الشاعرة هيام كلاس في ديوانها الأول

> «الأيام» عمر عوض خريص:

> قبل ست سنوات أخرج لنا صديقنا الاستاذ سالم علي الجرو ديوان الشاعرة الآنسة (هيام أحمد كلاس) المسمى (فتاة اليمن ابنة الوراق الشهير) بتقديمه وتعليقاته على حواشيه وفي ما يشبه بكتابه مدخل للقصيدة أو تأويل للنصوص ، ولم نكن نعهد مثل ذلك في نشر دواوين الشعر للشعراء الأحياء المعاصرين ما عدا كتابة المقدمة، ولا اعتراض هنا، ولكنه تنويه بأهمية الموهبة التي أراد أن يقدمها الاستاذ سالم وهو صاحب المؤلفات العديدة التي تربو على الخمسة في التاريخ والتراث، ونحن نجد في ما قدمه لنا أيضاً موهبة شعرية تستحق أن تبرز، نقرر ذلك في ضوء ما بين أيدينا من قصائدها ومقطوعاتها التي احتواها الديوان الأول لها، ويعجبني في الشاعرة اعتزازها بشعرها وحبها له، ولعل هذا الحب والتفاني في الاخلاص للشعر هو ما أكسبها الإجادة فيه إلى الحد الذي وضعت فيه أقدامها ثابتة راسخة على طريق الإبداع الشعري، تعزز به موهبة تريد إثبات مقدرتها في نسج الشعر، وهي تعلن ان الشعر عندها إنما هو:

نغم ينساب في أذني سحراً ذلك لحن ساحر أو ذاك شعراً

أنت يا شعر طيوب عبق من كمان الزهر قد ضوعت عطراً

أنت قيثارة ألحان غدت ترسل الأوتار بالأنغام تترى

أنت (كالراح) اذا شنفت أذناً تنتشي من عذب ذاك اللحن سكرى

فإذا كانت هذه (أنشودة الشعر) لدى الشاعرة، فذلك يعني أنا ننتظر منها دفقات الشعر أكثر عذوبة وأكثر إشراقاً، كما نرجو أن يكون أكثر متانة في طرحه ورؤاه، ولا شك في مقدرتها لاسيما وهي تعتذر لأشعارها إذا اشتد زخم الأفكار وتزاحمت أو تعارضت خطوط تلك الأفكار فهي القائلة:

لقد جفت ينابيعي ونبع الشعر بي جاري

فحبك يا قوافي الشعر في قلبي غدا ضاري

وأنت اليوم أدرى بي ولا تخفاك أخباري

اذا اضطرمت معاني الشعر في حلمي وأفكاري

وقصائدها التي بين أيدينا في ديوانها هذا تمحورت حول ثلاثة محاور أو مواضيع وهي (حب الوطن، وحب الأب، ونشدان الحبيب) وقد نال الأخير القسط الأكبر من عدد القصائد فيه، مما لم يخرجها من رومنسيتها الحالمة، فبقت غارقة في أحلامها الوردية، تنثر الحب وتنظر الموعد الآتي، ولم يحظَ الوطن في ديوانها سوى بقصيدتين ولكنهما من أطول قصائد الديوان وأجملها، فالأولى (الحنين إلى الوطن) في (35) بيتاً، سكبت فيه حنينها وأشواقها، وهي المغتربة التي تعتلج خواطرها وتعج بالشوق العارم والحنين الجارف، وهي تكن الحب الكبير لمسقط رأس والديها قريتها (عبس) وترى من خلالها ذلك الوطن الكبير برحابة أرضه وسكانه، نسمعها تردد ذلك في قولها:

يمني الحبيبة إنني من لوعتي قد ذبت من شوقي فهل ألقاك

إن كنت في بعد فأنت هاهنا بين الجوانح والفؤاد حواك

عهدي وميثاقي وحبري من دمي وبخط قلبي والدماء فداك

يمني الحبيبة واللقاء ممجد أني نذرت به سألثم فاك

أما قصيدتها الثانية (موكب الخيرات) فهي صدى لقصيدة الشاعر الشيخ (منصور أحمد منصور) بمناسبة أول زيارة للأمير سلطان بن عبدالعزيز لليمن، كان هذا الحديث حرياً أن يحرك وجدانها وهي المقيمة في الرياض، وتراقب التقارب الأخوي بعد مشاحنات (حرب الخليج) وما تابعها، هذه الزيارة وقصيدة المنصور يتفاعلان في صدرها ومشاعرها، فتنهج على نهج الشاعر المنصور قائلة:

أيا موكب الخيرات حيتك أنجم وحييت من أرض إليها ميمم

أرى اليوم شمس الحب بالنور أشرقت فشاع الرجاء فينا وقد كان مظلم

ألا فاهنئي يا أرض بلقيس وانشري شذى الحب في قلبي لسلطان مفعم

إلى قولها:

فمن أرض نجد هاج شعري وحثني وصفق قلب بالعواطف مفعم

أصول وأعراق تشد جذورنا ويضرب في أعماقنا المجد المعظم

يماني والإيمان ايضاً حكمتي يمانية قول الرسول المعلم

أما الأثر الثاني في شعرها فهو حول والدها الشاعر (أحمد كلاس) ويصدق عليها المثل العربي (كل فتاة بأبيها معجبة) بحذافيره، ذلك الإعجاب أو الحب الكبير الذي تحمله وتكنه لوالدها. سيطر على عواطفها الفتية فانسجت من ذلك الحب الأبوي قصائد تتلى على مسمع الزمان، مثل قولها في أبيها:

سلامي وإعزازي يخط ويكتب

إلى والدي الكلاس أكرم به أب

إلى الله أدعو أن يزيدك نعمة

وأني لأرجو العون منه وأطلب

فإنك نور العين والفكر الذي

يضيء لنا الدنيا ضياء الكوكب

وإنك نهر الخير والحب الذي

يفيض عطاء خيره لا ينضب

أحبك يا ابتي وأفخر أنني

إلى والدي الكلاس أني أنسب

وهي بعد هذا وذاك تتحسسه وتشاركه همومه وتواسيه في مرضه وتمازجه في عواطفه واهتماماته، فحينما يحرق الأب قصائده مخافة أن تفسر تفسيراً خاطئاً من قبل المغرضين لدى السلطان، كانت البنت الشاعرة مفجوعة بما حدث، فتقول:

ما كنت أحسب بالقصائد أفجع

يوما وشعرك يا أبي سيقطع

يا لهفتي لقصائد قد صغتها

درا ثميناً بلى قصيدك أروع

أحرقتها بالنار ويلي فلتكن

بردا سلاماً ليتها لي تسمع

يا أيها النار التي أحرقتها

وبجوفها شعر أجل وأرفع

فجع الفؤاد على القصائد ليت

لم يوما بهاتيك القصائد أفجع

وبين جوانح هذه الشاعرة عاطفة متأججة وقلب ينبض يبحث عن الحب المثالي، حب يستحوذ على مشاعرها وكيانها، لعلها تجده يتجسد حقيقة ماثلة في واقعها، حقيقة تروي ظمأها وتستقر به نفسها التواقة، ولو عاشت ذلك الحب واحتضنته فلربما كانت أشد تغريداً في دوحة الحب وأجمل تحليقاً في سمائه، إنها تنتظر حبيباً نقياً تقياً يطرق باب أبيها قبل باب قلبها، ثم يأخذها على حصانه الأشهب ليغيب بها في عالم الأحلام.. إنها تسمع عن الحب وتقرؤه فهي تعرفه في شعرها بقولها:

قيثارة الحب أنت لحن جميل

ينتشي العاشقون فيك سكارى

وهج الحب كم أضاء قلوباً

دفئه في المحب لا يتوارى

إلى قولها:

في مدار الحب دارت قلوب

كيف لي بدخول ذلك المدارا

نعم إنها لم تلج ذلك المدار ولم تعرف مساره وتعايشه، فهي تنشده في واقعها وأحلامها، وتنشده ولكن بشروطها، وهي شروط البنت اليمنية المحافظة.

من أنت يا سيدي.. أراك حلماً

يشع في أفق حياتي

أراك زهراً.. لم يتفتح بعد في حدائقي

لا أعرف اسمك.. لا أعرف رسمك

لا أعرف شيئاً عنك.. الا أنك أنت من أنتظر

وهي تعشق هذا الغائب المنتظر.. وتجسده في شعرها حبيباً تناجيه، بل أحياناً تعاتبه لتأخره، فهي منتظرة ولن تمل الانتظار، وتتمنى ألا يطول انتظارها، وهي تزداد حباً وشوقاً، وهي تجعل للحب تمثالا لا لتعبده (حاشا لله) ولكن لتراه بين عينيها صباحا ومساء، وهي تقول في قصيدتها (تمثال الحب) :

أحقاً ما تقولي يا نجومي غداً ألقاه أم هذا محال

وداء الحب يسري في فؤادي ورؤية من أحب هي الدواء لي

ليلي مثل نهاري قد تساوي غياب الشمس أو طلع الهلال

نصبت الحب تمثالاً ورمزاً ومن أهوى بعيد لا يبالي

فهل ألقاك يا حلمي وتبقى حقيقة واقعة ليس خيالي

وفي الديوان قصائد جميلة وأبيات غاية في الرقة لم يفسح لها المجال هنا تنبئ عن نفس شاعري جميل للشاعرة هيام أحمد كلاس المولودة بالرياض عالم 1973، وكلنا ثقة في أن الأيام المقبلة سوف تحمل لنا من أنـبـاء الـشـاعرة وشعرها ما تقر به العيون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى