هنيئا لك جنة الخلد يا ابنة عمتي

> محمد جعفر محمد ناصر:

> هي ابنة عمتي ما إن نظرتها في آخر وأول زياراتي للسلام عليها بعد غربة طويلة عشتها خارج الوطن حتى أحسست برغبة شديدة في البكاء.. لقد قالت حين رأتني لأول وهلة «إنك خالي جعفر .. رحمة الله عليه» ولكنها لم تدرك انها أكثر قساوة عليّ حين دفعتني إلي نبش الماضي بأفراحه وأتراحه.. فهي نسخة أصلية لأمها (عمتي) وكما يقول المثل «اقلب الجرة على فمها تطلع البنت لامها» وتساءلت بيني وبين ذاتي هل ارتمي بين أحضانها كما أفعل مع عمتي رحمة الله عليها حين كان يقوم عمي المرحوم حمزة محمد ناصر صبيحة كل يوم عيد بجمع أطفال الأسرة كلها في سيارته وحلمنا لزيارة أرحامنا، وهو ذاك الرجل الذي اشتهر بعطائه وحبه للخير لأفراد أسرته جميعها.. بل لكل من يطلبه .. رحمة الله عليه.. وتوقفت هنيهة فهذه ابنتها الكبرى.. ابنة عمتي التي اشتهرت بسعة صدرها وطيبة قلبها وعطائها المتدفق.. واحترت .. عمتي.. أين أنت ياعمتي.. في رحاب الله الواسعة لا ريب.. وهذه هي ابنتها وقد اختلطت بدمائها دماء أجدادي من آل ناصر وآل جرجرة «الشيبة» فكيف الحديث معها وأنا أتذكر أخاها (سمير) الذي ما كان يرانا اطفالا نقتحم البيت اقتحاما حتى كان يهرول نحونا بكل الحب والابتسامة لا تفارق شفتيه.. واشتقت الى من يربت على رأسي ويداعب خصلات شعري كما كانت تفعل عمتي قبل أن تمنحني تلك العيدية وقبلة الأرحام.

هي ابنة عمتي وإن فاقت سمعتها سمعة عمتي (والدتها) في الجود وأعمال الخير والدفاع عن حقوق المظلومين ومساعدة الأسر في الترابط والزواج وإحلال الحق وتباين الحلال من الحرام، ولكل منهما ظروف معيشية وزمن تعيشه.

وها هي الجنازة .. وهذا موكب الجنازة وأبناء عدن وغيرها يحملون النعش على أكتافهم الى آخر مراحلها في هذه الدنيا الزائلة.. ولتذهب الى الخالق سبحانه وتعالى لتجني ثمار كفاحها وأعمالها الصالحة.. وهناك بين الرجال وعلى الرصيف المحاذي للطريق وأمام بوابة المسجد (مسجد العسقلاني) حيث أقيمت الصلاة على روحها الطاهرة فيه.. امرأة تغطي وجهها بخمار أسود والدمع يبلله تسير مع الجنازة حتى وصلت إلى بوابة المقبرة - مقبرة القطيع - تلحظ عليها الحزن والأسى ..لا ندري ما فعلته بعد انتهاء مراسم الدفن .. هل انتظرت حتى انتهى الرجال من مهمتهم حتى دلفت إلى داخل المقبرة تبحث عن قبرها بين تلك القبور الكثيرة لتندب فقدانها لمرأة صالحة طالما أحسنت إليها. لا أدري.

ليتني أستطيع أن أقف موقفا من الموت كما فعل الشاعر الانجليزي الشهير جون دون رجل الدين والكنيسة وخريج الجامعة في القرن السادس عشر أو السابع عشر الميلادي متحديا الموت داعيا له بالزوال لأنه ليس إلا وسيلة نعبر من خلالها الدنيا الزائلة إلى دنيا الخلود.. لقد أفلح عمي المرحوم حمزة محمد ناصر رحمة الله عليه حين اختار بحكمته المعهودة وفطنته التي اشتهر بها أخي وابن عمي محمد محمود ناصر المحامي ليكون عميدا لأسرة محمد ناصر (آل ناصر) من بعده .. لما لأخي وابن عمي محمد من سمعة طيبة ومركز اجتماعي نفتخر به جميعا وإنسانية تعبر عن طيبة قلب وسعة صدر وقوة إدراك حتى وإن لم يكن أكبرهم سنا.. فكيف لك يا ابنة عمتي أن تفخري وأن تقر عيناك وترتاح نفسك وأنت قد تركت لأبناء عدن جميعهم وغيرهم ابناً يحمل همومهم ومظالمهم ويحق لهم العدل والعدالة وما تصبو إليه أنفسهم في هذا العالم المتلاطم.. نعم يكفيك فخرا واعتزازا أن ينعم أبناء عدن جميعهم ذكورا وإناثا، شيوخا وأطفالا، بأنك قد منحتهم شخصية يتكئون عليها في شق الصفوف واجتياز المحن.. لقد قدمت لهم على طبق من ذهب بعد رحلة من الكفاح المستمر ولدك الحبيب هشام محمد علي باشراحيل بمعية أخيه الأصغر تمام ليكملا الرسالة التي طالما تحملتِ مرارتها وقسوتها خلف وإلى جانب والدهما المرحوم محمد علي باشراحيل رحمة الله عليه لإقامة نهضة ثقافية وصحفية على أرض عدن خاصة واليمن عامة.

هنيئا لك جنة الخلد ومع الصالحين السابقين في رحاب الله.. وقري عيناً..

وقد صدق من قال «من خلف لم يكن ليموت»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى