ هذا المسلك ماء وجه الجمهورية التي عجزت حتى عن الاحتفال بعيد استقلالها بلياقة، وباحترام لذكرى رجالات الاستقلال وأيامهم وأمجاد أعمالهم والشهادات... بدل ان تظلل متاهاتُها الدستورية أشنع عملية اغتيالٍ سياسي لوزير في مستهل عهده بالحكم!

***

ونستمر في التساؤلات البسيطة:

ماذا لو، اذا ازداد زهو اخواننا الشيعة "الحزب اللهيين" بقدرتهم المفترضة على تعطيل الحكومة بكليتها - ومن دون جميل ثلث معطل - ماذا لو سحبوا هذا المسلك على مجلس النواب، ومن بعده (كما هدّدوا) على الادارة والموظفين، فطلبوا من هؤلاء واولئك الاستقالة ككتلة واحدة؟

هل تبقى بقية النواب مجلساً لثلثي الأمة ويبقى من لم يستقل من الادارة موظفي الثلثين غير المعطِّلين؟

واية دولة تصبح هذه لو خطر فجأة للدروز أن يحذوا حذوهم لسبب يبدو لهم وجيهاً، فماذا يبقى من وحدة الدولة وشرعيتها، بل من وحدة الشعب والوطن؟

***

انه انتحار الدولة ومجتمعها وميثاقها، يكون قد قادنا اليه "حزب الله" في الوقت الذي كنا باجماعنا نهلل لانتصاره على اسرائيل ونتسابق في البحث والتحليل - بل التهليل - في كيفية توظيفه هذا الانتصار ميثاقياً في سبيل كل لبنان وكل اللبنانيين...

فإذا بالانتصار على اسرائيل التي صُنع "حزب الله" لمقاومتها يصير انتصاراً لا على الحدود مع العدو بل في الشوارع والأزقة داخل العاصمة بيروت، في مقاومة مقزّمة للحكومة ولفروعها غير المنتسبة الى "حزب الله" و... "آماله"!

ولا نجد وصفاً لتصرّف "حزب الله" غير الوصف المعهود للعبة "الوصول الى شفير الهاوية"...

خصوصاً ان وصول لبنان الى الهاوية هو ما كان رئيس الشقيقة سوريا قد بشرّنا به (أم حذّرنا منه!؟) ولم نفقه معاني خطبته الشهيرة في 6 أو 7 تشرين الأول.

والأنكى هو ان "حزب الله" لم يفقه، أو هو لم يحسّ باللعبة، فلم يتوقف عند شفير الهاوية بل انساق مع اللعبة حتى انزلق هو وانزلق بنا جميعاً الى هذه الهاوية - وربما، في زهوه باستدراج خصمه، نسي انه كذلك يستدرج حليفته سوريا - التي كان رئيسها قد توقع في خطبته الشهيرة، وبصراحة نادرة ان ينتقل منزلق العنف من لبنان، اذا حدث، الى سوريا كذلك! - ... من غير ان يكون حزب الله قد تحسّب لذلك، فأخذ معه سلّما يتسلقه ليخرج، أو حبلاً ولو من خيوط الحرير، التي نسجوا بها ميثاق "الطائف" الذي يستمر طوافه بنا من المجهول الى الأكثر جهالة.

***

... والآن، ماذا نفعل؟

أين الخلاص؟ في الاستمرار بالدعوة الى حوار أشبه ما سيكون، اذا حدث وصار، بحوار الطرشان؟

لا، كلا... المطلوب من الذي افتعل المشكلة ان يصير هو الحل، ولو مرة واحدة، أخيرة.

المطلوب من رئيس الجمهورية أن يقدم لحلفائه ما يسمى في العلوم العسكرية (ألم يدرس ذلك؟) "ستراتيجيا الخروج"... وهي الخطة التي لا يدخل جيش يحترم نفسه حرباً، مهما بلغ ادعاؤه النصر (ولو من عند الله) من غير ان تكون لديه خطة الخروج، عند تأزم حاله، من دون هزيمة، أو قبل الانهزام.

***

والخطة هذه لها اسم بكلمة واحدة:

الاستقالة!

وبعدها تستقيم السلطات والصلاحيات التي تبعثرت. يأتي الى الرئاسة، وبتوافق جوهري "حَكَمٌ" دستوري يوحي الثقة لا عابث بالدستور، متدرج، يجرّب خطاه الطفيلية تارة بدوس النصوص، وطوراً بخرق الدستور في التوجه الى من لا صلاحية له في التوجه اليهم وحمل هواجسه الى مجالسهم (بلوغاً الى الامم المتحدة...) فيصدّونه هو والمؤسسات واسم الوطن المؤتمن نظرياً عليه!

اذذاك تعود الحكومة حكومة، يترأس مجلس وزرائها رئيس الجمهورية عندما تدعو الحاجة (بدل ان يتعمّد الغياب لتعطيل الحكم والتشريع والادارة)...

واذذاك مجلس النواب يستعيد حريته وكرامته ولا يحتاج الى الثورة كما ضد سلطات الانتداب عام 1943 ويصير في وسع رئيسه (محرراً من الهواجس والأوزار) ان يدعو النواب - متآلفين متصالحين وليس مقسّمين ولا ثائرين - الى التشاور فالحوار فالاشتراع بلا ترهيب ولا تخوين...

ويعود لبنان ملتزماً ميثاق الثقة المتبادلة المشتقة من الثقة بالمستقبل، متفائلاً بقدراته، حراً سيداً مستقلاً، ولا حاجة له الى مزيد من الانتفاضات، ولا الى ثورة قد نعرف كيف تبدأ ولا احد يمكنه ان يراهن على اين تنتهي!

عن «النهار» اللبنانية 27 نوفمبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى