العربية صورة وجودنا (1)

> «الأيام» عبده يحيى الدباني:

>
عبده يحيى الدباني
عبده يحيى الدباني
ليست هذه المقالة - بهذا العنوان- من بنات أفكاري الأدبية، وإنما هي بعنوانها للأديب والناقد التنويري العربي الكبير مصطفى صادق الرافعي ولعل دوري يكمن في التلخيص تارة وفي التصرف والتعليق تارة أخرى وليس هناك مثقف عربي يجهل دور الرافعي في خدمة اللغة والأدب والدين والثقافة الأصيلة المحافظة خدمة جليلة باقية مع الأيام، والرافعي في هذه المقالة يسلط ضوء فكره وإبداعه على أهمية اللغة القومية في حياة الشعوب إذ يصفها بأنها الكائن الروحي للشعوب، ذلك الروح غير المرئي الذي يدبّ في جسد كل أمة، انطلاقاً من أن اللغة ليست مجرد ألفاط أو مفردات متفرقة ولكن من حيث هي الفكر والأدب والعواطف والتفكير والإحساس، حتى إذا اختلفت اللغة القومية اختلف التفكير والإحساس كما يختلف النتاج الفكري والعاطفي. ويرى الرافعي فيما يرى أن هذا الكائن الروحي الذي هو اللغة القومية يجعل الأمة مثل الأسرة، ويخلق للوطن معنى الدار ويبدع للأمة شخصيتها المتميزة وهويتها الفريدة. واللغة القومية هي صورة وجود أهلها - كما جاء في العنوان- وجوداً متميزاً قائماً بخصائصه، فخصائص اللغة هي نفسها خصائص الأمة إذا أمعنا التفكير، وإذا كانت الأمة على علاقة طبيعية إيجابية مع لغتها القومية، فالتفكير والإحساس يكونان بها ومن خلالها والدقة في تركيب اللغة دليل على دقة الملكات في أهلها، وعمقها هو عمق الروح، وكثرة مشتقاتها برهان على نزعة الحرية لدى أهلها، لأن روح الاستعباد ضيق لا يتسع إلا للكلمات القليلة.

ومن توارد الخواطر والأفكار أنني كتبت قبل سنوات في هذه الصحيفة نفسها مقالة بعنوان (التفكير بالفصحى)، لم تقع بعيداً مما عالجه الرافعي في مقالته التي نحن بصدد بلورتها وتلخيصها مع وجود الفرق بين الأستاذ والتلميذ.

يمضي الرافعي رحمه الله تعالى، فيرسم صورتين في علاقة الأمة بلغتها القومية، الأولى إيجابية والثانية سلبية موضحاً عاقبة أو نتيجة كل منهما، فإذا كانت الأمة حريصة على لغتها ناهضة بها متسعة فيها، مكبرة شأنها، فإن ذلك من شدة عزمها وحزمها وبأسها وإنها بذلك سيدة أمرها ومحققة وجودها وإنها لفي عز ومنعة في حياتها. وأما إن كانت الأمة متراخية إزاء لغتها، مهملة إياها تاركتها للطبيعة السوقية ومهونة من أهميتها وخطرها، مفضلة عنها غيرها من اللغات، فإن هذه الأمة خادمة لا مخدومة، تابعة لا متبوعة ضعيفة عن تكاليف (السيادة) غير قادرة على حمل عظمة تراثها، مكتفية بضرورات العيش مع أنها في الأصل محرومة من الحياة الحقيقية، حياة الحرية والفكر والروح والحق والإيمان.

وليس عجيباً أن تكون اللغة القومية هي هدف الاستعمار الأول، فتحول الشعوب يبدأ من تحول لغتها، لأن اللغة هي الأفكار والعواطف والآمال وهي الجذور الممتدة في عمق التاريخ، فإذا فقدت الأمة كل هذا أو جله أمست لقمة سائغة لأطماع المستعمرين.. وللحديث بقية .

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى