الثوابت والمرجعيات في منتدى «الأيام»

> د. سمير عبدالرحمن شميري:

>
د. سمير عبدالرحمن شميري
د. سمير عبدالرحمن شميري
عميد الأدب العربي د. طه حسين في كتابة (الأيام) يتذكر أستاذه طنطاوي جوهري، الذي كان يدرس الفلسفة الإسلامية حيث كان يقول كل شيء لطلبته ولا يفهمون منه أي شي.

فثمة أناس مغرمون بالتعقيدات والتعبيرات الغامضة ويغردون خارج سرب المعرفة ويستخدمون لغة صلدة ومبهمة تنفر السامعين بخوائها وبلاهتها الفكرية.

سأكون ظالماً للاعتدال إن قلت إني لم أستفد مما قاله أ.د. عبدالوهاب راوح رئيس جامعة عدن في محاضرته القيمة عن الثوابت والمرجعيات في منتدى «الأيام» بتاريخ 8/11/2006م. ففي هذه المحاضرة قدم لنا الدكتور عبدالوهاب راوح طبقاً شهياً من المعارف والمعلومات واستخدم أسلوب التركيز والتكثيف في محاضرته مرفوقة بفكر عميق ولغة رصينة تمس شغاف القلب، وكأنه يؤكد قول الفيلسوف (هدجر): «إن لغتي هي مسكني، هي موطني».

فكثيراً ما ناجيت نفسي وظل سؤال يسكنني ويطاردني ويثير لدي اضطراباً وغموضاً: هل الأستاذ عبدالوهاب راوح متخصص في الدراسات اللغوية أم في العلوم الفلسفية؟ فتذكرت ما قاله الروائي العربي حنا مينه:

«يخطئ من يظن أن إنساناً قادر على فهم العالم دون أن يقرأ الفلسفة، على هذا الفيلسوف أو غيره ، ويخطئ أكثر من يحسب أنه قادر على الكتابة دون الاطلاع على الفلسفة ليس بصفتها (وصفة) بل كمرشد عمل في السياسة والأدب على السواء».

عندي حفنة من الملاحظات ولست حراً في بسطها بالتفصيل حتى لا يفسد الملل شهية القارئ على القراءة. أتقاطع مع الدكتور حول ثبات المرجعية ومن أنها واحدة (لا ينالها الاختلاف)، فالمرجعية ليست واحدة فهناك ألوان طيفية من المرجعيات منها: الفلسفية، المذهبية، الثقافية، السياسية، القانونية، والمؤسسية.

وهناك مرجعيات روحية ومادية فلابد من أن نحدد عن أي مرجعية بالضبط نتحدث!! فكل شيء متغير في عالمنا يتبدل ويتطور ويتحول بنسبية محددة بما في ذلك الثوابت والأسس والمبادئ والمفاهيم والمرجعيات تبعاً لتغير الظروف والعوامل والمناخات فقد تكون المرجعيات ثابتة في مكان وزمان ما ، ومتغيرة في مكان وزمان آخر.

فالإمام أبو حنيفة، والإمام مالك بن أنس، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل مرجعيات في المذاهب الفقهية.

والخليل بن أحمد الفراهيدي وأبو بشر عمرو بن عثمان (سيبويه)، وأبو الأسود الدؤلي، سلطات مرجعية في النحو واللغة العربية.

وذو النون المصري والبسطامي والحلاج وابن عربي، سلطات مرجعية في التصوف.

فقد تتشابك الرؤى والمفاهيم والمصطلحات المترعة بالإيحاءات العقلية والوجدانية والشعورية والسلوكية وقد «نتحاور في عناوين يفهمها كل واحد منا بطريقته الخاصة»، حسب تعبير العلامة محمد حسين فضل الله.

فالنص الجميل يقدم كسراً من الحقائق ويحرك جغرافية العقل ويحدث هزة في الوجدان وتتناسل منه الأسئلة ويقود إلى التفكير ونقد البنية الذهنية المتكلسة.

النص الجميل يفتح آفاقاً رحبة للسجال الواعي، ونافذة للتأمل، ويحفز العقل على تمحيص شبكة المفاهيم ونقد الأصنام والهياكل والأساطير ويقتحم منطقة الألغام.

قد نختلف وقد نتفق على المرجعيات والثوابت بنفس أكاديمي صارم وبلون من التسامح والمحبة والوداد، ولكننا سنتفق على عمق ونطاسة المحاضرة وكثافة معانيها، سنتفق على سلاسة العرض وجزالة اللغة ولباقة التحليل للدكتور عبدالوهاب راوح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى