الكتابة عن الواقع بصورة واقعية

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
من مصائب صحافتنا خلال العقود الثلاثة التي وجدت فيها بعد الاستقلال وقبل إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م المطالبة بأن يبني ويفسر (إعلام السلطة) كل شيء يراه النظام السياسي ويشير للقارئ كيف ينبغي له فهم هذه القضية أو تلك ومن المحق ومن المذنب وباختصار كان الإعلام الرسمي يضع النقاط على الحروف وحرّم على الآخرين أي رأي مغاير، وحافظ كثير من الصحفيين والكتاب بصورة كاملة على مبدأ (وحدة الرأي ووحدة الكلمة) وسنت القوانين الشمولية من أجل ذلك وفي زمننا هذا زمن (الهامش الديمقراطي) لا يسمح طبعاً بوجود مختلف وجهات النظر ولكن بدأ التحفيز على ذلك ولا تزال (حرية الكلمة) تحارب من قبل السياسيين ومن جانب أنصار (وحدة الرأي) المألوفة داخل أغلب الأحزاب. ولا ننسى أن هناك من لا يزال يعتبر أن إرسال رأي واحد مقرر رسمياً إلى جميع الصحف أسهل بكثير من السماح بنقاشات وخلافات داخل الحكومة ومن هنا وجدت بعض (الدوائر المحمية) وأشخاص ومجموعات لا يجوز انتقادها. فما أن يخالف أحد هذا التحريم، حتى تثار ضجة هستيرية (لا تمس الثوابت!) و(لا تمس جماعتنا!) و(هذه خطوط حمراء) وأعتقد أن هذه ظاهرة مؤقتة ناجمة عن الماضي الشمولي وعن الخطوات الأولى للديمقراطية التي لم يتعلم مجتمعنا العيش في ظلها بعد .

إن عملية التغيير الجارية في مجال الإعلام خاصة بطيئة جداً ولم تشمل نواحي الحياة الصحافية والإعلامية الضرورية ولا تجري بسرعة متساوية، على سبيل المثال هناك عشرات من الصحف والمجلات المكدسة في الأكشاك بأسماء متنوعة يرفضها القارئ لأنها لا تؤدي الأمانة إلى أهلها، وهناك صحف تنشر مقالات وحقائق كانت ممنوعة وتظهر حياة ومعاناة المواطن بصورة حقيقية ودونما زخرفة وتلميع.. وبسبب موقفها هذا تتعرض للتنديد من قبل أجهزة الحكومة وللملاحقات من قبل نيابة الصحافة والمطبوعات وكان نصيب «الأيام» في فترة من الفترات 98% من التهم الموجهة ضد الصحافة. فالمجتمع الإنساني اليوم يجب أن يعرف الحقائق كلها، ونرى كل ساعة من خلال القنوات الفضائية والصحافة غير الورقية (الالكترونية) حراك تلك الشعوب والحكومات الحرة معاً. إن الشعب اليمني اليوم يجب أن يعرف الحقيقة عن ماضيه وحاضره وأن يعرف لا عن المنجزات والمكتسبات فحسب بل كذلك عن الشعارات الزائفة والإحصاءات غير الدقيقة عن معيشته وعن أسبابها وعواقبها المستقبلية لكي لا تتكرر الأخطاء السابقة. ونتمنى أن يستمر نشر المواد المخالفة (للحظر)، ونأمل في أن تنشر إلى جانب المؤلفات الصادقة والجادة عن الماضي مؤلفات صادقة وجادة بالقدر نفسه عن الحاضر فهو أيضاً لا يخلو من الانتهاكات .

إن التغييرات في أخلاقيات وقوانين صحافتنا تحظى بالتأييد الاجتماعي تقريباً في أوساط القراء قبل الصحفيين. ووفق ملاحظاتي فإن أولئك الناس الذين يقرأون قليلاً (أو لا يقرأون أصلاً )، يميلون إلى اتخاذ موقف اأكثر ارتياباً وتشدداً تجاه التغييرات والانفتاح الإعلامي . ويتصور الكثير منهم مع شديد الأسف أنهم لو قالوا لا، سيبقى كل شيء كما كان، فهم لم يتعودوا كلمة (حرية التعبير) التي لا تعني شيئاً بالنسبة لهم مع أنها تنقذهم من التمادي في التهام قوت الناس وأملاكهم وتؤمن إمكانية إجراء تغييرات مفيدة ومحسوبة لهم.

إن حرية الكلمة قضية عظيمة خاصة بعد أن علمونا خلال عقود في الجنوب وعشرات السنين في الشمال التمجيد والتبجيل والأبهة الاستعراضية وتأكيد مزايا الإنسان بالسكوت عن النواقص، بل وصل (هزازو الرؤوس) إلى أعلى المناصب ونمت في جو هذا (اللامبالاة) بضع جموع تعودوا أن يتحدثوا بشكل ويعملوا بشكل آخر وقد حطمت هذه الطريقة أكثر من رأي متقدم.

تعيش صحافتنا في الوقت الحاضر مرحلة انعطاف، فالكتابة كالسابق أصبحت أمراً مرفوضاً والكتابة بصورة جديدة لم تتعلمها الحكومة بعد، ومشروع قانون الصحافة والمطبوعات خطوة أخرى إلى الوراء ويرفض الاستعجال بإعطاء الصحافة حريتها . لقد تركت عهود التحريم أثرها المضر في مشروع قانون الصحافة وفي الكتابة ومع ذلك وحتى لو ظللنا من دون قانون ستخرج الحقائق إلى النور حتى ولو بصورة مختصرة ولكن لا ننسى أن من بين الأسباب التي مهدت لعملية التغيير وجعلتها ممكنة هي عمل بعض الصحف وبعض الكتاب الذين أدخلوا السجون وحوكموا وأفرزت المرحلة السابقة إلى جانب المقالات الفارغة والصحف الخاوية التي كانت تحظى بالمدح من بعض الجهات الحكومية عدداً غير قليل من الكتابات الصادقة والأمينة على حرية الكلمة والمشبعة بحب الناس والتعطش إلى العدالة والسخط على المخلين بها. هكذا كانت سمات الصحافة في بلادنا وينبغي القول إن كثيراً من الصحف والأقلام قد حافظت على هذه الأخلاقيات في أفضل نماذجها.. ونأمل أن يظهر الواقع الجديد مقالات جديرة به.. ويستطيع رجال الكلمة فعل الكثير جداً من أجل مساعدة الناس على السير نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان ونحو فهم القيمة التربوية والوطنية والسياسية للخبر والكلمة.. خاصة وأن الواقع في الوقت الحاضر بالذات أصبح كالوتر المشدود فإن أية حقيقة مبتورة تصدح كنغم مزيف يصم الآذان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى