الوجه الآخر المخفي عن انتخابات 2006 وعن تقرير بعثة الاتحاد الأوروبي للانتخابات

> د.محمد علي السقاف:

>
د.محمد علي السقاف
د.محمد علي السقاف
ليس هذا المقال تقريراً عن الانتخابات الرئاسية والمحلية التي جرت في اليمن في 20 سبتمبر 2006م، ولا يعني عنوان المقال أن كاتبه وقع بين يديه كنز من المعلومات والوثائق السرية عن الانتخابات تم إخفاؤها عن المواطن ويزمع الكشف عنها للقراء، كل ما في الأمر أن انتخابات 2006 لم يصدر بشانها حتى الآن إلا تقريران أوليان: الاول: تقرير بعثة الاتحاد الاوروبي للرقابة على الانتخابات صدر في صنعاء بتاريخ 21 سبتمبر 2006م والثاني: تقرير المرصد اليمني لحقوق الإنسان للزميل د. محمد المخلافي (غير مؤرخ)، وقد أفردت وسائل الإعلام الرسمية بطريقة انتقائية ما جاء في التقرير الاوروبي من إشادات بالديمقراطية اليمنية وما شهدته الانتخابات الرئاسية من منافسة سياسة مفتوحة وحقيقية بإدارة الانتخابات وتنظيمها بشكل كفء من قبل اللجنة العليا للانتخابات ...إلخ ذلك. ولكن وسائل الإعلام الرسمية لم تُشر إلى بعض الانتقادات الهامة والأساسية التي تضمنها التقرير الأوروبي، والأغرب أن أحزاب اللقاء المشترك بدورها لم تسلط الضوء على الوجه الآخر الناقد الذي جاء في التقرير، ومن هنا هدف المقال إلى أمرين: الأول تسجيل بعض النقاط الأساسية للانتقادات التي وجهها التقرير الأوروبي للعملية الانتخابية لعام 2006م بهدف إطلاع القراء على الوجه الآخر للتقرير، والأمر الثاني مرتبط بتاريخ وصول بعثة المراقبة الاوروبية للانتخابات في أغسطس، وبالتالي لم تتمكن من مراقبة مرحلة مراجعة وتعديل جداول الناخبين التي جرت في الفترة من ابريل - مايو 2006م قبل وصولهم، ولهذا لم تفرد لهذه العملية الهامة إلا أسطر قليلة، وفي تقرير المرصد في هذا الجانب لم يتناول بعض المخالفات القانونية الأساسية لمرحلة مراجعة وتعديل جداول الناخبين، وفي تناولنا في هذا المقال سنميز بين ملاحظات التقرير الاوروبي وملاحظات الكاتب التي لم يتناولها التقرير.

أولاًَ: مرحلة مراجعة وتعديل جداول الناخبين

تقام الانتخابات على أساس جداول الناخبين، ومشروعية الانتخابات مرتبطة بسلامة جداول الناخبين والالتزام بمواعيدها المحددة في قانون الانتخابات العامة:

1- الفترة: سنويا أو كل سنتين

(أ) التجارب العالمية: غالبية الدول اعتمدت مراجعة وتعديل جداول الناخبين مرة من كل سنة مع تحديد الشهر والمدة التي تجرى فيها ونشير إلى أمثلة 3 أقطار فقط: مصر، الكويت وفرنسا.

في مصر: يحدد قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956م المعدل بالقانون رقم 173 لسنة 2005م في المادة 5 منه التسجيل والمراجعة والتعديل لمدة ثلاثة اشهر سنوياً في أول نوفمبر من كل سنة وحتى الحادي والثلاثين من يناير من السنة التالية، وفي الكويت ينص قانون الانتخابات المادة 8 على تحرير جداول الانتخاب أو تعديلها خلال شهر فبراير من كل عام لمدة شهر واحد، وفي فرنسا تمتد الفترة لأربعة أشهر سنوياً من 1 سبتمبر حتى 31 ديسمبر، هذه الفترة للأقطار الثلاثة لا تشمل فترة ما يتحيه المشرع لكل من أهمل إدراج اسمه بغير الحق.. ومرحلة الطعون...إلخ ذلك.

(ب) في التجربة اليمنية:

صدرت أربعة قوانين للانتخابات العامة للأعوام 1992م، 1996، 1999م، 2001 .. وحده القانون رقم 41 لسنة 1992م أقر مراجعة جداول الناخبين سنوياً وحدد لذلك شهر يناير من كل سنة، بينما بقية القوانين الثلاثة تبنت فترة كل سنتين ومن دون تحديد مسمى الشهر، وأقرت مدة مراجعة أو تعديل جداول الناخبين خلال ثلاثين يوماً مرة كل سنتين.

2- المخالفات الجسيمة في عدم الالتزام بالفترات والمواعيد

(أ) عدم احترام فترة السنتين: قضت المادة (12/أ) من قانون الانتخابات رقم 13 لسنة 2001م، وتعديلها بالقانون رقم 11 لسنة 2005 بأن «يتم مراجعة وتحرير جداول الناخبين أو تعديلها خلال ثلاثين يوما مرة كل سنتين» حيث آخر عملية لمراجعة وتحرير جداول الناخبين لانتخابات مجلس النواب لعام 2003م قد تمت ونشرت الأرقام النهائية لها في فبراير 2003م، وكان من المفترض بسنتين بعد هذا التاريخ أن تتم عملية مراجعة وتحرير جداول الناخبين في يناير - فبراير 2005م، بينما لم يتم ذلك في انتخابات 2006م إلا في أبريل - مايو 2006م بعد عام كامل من التأخير عما هو منصوص عليه في قانون الانتخابات.

(ب) عدم احترام مدة الـ 30 يوما حيث بدأت مرحلة مراجعة وتعديل جداول الناخبين من 18 ابريل حتى 2 مايو 2006م أي لمدة 15 يوما بدلاً من 30 يوما كما هو منصوص عليه في جميع قوانين الانتخابات التي صدرت في ظل الجمهورية اليمنية، فقد نشرت صحيفة «الثورة» الرسمية في صفحتها الاولى (34 ألفاً يديرون العملية لمدة 15 يوما مرحلة مراجعة وتعديل جداول الناخبين تنطق اليوم) («الثورة» بتاريخ 18/4/2006م العدد 15133 ). والأدهى من ذلك ما جاء في صلب الخبر أن فترة الـ 15 يوما تتم وفقا لأحكام الفقرة (أ) من المادة 12 من قانون الانتخابات العامة رقم (13) لسنة 2001م، بينما أحكام الفقرة (أ) حددت بوضوح مدة الفترة بـ 30 يوما. واعتقد الكاتب أن فترة الـ 15 ربما طبعت خطأ من قبل «الثورة» إلا أن الفترة نفسها أكدها حرفيا قبل بداية مراجعة الجداول مقابلة صحفية لـ«الثورة» مع د. محمد عبدالله السياني، رئيس قطاع الشئون الفنية والتخطيط للجنة العليا للانتخابات في 18/3/2006م العدد (15102) إذ أكد أن مرحلة مراجعة وتعديل الجداول هي لمدة 15 يوما يتم فيها إضافة أسماء وبيانات الناخبين الجدد ممن بلغوا السن القانونية خلال فترة الثلاث سنوات الماضية (وهذا اعتراف منه بعدم احترام اللجنة العليا لنص القانون الذي يلزم بإجراء مراجعة وتحرير جداول الناخبين خلال 30 يوماً مرة كل سنتين «المادة 12/أ») هذا من جهة، ومن جهة أخرى نفس الصحيفة تنشر في 10/5/2006 خبر (بدء استقبال طلبات الادراج والحذف لمرحلة مراجعة وتعديل جداول الناخبين) دعت فيه اللجنة العليا للانتخابات كافة الناخبين الذين كرروا اسماءهم في جداول قيد الناخبين السابقة أو الحالية وكذلك صغار السن إلى التقدم للجان الأساسية لشطب أسمائهم وكذلك تقديم طلبات الإدراج والحذف لأولئك الذين لم يدرجوا بدون وجه حق أو أولئك الذين أدرجوا بدون وجه حق. يظهر تاريخ نشر الخبر في الثورة في 10/5 بداية الـ 15 يوماً فقط لمراجعة جداول الناخبين من جهة، ومن جهة أخرى بدء استقبال طلبات الإدراج والحذف ولهذه المرحلة فترة زمنية أخرى تبدأ بعد نهاية الـ 30 يوماً وخصص لها قانون الانتخابات مادة منفصلة هي المادة 13.

3- مصير مجهول لفائض البطائق الانتخابية

تثير الأرقام التي ترد في تصريحات مسئولي اللجنة العليا للانتخابات أو البيانات الصادرة من اللجنة نفسها الدهشة والغرابة، ففي تصريح للاخ عبده محمد الجندي، رئيس قطاع الإعلام باللجنة العليا ذكر أن عدد الذين سجلوا أنفسهم حتى مساء 28 ابريل بلغ 793.230 وعدد الذين غيروا بطائقهم المفقودة 174.397 ناخبا وناخبة مشيراً «أنه تم تزويد اللجان في جميع الدوائر والمراكز الانتخابية بكميات إضافية (وأضع خطاً تحت عبارة إضافية) من البطائق والأفلام .... بمرحلة مراجعة وتعديل جداول قيد الناخبين، رغم أن عدد البطائق التي تم توزيعها على كافة مراكز الجمهورية يصل الى ما يقارب مليونين وخمسمائة ألف بطاقة ومثلها أيضاً من الأفلام، لافتاً إلى أن عدد من تم تسجيلهم حتى الآن لا يصل إلى المليون، ومعنى ذلك ان هناك سوء توزيع لهذه البطائق وسوء استخدام للأفلام. وقال اللجنة العليا فوجئت بأن بعض المراكز قد نفدت منها تلك الوسائل».(الثورة في 29/4/2006م العدد 15144). ومن جهة أخرى في اجتماع اللجنة العليا برئاسة رئيس اللجنة في يوم 8/5/2006م ذكرت نتائج عملية مراجعة جداول الناخبين، أن عدد المسجلين الجدد في جداول الناخبين بلغ 1.280.904 على مستوى الجمهورية، وعدد الذين حصلوا على بطائق انتخابية وبدل فاقد 312.231 بإجمالي 1.592.135 («الثورة» في 9/5/2006 العدد 15154) ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أولاً من جهة وجود فارق 907.865 بطاقة انتخابية ومن الافلام مفقودة بالنظر الى عدد 2.5 مليون مرسلة إلى كافة مراكز الجمهورية مقارنة بإجمالي المسجلين الجدد والحاصلين على بطائق انتخابية وبدل فاقد، ومن جهة أخرى يفهم من تصريح الجندي إرساله بطائق إضافية دون تحديد عددها وهنا من المفترض توضيح ذلك من قبل اللجنة العليا عن مصير البطائق والافلام المتبقية. وهذا يثير ثانياً تساؤلات بإمكان أن يتضاعف تقريباً عدد من غيروا بطائقهم المفقودة من 174.397 وفق تصريح الجندي ليصل الى 312.231 وفق بيان اللجنة العليا وذلك في غضون أسبوع واحد من 28 ابريل حتى 8 مايو.

4- تعديل الجداول الانتخابية بعد صدور قرار دعوة الناخبين

هنا أشار تقرير بعثة الاتحاد الأوروبي للرقابة على الانتخابات إلى تعرض عملية تحديث سجل الناخبين في ابريل مايو 2006 «لشبهات كبيرة بسبب رفض أحزاب المعارضة تقديم أسماء أعضاء اللجان من جانبها وبسبب عدم وجود التدريب المناسب للجان التسجيل.. وكان المستوى العام للثقة في دقة سجل الناخبين المحدث قليلة، وأقرت جميع الأطراف أنه يحتوي على أعداد كبيرة من المكررين والناخبين غير المؤهلين وعلى الأخص صغار السن ومن خلال المراجعة المتأخرة لسجل الناخبين التي لم تبدأ إلا بعد الدعوة للانتخابات حددت اللجنة العليا للانتخابات أكثر من 250.000 اسم اقترحت حذفهم من سجل الناخبين...» مشيرا إلى أنه «لم تتبع عملية المراجعة والحذف التي استمرت حتى نهاية اغسطس أي معايير محددة وتم القيام بها بطريقة غير شفافة بالإضافة إلى ذلك فإن طول عملية المراجعة تعني أن اللجنة العليا قد فشلت في توزيع أو نشر سجل الناخبين النهائي مما قلص الفرصة أمام الأحزاب المعنية للتحقق من دقته ومراجعة الحذوفات التي تم القيام بها، لذلك لم يكن أمام أي ناخب تم حذفه بالخطأ من سجل الناخبين أي وسيلة فاعلة للطعن في القرار أو إعادة تسجيله» من هنا أوصى التقرير بأنه «سيكون من المُلح للانتخابات المستقبلية أن تتحسن إجراءات تسجيل الناخبين وأن يتم القيام بها في الإطار الزمني المحدد».

وأوضح التقرير أن قانون الانتخابات يحظر بشكل خاص إجراء أي تغييرات في سجل الناخبين بعد الدعوة للانتخابات، ويشير الكاتب من جانبه إلى وجود عدد من تصريحات أعضاء اللجنة العليا تظهر بوضوح استمرار تنقية جداول الناخبين حتى نهاية اغسطس 2006م في حين أن الدعوة للانتخابات كانت قد صدرت بتاريخ 26/7/2006م.

ولعل هذا الأمر قد أخذ في عين الاعتبار لأسباب يعلمها الله بتعديل الفقرة (أ) من المادة 13 من قانون الانتخابات لعام 2001م بالقانون رقم (11) لسنة 2005م، حيث عدلت الفقرة في بعض مكوناتها ولكن الأهم وذا المغزى حذف النص الأخير من الفقرة (أ) للمادة 12 التي تقضي بأنه «وفي كل الأحوال لا يجوز إجراء أي تعديل في الجدول بعد صدور قرار دعوة الناخبين للانتخاب أو الاستفتاء». هذا النص حذف في تعديل 2005 ، لكن من حسن الطالع أن الجهات الرسمية في وزارة الشئون القانونية في عملياتها الارتجالية نسيت أن مواد أخرى من قانون الانتخابات تؤكد على ما أرادت التخلص منه وذلك أن الفقرة (أ) من المادة (16) تقضي أيضاً «بأنه لا يجوز التعديل في جداول الناخبين بعد صدور قرار دعوة الناخبين للاقتراع وتعتبر الجداول في هذه الحالة نهائية»!.(البقية في الحلقة الثانية)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى