عميد السينما

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
هذا هو حال الصديق الأستاذ محمد فارع الشيباني الذي قرّض كتيبي الصغير «دفاتر الأيام» فأحسن التقريض، وأعطى ما لله لله وما لقيصر لقيصر، على طريقة «قل كلمتك وامش» فإرضاء جميع الناس غاية لا تدرك ولا يطمح إليها عاقل، وللناس فيما يعشقون مذاهب، وكذلك فيما يكرهون:

ومن ذا الذي تُرضي سجاياه كلها ××× كفى المرء نبلاً أن تعد معايبُه

وأقول «سبع صنائع والبخت ضائع» لأن صاحبنا ابن فارع قد ضرب في الآفاق فأبلى في الصحافة وخاض في التجارة وتألق في الترجمة وولّى نفسه عمادة السينما اليمنية قبل أن يتولى رئاسة قسم السينما في وزارة الثقافة في سبعينيات القرن الماضي، ولذلك قصة ينبغي أن تروى، لأن السينما لم يكن لها وجود وحتى الآن هي مغيبة إلا من لمعات خافتة هنا أو هناك لا تلبث أن تخفت وتتلاشى.

وقد ذكّرني في مقاله الذي نُشر في «الأيام» على هذه الصفحة بمرافقتنا للمخرج العالمي الإيطالي «بازوليني» أثناء تصويره جزءاً من فيلمه المعنون «الليالي العربية» أو ألف ليلة وليلة في أبين وسيئون، وقد تشكل فريق المرافقة برئاسة الفنان الراحل محمد عبده زيدي،رحمة الله عليه، وعضويتي أنا ومحمد فارع وزميل آخر فاتني اسمه.. وكانت المهمة على حد تعبير الزيدي «فُتّي رُشّي» فقد كنا نحصل على أتعاب يومية بدت لنا أيام «تخفيض الرواتب واجب» عطية سماوية زبطنا بها الفقر كم يوم مفترجة، ولم لا، ألسنا في ألف ليلة وليلة؟ وكان ابن فارع الوحيد الذي لديه عمل حقيقي يمكّنه من المواكبة الحثيثة والاقتراب من صناعة السينما على الطبيعة، فقد تولّى عملية الترجمة من الإيطالية إلى العربية، والعكس وحين استضفتُ «بازوليني» في تلفزيون عدن كان الشيباني هو لساننا الاثنين، وقد «أخذ راحته» أمام جمهور عريض محاصر بقناة واحدة، فعصر الفضائيات العابرة للحدود لم يكن قد بزغ آنذاك، ومن ذلك اليوم علق في شراك السينما مشاهدة وحديثاً واهتماماً، وقد التقط طرف الخيط عبدالله حسن العالم رعاه الله فهو اسم على مسمى، وقل أن تجد رجلاً في مثل ظرفه وسماحته وقدرته على استيعاب الآخر، ولم يكن من أحد يؤثر في ذلك الوقت على جموح عمر الجاوي مثله، المهم أطلق ابن العالم لقب «عميد السينما اليمنية» على محمد فارع الذي فرح باللقب فرح طفل بلعبته الجديدة، وقد أضاء له الطريق حتى وصل إلى رئاسة قسم السينما خلفا للأخت الفاضلة نجيبة حداد وكيلة وزارة الثقافة حالياً، ولأن عبدالله حسن من النافرين من القات وكذلك ابن فارع، إذا لم تخُنّي الذاكرة، فقد «وافق شنٌ طبقة» فكانت هوايتهما الوحيدة- وما أجملها من هواية - التردد على دور السينما لمشاهدة ما استجد من أفلام. وبعد أن آلت الرقابة على الأفلام إلى محمد فارع بعد أن تولى رئاسة القسم انفتح الباب على مصراعيه، ولكن عبدالله حسن الذي كان يخاطبه بلقب العميد، كان يهمس في أذني بصوت يسمعه الشيباني «تقدر تقول أنه (مسينم) وفقاً للتعبير الصنعاني، إنما العمادة للتفخيم» ثم يبتسم ابتسامته المشعة وهو يقول: «هو في سينما».

في إحدى السنوات جاء ابن فارع إلى بغداد للمشاركة في مؤتمر سينمائي وقد حبكت معي النكتة فاتصلت وحدثته بلهجة عراقية: «عيني أستاذ آني من وزارة الثقافة، أكو بنيّة جت هسّه (الآن) تقول إنها هي المبعوث الرسمي لليمن واسمها نجيبة حداد».. طبعاً لعب الفار في عب ابن فارع وبعد أن استرد أنفاسه من هول المفاجأة تنبه وقال:«أنا أعرف ألاعيبك يا ابن النقيب، يالله تعال.. أنا أدور عليك من أمس».

بقيت حفلة الوداع التي أقامها لنا «بازوليني» في بانوراما فندق الصخرة بالتواهي، وقد طلبت مني نجمة الفيلم الممشوقة القوام بلون الابنوس «من أب إيطالي وأم حبشية» أن أراقصها فاعتذرت لأنني لا أجيد الرقص، فقامت علي قيامة الشيباني والمرافقين، فذهبت إليها منكس الرأس أطلبها إلى الحلبة، فلم تظهر الممانعة، ولكنها بيّتت لي انتقاما، فما أن وقفت على الحلبة حتى نظرت إلي من فوق إلى تحت ثم تركتني وعادت إلى كرسيها دون أن تنبس ببنت شفة، والبادئ أظلم.. والحساب يوم الحساب يا ابن الشيباني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى