الحكمة أيها اللبنانيون

> جلال بوشعيب فرحي:

> يبدو أن لا أحد في لبنان يريد الاستجابة إلى منطق العقل والتحلي بالحكمة، ولا أحد يريد الاستجابة لمطالب التهدئة وتجنب السجال الذي لن يعطي نتائج ملموسة على أرض الواقع، بقدر ما يزيد من تفاقم الأزمة السياسية في لبنان، فبعد مرور أكثر من أسبوع على خروج المعارضة إلى الشارع، لم تتحقق أهداف المعارضة، ولم تسقط الحكومة، ولم يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبقي الوضع على ما هو عليه، المتضرر الرئيسي في كل ما يجري هو الاقتصاد اللبناني الذي يخسر ملايين الدولارات يومياً بسبب الوضع غير المستقر في البلاد، ناهيك عن الخسائر الناتجة عن ركود السياحة والتجارة البينية وتوقف الحياة المدنية.

رئيس الحكومة اللبناني فؤاد السنيورة يتهم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بالتحضير لانقلاب والتهديد به، وهو بالطبع يقصد الانقلاب السياسي ولا يقصد الانقلاب العسكري، لأنه لا سمح الله لو حصل انقلاب عسكري لحصلت كارثة في لبنان، فالولايات المتحدة وإسرائيل لا يريدان حكومة شيعية في لبنان، ولأن وصول حزب الله إلى سدة الحكم يعني تدخلا دوليا وأمميا قد يصل إلى التدخل العسكري لحماية حكومة السنيورة ومنع حزب الله من السيطرة على الحكم، ولكن ليس من الوارد حالياً حدوث انقلاب عسكري من قبل حزب الله على الحكومة، لأن نصر الله يدرك خطورة ذلك على لبنان من جهة وخطورته أيضاً على حزبه من جهة ثانية الذي سيصبح عرضة لهجوم دولي في حال أقدم على خطوة الانقلاب العسكري.

كان ينبغي لفؤاد السنيورة عدم الرد على خطاب حسن نصر الله، ليس لعدم وجود رد منطقي بل لعدم الدخول في اتهامات وردود وسجالات لا طائل منها، نعم لا أحد يقبل أحداً سواءً أكان حسن نصر أم غيره وصياً على لبنان، ولكن ما يجري الآن في لبنان هو حرب كلامية قد تتحول في أي لحظة إلى حرب ميدانية، خاصة وأن الشارع اللبناني مشحون ومنقسم بين مؤيد للحكومة ومعارض لها.

وكان ينبغي لحسن نصر الله عدم توجيه تهمة الخيانة للحكومة، على الأقل أمام الجماهير، لأن ذلك لن يصلح الوضع بقدر ما يزيد من الفرقة والفتنة داخل البلاد، كما أن تقسيم حزب الله اللبنانيين بين مخيم وطنيين ومخيم خونة غير محبذ، وفي كل الأحوال سواء أكان كلام نصر الله صحيحا أم غير صحيح، فمن الأفضل عدم التوجه به إلى الجمهور وأمام الملأ، لأن ذلك يعيق محاولات العودة إلى طاولة الحوار، الذي هو مطلب الجميع سواءً المعارضة أم الحكومة.

إن الخطوة التي اتخذها حزب الله في دعوته للأمين العام السابق للجماعة الإسلامية في لبنان الداعية السني قائد جبهة العمل الإسلامي "فتحي يكن" لإمامة صلاة الجمعة، خطوة مهمة للم الشمل وتخفيف المشاحنات بين الشيعة والسنة في لبنان، وينبغي لجميع الطوائف اللبنانية أن تتخذ خطوات مماثلة، لأن لبنان الآن بحاجة إلى لم شمل المذاهب، فلبنان بلد متعدد الأطياف المذهبية وبحاجة إلى تعايش سلمي حضاري بين الشيعة والسنة والمطارنة والموارنة والدروز وغيرهم من الطوائف الدينية.

الكل سواءً المعارضة أم الحكومة يحذر من الانزلاق نحو الفتنة المذهبية، والكل يدعو إلى حقن الدماء، لكن ذلك لا يكون بتبادل الاتهامات بين الطرفين، بل يكون بالعودة إلى طاولة الحوار، وعودة الحياة إلى لبنان، فالوضع الحالي الكل فيه خاسر، وما يجري الآن هو تدمير لما بنته سواعد اللبنانيين من جميع الطوائف، وآن الأوان لوقف التدمير والعودة إلى البناء والإعمار ولا يكون ذلك إلا بالتفاهم والحوار والتفاوض والخروج بحل للأزمة الراهنة. نعم من حق حزب الله أن يحاسب الحكومة على أخطائها ومن حق المعارضة أن تنتقد الحكومة لكن ينبغي أن تكون المحاسبة في إطار المصلحة العامة، وما يجري الآن لا يخدم مصلحة لبنان، الوضع الآن أشبه بالعصيان المدني، والمسؤولية أيضاً ملقاة على عاتق الدول العربية التي يجب أن تستنفر الجهود والتحرك بشكل سريع لمحاصرة الأزمة قبل استفحالها وقبل دخول لبنان في النفق المسدود الذي يصعب الخروج منه، الأزمة السياسية اللبنانية الآن قابلة للحل لأن أطراف النزاع وخاصة المعارضة يفتحون الباب للحوار وللمبادرات.

من جهة أخرى ينبغي الحذر من الفتنة لأن لبنان الآن ملغوم بالمخابرات الإسرائيلية، التي بلا شك ستعمل على إشعال فتيل الفتنة بين الطوائف اللبنانية، خاصة وأن الحرب الأهلية في لبنان تخدم مصالحها، وتحقق أهدافها التي لم تستطع تحقيقها في العدوان الأخير على لبنان، فالقتال الداخلي في لبنان سيضعف قدرات حزب الله ويضعف لبنان بشكل عام، ليصبح فريسة سهلة في يد الإسرائيليين.

كاتب مغربي - جدة - المملكة العربية السعودية

mailto:[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى