قصة قصيرة بعنوان (لصالح شمس بعيدة)

> «الأيام» أحمد سعيد باشا:

> ولد وبنت.. أثناء غفوة الطريق.. وفي غفلة استدراجهما لشيطنة نائمة، فبينما هما على وشك.. أقبل عليهما..ليس وحشاً آدمياً، إنما رجل أطول قليلاً من المعتاد، داكن السمرة، متجهماً وواجماً ومضطرباً كمجذوب.

كان قد اندفع في فم الزقاق كثور أسباني، وأخذ يطوي الطريق الخالي في تلك الساعة إلا من الطفلين، اللذين كانا على وشك..

رأياه من على بعد بمخيلة أفلام الكرتون، ماردٌ متسامقٌ .. متجهم كأنه يحمل غضب الرب وسيهجم عليهما لا محالة.

لحظة ذاك.. كانت أبخرة الرعب الصاعدة من جسديهما الصغيرين تصنع سحابة صغيرة، ما لبثت أن دوى صوتها فوق رأسيهما.. أظن أن صوتها تناهى إلينا نحن الكبار، بينما كنا نتثاءب من بقايا قيلولة أونتهيأ للذيذ خدر القات، فلعلنا لحظتها انكرناه في حين كانت السحابة في الخارج تسح بالفعل على الطفلين حتى غمرهما البلل وفاض ليسقط على رأس الزقاق الغافي.

نهض الزقاق منزعجاً، ثم تنبه وأبدى أسفه وتضامنه، وشرع يفك أسر الأقدام الصغيرة المتسمرة، استدعى على الفور القائم على فعل الركض، صرخ فيه بأن يسرع، وأهاب بالأرضية أن تبلع ماءها وتتمهد تحت الأقدام الطرية الراكضة.

ولا يزال يلهج.. بصوت يشع اصفراراً اكتست به عصريّة المكان. كان يستنفر قوى الطفلين، ويحاول تعطيل اندفاع الرجل المارد، الذي صار الآن خلفهما تماماً، ولعله قصد أيضاً انتزاعنا نحن الكبار من غفوتنا وخدرنا، فتداعى فينا الانزعاج ودفع بنا من مؤخراتنا إلى منافذ البيوت.

كان الطفلان فرخين هلعين .. يضربان بأجنحة لم تنبت بعد، صرخاتهما كونت جوقة متناغمة مع صوت الزقاق اللاهج.

المشهد من أعلى يفضي إلى أجواء سينمائية، يتجسد في عصرية شاحبة الملامح جراء مهرجان الأضواء المصفرة، وأبعاد المكان اتخذت لها جواً غرائبياً كأجواء الحلم .وفي الإطار.. يبدو الناس والبيوت والأشياء في حالة احتشاد وتوتر.

الجمهور الذي تدافع من منافذ البيوت.. تهيأ للدخول في إطار المشهد فأخذت العيون تجحظ وتستطيل كأذرع ممدودة، منها ما سارع في محاولة لالتقاف الطفلين، ومنها ما شرع ينصب شراكاً للرجل الهائج.

لكن أحدهم لم ينجح.. وعجلة المشهد لازالت تتصاعد، المسافة التي تفصل الرجل عن الطفلين تضيق.. والأصوات تخفت، الأصفرار ينسحب لصالح لون آخر قانٍ، الأصوات تتناهى إلى الصمت والمسافة ضاقت الآن بالفعل، الخرس والجحوظ هما سيدا الموقف، وإطار المشهد يتركز على المسافة التي صارت الآن عدماً.

الشيء المفترض حدوثه سيحدث.. إنه على وشك، الجحوظ والخرس هما كل شيء الآن، وقل أيضاً الصمت.. السكون.. الترقب .. وأضف عليها ما شئت من مفردات مناسبة .. المفاجأة مثلاً.. الدهشة.. المباغتة ..الـ...

لأن ثمة انحرافاً مفاجئاً حدث، ثمة تعديل في المشهد ليتك كنت هناك ليفلت عصفور من ذهولك، إذا تشاهد بعيني رأسك منظر الرجل الهائج وهو يمر كنسمة صيف بين الطفلين.. ويتعداهما ليتابع بعيداً هيجانه، ولم يحدث شيء مما كان سيحدث.

وليتك كنت حاضراً لتقتسم معـنا صـدمة التواري المفاجئ لديكورات الجو الغرائبي وأضوائه الملونة.. لصالح عصرية لا تزال في عهدة شمسها البعيدة الهاربة، ولترى الطفلين وهما يفرملان جسديها الصغيرين، وصرخاتهما تنسحب شيئاً فشيئاً..لصالح قهقهات طفولية، أشعلت فتيل هيجان من نوع آخر.. اعترى الجمهور المحتشد. وليتك كنت معنا.. لتعرف - كما عرفنا فيما بعد- أن الرجل كان أصم.. وأبكم..

وربما مجنوناً.. لا أجزم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى