رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

>
علي محمد القفيش وعلى يمينه كل من حسين عثمان عشال وأحمد صالح بللحمر في زيارة لطرابلس أثناء اتفاقية الوحدة عام 1972
علي محمد القفيش وعلى يمينه كل من حسين عثمان عشال وأحمد صالح بللحمر في زيارة لطرابلس أثناء اتفاقية الوحدة عام 1972
1- الفقيد/ سعيد محمد دحي .. الميلاد والنشأة:سعيد محمد دحي من مواليد عام 1948م بمدينة المكلا عروس بحر العرب أو (فينيسيا) الشرق كما يحلو للحضارم وصفها وهم محقون في ذلك.

نشأ سعيد في بيت الأسرة تحت رعاية جده الشيخ المقدم عبدالله سعيد دحي. كتب علي سعيد الغريب، ابن عمة سعيد دحي في كتاب (التأبين) المكرس في ذكرى الفقيد سعيد دحي (ص 75-94)، والذي عاش في البيت نفسه أن جدهما الشيخ عبدالله كان يحلو له كثيراً اصطحابهما في روحاته وغدواته وخاصة إلى مسجد الروضة وكان (أي الشيخ عبدالله) رحمه الله عيناً من أعيان المكلا وشخصية مؤثرة في الوسط الشعبي عامة وتتسع دائرة تأثيره بين سكان حي الحارة، أكبر أحياء المكلا اكتظاظاً بالسكان في فترة الخمسينات من القرن الماضي (مرجع سابق).

التحق سعيد دحي بالمدرسة الابتدائية بالمكلا، حاضرة السلطنة القعيطية عام 1956م وبعد عام واحد بعد انتقاله إلى سنة ثانية ابتدائي بدأت شرنقة حبه للقراءة بالظهور وأكد هذه الحقيقة زميل دراسته وابن حيّهِ محمد سالم اليزيدي (مرجع سابق ص 49-56)، حيث كتب اليزيدي بأن سعيد دحي اصطحبه إلى المكتبة السلطانية، الصرح الثقافي الضخم واستقبلهما القائمون على المكتبة وهم لايزالون على قيد الحياة بحسب إفادة اليزيدي وهم: سالم حسن باعثمان وسالم سعيد ناصر ومحمد باجليدة، واختار أحدهما كتابين من سلسلة قصص الأنبياء وتوالت زيارتهما للمكتبة السلطانية.

كتب اليزيدي: صادفت البدايات فتح مكتبتين في المكلا 1- مكتبة الشعب للسيد علوي الصافي والمكتبة الوطنية للوالد أحمد سعيد حداد وكان الطفلان الشغوفان دحي واليزيدي يترددان على المكتبتين لشراء مجلات الأطفال وأشهرها حينئذ سمير وميكي، إلا أن اليزيدي استدرك بأن نسب الفضل في حب القراءة لديهما هو الأستاذ عمر مرزوق حسنون، أطال الله عمره.


دحي يغادر إلى السودان للدراسة الثانوية:
ورد في التفاصيل الشائقة لذكريات علي سعيد الغريب (مرجع سابق)، أن إدارة المعارف القعيطية أوفدت في العام 1964م سعيد دحي ضمن أفضل خمسة طلاب للدراسة الثانوية في السودان وكان دحي من الطلاب المتفوقين في اللغتين العربية والإنجليزية، وحدث في العام نفسه أن كتب دحي قصيدته الأولى (بلا شموع) واصطحب الغريب في عصر أحد الأيام لزيارة الراحل الكبير أحمد عبدالله بن طاهر باوزير مدرس اللغة العربية بالمدارس المتوسطة والثانوية إلى بيته ليعرض عليه دحي قصيدته وجاء تعليق الأستاذ باوزير:«هذه القصيدة تبشر بميلاد شاعر اكتملت له المعايير والضوابط الفنية للمسك بزمام الشعر وكتابته».

توسعت مدارك سعيد دحي أثناء تلقي دراسته الثانوية في السودان وانتفع كثيراً من المناخ الثقافي السائد في السودان آنذاك وشارك بفعالية في كافة النشاطات الطلابية وكان من القيادات الطلابية لرابطة الطلبة الحضارم الدارسين بالسودان آنذاك.

دحي والتجربة البكر لجامعة عدن:
عاد سعيد دحي إلى المكلا بعد إكمال دراسته الثانوية في السودان عام 1968م وعمل مدرساً في إعدادية البنين بالمكلا وكان في الوقت ذاته يعد برامج أدبية متميزة للإذاعة المحلية بالمكلا وتقرر بعد عامين افتتاح أول كلية جامعية وهي كلية التربية العليا HIGH ER COLLEGE OF EDUCATION بعدن عام 1970م ونال في العام 1974م درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها.

عمل سعيد دحي مع زملاء آخرين بالكلية في مرحلة الدراسة على تأسيس جمعية بلقيس الأدبية التي استوعبت الطاقات الشابة المبدعة التي أثرت وتأثرت وقد حظيت تلك الجمعية برعاية وتوجيه الأديب والشاعر السوداني الكبير د. تاج السر الحسن، الأستاذ بالكلية آنذاك (الغريب - مرجع سابق).

دحي يترجم أحد أعمال المستشرق البريطاني (سارجنت):
عمل سعيد دحي عقب تخرجه عام 1974م بمركز البحوث التربوية بعدن ثم معيداً بالجامعة ومدرساً بكلياتها في كل من عدن والمكلا وتفرغ خلال الفترة من 1974م حتى 1979م للأدب والشعر والترجمة وكتب سلسلة مقالات ودراسات أدبية وشارك على نحو ملحوظ في فعاليات مع غيره من الأدباء والشعراء الشباب، التي شهدتها عدن آنذاك وتزامن ذلك مع استضافة عدن لكبار الأدباء والشعراء العرب.

في العام 1978م انتقل سعيد دحي إلى المكلا للتدريس بكلية التربية بالمكلا التي كان يتردد عليها بين الحين والآخر . انشغل سعيد دحي خلال الفترة بين عامي عمله بكلية التربية بعدن وكلية التربية بالمكلا بترجمة كتاب PROSE & POETRY IN HADRA MAUT للمستشرق البريطاني المرموق (روبرت سارجنت) الذي ارتبط بوجدان مشاهدي تلفزيون عدن في الحوار الممتع الذي أجراه معه الراحل الكبير لطفي جعفر أمان أثناء زيارة سارجنت لعدن والمكلا وبعض مناطق الجنوب العربي آنذاك.

في العام 1980م قام فرع المركز اليمني للأبحاث الثقافية بطباعة كتاب النثر والشعر في حضرموت الذي ترجمه سعيد دحي عن نصه الإنجليزي لكاتبه (سارجنت) وتم سحب الكتاب المترجم على آلة (الرونيو) في أبريل 1980 بشكل أولي بغرض تعميم الفائدة على القراء والمهتمين بالأدب في حضرموت كون الأدب في هذا البلد أو ذاك من العالم يعد تراثاً إنسانياً.

دحي مبدع ومن عائلة مبدعين:
وردت عدة إشارات في كتاب (التأبين) المكرس لذكرى وفاة سعيد دحي منها ما كتبه محمد عوض صالح (ص 95-103)، وعزيز الثعالبي (ص 63-70)، وعلي سالم اليزيدي (ص 104-107)، حيث أفاد الثعالبي أن سعيد دحي من أسرة فن ، فعمه الفنان يسلم عبدالله دحي وهو من الرواد الأوائل للأغنية الحضرمية المتوفى في أغسطس 1993م وأحد الذين ألبسوها ثوباً قشيباً من حيث الأداء واللحن، إلا أنه لم يتخذ من الطرب حرفة له فهو لا يحب السهرات العامة، ولا يحب التواجد في أي مكان عملاً بمقولة: «إذا أسرفت في الوجود أصبحت بلا وجود» ومن هذه الأسرة عبدالله سالم دحي (ابن عم المطرب يسلم دحي) وأطلق عليه لقب (مقدم الحي) الذي اشتهر بتقديم رقصة العدة ورقصة الشبواني وقد ورد في مداخلة علي سعيد الغريب (ص 78) أن الأديب الراحل الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف وصف صالح سالم دحي بأنه صاحب أجمل صوت يشدو بألحان الدان وأغاني الشبواني في الساحل الحضرمي.

أما علي سالم اليزيدي فقد تحدث عن علاقته بسعيد دحي التي بدأت من خلال مجلة (الجندي) التابعة لوزارة الدفاع بعدن وكان اليزيدي يعمل في صحيفة (الشرارة) ومراسلاً للجندي في عهد طيب الذكر أحمد سالم الحنكي وكان اليزيدي وسعيد دحي ومحمد عبدالمطلب جبر وحمزة هب الريح وعلي عمر الصيعري مساهمين بنتاجاتهم في (الجندي).

مداخلة محمد عوض صالح تطرقت إلى إبداع سعيد في الفرقة الشعبية للفنون المسرحية بالمكلا التي قدمت رائعتها مسرحية (قرقاش) للشاعر الفلسطيني سميح القاسم على مسرح السينما الأهلية بالمكلا والتي أضفى عليها سعيد دحي بنفحات من إبداعه عندما وضع الألحان الموسيقية للمسرحية.

سعيد دحي واغتراب جغرافي في دولة الإمارات:
غادر سعيد دحي أرض الوطن في نوفمبر 1979م إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وعمل هناك بالصحافة محرراً ومترجماً ثم سكرتيراً لمجلة (الدفاع الخليجي) حتى وفاته وكان، رحمه الله يتردد على المكلا بين حين وآخر ، آخرها رحلته الوداعية للمكلا في أغسطس 1999م.

سعيد دحي في موكب الخالدين:
انتقل سعيد دحي إلى رحمة ربه يوم الثامن من شهر رمضان 1421هـ الموافق الثالث من ديسمبر 2000م إثر نوبة قلبية حادة في مقر إقامته في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.

الفقيد سعيد دحي متزوج وله من الأبناء 5 ومن البنات 2 .

2- العميد علي محمد القفيش
الولادة والنشأة:

العميد علي محمد القفيش من مواليد عام 1943م في قرية (امشعة) بلودر، السلطنة العوذلية ونشأ في القرية التي ينتسب إليها المناضل الوطني محمد علي أحمد ومناضلون من آل مدرم ومناضلون آخرون لا يتسع المجال لذكرهم . تلقى تحصيله الأولى من القرآن ومبادئ القراءة والكتابة في كتاب (معلامة) الشيخ الجليل المنتصر حسن المصبحي يرحمه الله في منطقة (امنجدة) (بلدة العلماء والسلام الاجتماعي آنذاك) التي يوجد بها ضريح الشيخ عمر بن سعيد الكندي المولود في القرن السادس الهجري (معلومة تلقاها الأخ سالم لعور من آل القطيش).

عدن فاتحة المشوار مع الوظيفة:
انتقل علي محمد القفيش إلى عدن وكان في ربيعه السادس عشر والتحق بسلك الجندية في الحرس الوطني الاتحادي (F.N.G) بعدن في أغسطس 1959م. التحق علي القفيش بعدة دورات تدريبية للجنود وصف الضباط في معسكر (شامبيون) CAMPION LINE (معسكر النصر حالياً) بخورمكسر حيث تلقى المتدربون من أفراد قوة الحرس الوطني الاتحادي تدريبات على كيفية التعامل مع مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

تم توزيع المتدربين على سرايا وزعت على مناطق متفرقة من أراضي الدولة الاتحادية. انتقل المناضل القفيش في بداية الأمر إلى أحور، حاضرة سلطنة العوالق السفلى ثم نقل مع مجموعته إلى شقرة التابعة آنذاك للسلطنة الفضلية وكان ذلك في العام 1960م وفي العام نفسه انتقل القفيش مع مجموعته إلى إمارة الضالع.

بعد أشهر معدودات تم اختيار علي القفيش مع خمسة من زملائه للعمل في الحراسات الخاصة المرافقة لشخصيات رسمية كبيرة منهم حسن علي بيومي رحمه الله رئيس وزراء عدن ثم عين القفيش مرافقاً عسكرياً شخصياً مع (كينيدي تريفاسكس) وكان آنذاك المعتمد البريطاني لمحمية عدن الغربية وأصبح بعد ذلك المندوب السامي البريطاني في عدن.

القفيش في صفوف حركة القوميين العرب:
ورد في سياق البيانات التي قدمها آل القفيش للأخ سالم لعور أنه بعد الإعلان عن الكفاح المسلح في المناطق الجنوبية كان علي القفيش آنئذ عسكرياً في مدينة الاتحاد (مدينة الشعب حالياً) عاصمة دولة اتحاد الجنوب العربي FEDERATION OF SOUTH ARABIA فالتحق بتنظيم حركة القوميين العرب على يد الأخوين علي عبداللاه أحمد والشهيد المناضل محمد أحمد الصغير وبدأ نشاطه في صفوف الحركة بين شهري نوفمبر وديسمبر 1963م.

قدم علي القفيش استقالته من عمله في الحرس الوطني الاتحادي في بداية عام 1964م وغادر إلى مسقط رأسه بقرية (امشعة) بالمنطقة الوسطى وتفرغ كليا للعمل الوطني.

القفيش في جبهة جبال فحمان:
انتقل علي القفيش إلى الجبهة الوسطى التي ضمت قيادات كبيرة منهم علي ناصر محمد ومحمد علي هيثم وناصر علوي السقاف وسعيد عثمان عشال وأحمد محمد الفقيرية ومحمد ناصر الجعري وغيرهم. التحق علي القفيش بجبهة جبال فحمان وتم إنشاء قطاع عسكري في الجبهة، كانت مهمته الاستطلاع والتدريب على الأسلحة والقيام بتنفيذ العمليات الفدائية الضرورية إذ لم تكن أعمال الجبهة القومية محصورة في نطاق جبهة فحمان بل وتجاوزتها إلى مناطق أخرى وكان من أبرز منفذي العمليات : محمد عبدالله المجعلي وعبدالله صالح المجعلي وأحمد عوض شطفة ومحمد عبدالله البطاني.

روى المناضل علي القفيش أنه قام مع الشهيدين أحمد محمد الفقيرية وعوض أحمد السعيدي بعدة عمليات عسكرية في مكيراس وقد كلف القفيش من قبل قيادة الجبهة القومية (علي ناصر محمد ومحمد علي هيثم) بالانتقال من فحمان إلى البيضاء بتشكيل الخط المباشر وهو عبارة عن فرقة عسكرية متجولة تعمل داخل المنطقة وخارجها في مناطق ساخنة مثل جبهة عدن وجبهة الضالع.

القفيش ومحطات الداخل:
عند إعلان الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م كان المناضل علي محمد القفيش قائداً للحرس الشعبي في المنطقة الوسطى وبعد ذلك عين في مارس 1968م مديراً لأمن المديرية الوسطى (لودر، مودية، مكيراس، الوضيع، جيشان وضواحيها) ثم عين مأموراً لمديرية تبن (محافظة لحج)، ثم مديراً لأمن محافظة أبين.

جاء في رواية القفيش أنه كان في عدن يوم 22 يونيو 1969م وعرض عليه الجناح الآخر التعيين في مواقع عدة وكان رافضاً للجديد القادم إلى موقع السلطة ومكث القفيش في عدن حتى مارس 1970م بأمل الإطاحة بالحكم الماركسي إلا أنهم لم يوفقوا وانتقل بعدئذ إلى منطقته (امشعة) وبقي هناك حتى يونيو 1970م.

القفيش ومحطات المعارضة في الخارج:
في يونيو 1970م غادر المناضل علي القفيش والمناضل الكبير حسين عثمان عشال إلى المناطق الشمالية وأنشآ هناك مع آخرين قوات الوحدة اليمنية عام 1978م وتم الإعلان بعد ذلك عن تأسيس التجمع القومي في أغسطس 1970م في بغداد، الذي ضم عبدالقوي مكاوي ومحمد علي الجفري وشيخان الحبشي ومحمد علي هيثم وعبدالله درويش ومحمد ابوبكر بن عجرومة وعلي شيخ عمر وأبوبكر علي شفيق والشيخ سيف العزيبي وشقيقه عزب العزيبي وعلي يسلم باعوضة ومحمد الخضر الشقي وعبدالقوي محمد شاهر ومحمد أحمد السياري وأحمد حسن العطاس وفريد أبوبكر بن فريد وذو النون السيد زين صادق وعبدالله علي الجفري وأحمد علي الجفري وناصر عرجي وغيرهم.

في أغسطس 1991م عقد المؤتمر الشعبي أول مؤتمر تكميلي لاستيعاب قيادات جديدة من صفوف التجمع القومي وكان من ضمنهم علي محمد القفيش وكان للقفيش موقف واضح من الوحدة والدفاع عنها في كل منعطفاتها وكان آخرها في حرب صيف 1994م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى