بين ذكرى جبران تويني وإعلان شرعة حقوق الإنسان

> كلوفيس مقصود:

>
جبران تويني
جبران تويني
تصادف اليوم بداية الذكرى الستين لإعلان شرعة حقوق الانسان التي شارك في وضعها بشكل رئيسي اللبناني الدكتور شارل مالك ومساعده آنذاك الفلسطيني الدكتور فايز صايغ. ولكن أين لبنان وفلسطين من مفاعيل حقوق الانسان؟

في لبنان اليوم الذكرى الاولى لاستشهاد جبران تويني، وكأن هذا التزامن يأتي ليذكّرنا بحرمة حرية التعبير كحق اساسي يمارسه الانسان بغية المساهمة في إثراء قدرة البشر على اكتشاف الحقيقة. كما يأتي هذا الاحتفال اليوم مؤشراً الى أن كثيرين منا في دنيا العرب يعانون خنق حقوقهم لكونهم لم يعتبروا حرية الرأي إثراء لحقوقهم التي هي في نهاية الامر إثراء لحضارتهم.

في ذكرى جبران تويني، الاغتيال ليس جريمة أو انتهاكاً لحرية التعبير فحسب، بل فيه عداء للحضارة.

وإذ نستذكر شهداء لبنان الاحياء مروان حماده ومي شدياق والياس المر، والذين غابوا وآخرهم بيار الجميّل، نرى ان رد الآباء، وخصوصاً غسان تويني وأمين الجميّل جاء حضارياً وملهماً. لقد جعلا من النقمة البشرية المشروعة دافعاً للتصحيح، وبالتالي تجاوزا أي ميل الى الانتقام.

إن التجربة المأسوية لغسان تويني وأمين الجميّل صقلت تجذّرهما في حب لبنان، وكانا حضاريين فوق المألوف، فهنيئاً للبنان بهذه الأصالة.

***

هذا اليوم الذي تتظاهر فيه قوى تحالف المعارضين للحكومة في لبنان بالشكل السلمي والمنضبط، هو دليل على أن ارض لبنان وإطاره وشعبه قادرون على استيعاب هذا الحق في التظاهر والمطالبة. وهذا يؤكد أن لبنان المتمتّع شعبه بالحيوية، عليه أن يحرص على سلامتها من خلال تحسين الخطاب وجعل السلوك مدخلاً لتوافقه لحماية حق التظاهر من احتمال الإمعان في الانقسام. من هنا تصبح حرمة الكلمة مادة لمعنى ما ورد في وثيقة اعلان حقوق الانسان منذ 59 عاماً.

هذه الحرمة يجب أن تصان وأن يكون خطابها مساهمة في الإقناع وتجنباً للإملاء. عندئذ تنتعش الديموقراطية وتصبح هذه التعبئة سنداً لمن استشهد بالاغتيال ولضحايا عدوان الاحتلال.

لذلك فإن توأمة الذكرى السنوية لاستشهاد جبران تويني مع هذا التجمهر الكبير للمعارضة تشكّل عنصر الالتحام المطلوب وخميرة للوحدة الوطنية المغيبة. عندئذ يتحول ما يبدو أنه خلاف او نزاع، اختلافاً يثري حرية التعبير ويعيد الى لبنان دوره كخميرة، وتصبح شرعة حقوق الانسان حقيقة على الارض العربية عموما. اذذاك يستعيد لبناننا كونه التجربة التقدمية والديموقراطية التي تحتذى، وليست كما هي في المدة الاخيرة تجربة يجب اجتنابها.

***

علينا جميعاً في هذه المناسبة ان نلغي أي احتمال لعودة نزاعات الأوهام المسلّحة والتي يفرزها النظام الطوائفي الحائل دائماً دون مناعة لبنان في مواجهة التحديات القائمة والمقبلة. كذلك علينا الحرص على أن يبقى لبنان الرد الحضاري على المشروع الصهيوني. ومهما تباينت آراؤنا واحتدمت المناقشات بين أي حكومة وأي معارضة، فإن لبنان لن يقبل بأن تطرح اسرائيل نفسها حكماً في ما هو مقبول أو مرفوض بالنسبة اليها، أو الى أي كان في هذا المضمار، لعلنا نأخذ سيادتنا بجدية مطلقة وقد يكون شهداء المقاومة اللبنانية في حرب تموز اكبر دليل على هذا الحرص وما ينطوي عليه من واجبات ومسؤوليات لجعل مناعتنا راسخة في أذهان أصدقائنا وأعدائنا. واذا أصرّ انصار الحكومة على التظاهر دعماً لها، كما هم فاعلون، فإن دقة التعبير ومسؤولية الكلمة تصبحان في حاجة أكثر الى شجاعة المرونة وتجنب شراسة الانفعال.

***

اللبنانيون اليوم في حالة قلق غامر. البعض قلقه يميل الى الخوف والبعض الآخر الى الاطمئنان. في هذا اليوم الذي تتقاطع فيه ذكرى شهداء الكلمة وشهداء العدوان الاسرائيلي، فإن هذا التقاطع يجب ان يكون تحريضياً على مصالحة تنهي الافتراق، فتكون حضارة الرد لكل من غسان تويني وأمين الجميل ضمير السلوك الحضاري لكل من الحكم والمعارضة، عندئذ فقط يعود ما كاد يضيع منا، من الوحدة المنشودة لوطن لا يجوز ان يبقى قلقاً على مصيره، وشعب لا يعقل ان يظل قلقاً على مستقبله.

المدير السابق لمكتب جامعة الدول العربية بواشنطن

عن «النهار» اللبنانية 10/12/2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى