في ظل الإهمال وغياب جهات الاختصاص .. حوادت المرور على خط عدن - تعز تصطاد أرواح البشر وفي أماكن محددة

> «الأيام» انيس منصور حميدة:

>
حوش للسيارات المتضررة في ادارة المرور
حوش للسيارات المتضررة في ادارة المرور
أنَّات وآلام وفواجع ومواجع تحكي عن قصص آباء وأبناء ونساء وأطفال وقف لهم الموت بالمرصاد بحوادث مرورية بشعة يخطفهم واحداً تلو الآخر بشكل مفاجئ من دون مقدمات يصل رجال المرور وسيارات الإسعاف على مشاهد وصور شنيعة فما بين أموات وضحايا تفحمت أجسامهم وأنات خافتة وحالات الإغماء وسيول من الدم الذي توزع أثره على المقاعد والأبواب والتراب وتزداد نسبة المفاجأة والذهول عندما ترى جثثاً بشرية ممزقة اختلطت الأعضاء وتفرقت الأشلاء ناهيك عن عويل وصياح مع وصايا المحتضرين خصوصاً عندما يكون ضحايا الحادث عوائل فيموت الأب والام ويحيا ويسلم أولادهم او العكس كذلك مناظر العورات وانكشافها أمام المنقذين وكل ما سبق هي مقدمة مختصرة لحوادث المرور التي تقع على خط عدن - تعز، وفي أماكن محددة مكررة وفي أيام المناسبات والأعياد حيث يتحول الفرح إلى أحزان ومصائب.

في هذا التحقيق نسلط الضوء على الحوادث المرورية على خط عدن - تعز أسبابها، أماكنها، الاجراءات وكيفية التعامل معها، العوائق مع الحلول اللازمة لتفاديها وأشياء اخرى فإلى التفاصيل:

بسبب اللامبالاة بقيمة الانسان وعدم الشعور بحياة البشر يعمد السائقون لقيادة سيارتهم بسرعة جنونية لتنتقل بعد ذلك السرعة الى مواقع الأخبار الالكترونية والعنوانين الرسمية للصحف في تفاصيل خبر الحادث المروري «الأليم» الذي راح ضحيته عدد كبير من الركاب، وإصابات بعضها خطيرة مع تضارب في عدد الوفيات وعدم التعرف على هوية معظمهم نظراً لبشاعة الحادث.

النقيب خالد العمري، مدير مرور الراهدة تكلم بأسف وأسى عن حوادث المرور وقال: «لقد بلغت الحوادث المرورية التي حدثت في العام الماضي 2006م مئه وعشرين حادثاً كانت النتيجة هي (64) متوفى و (221) مصاباً إصابات بعضهم خطيرة وتحولت إلى عاهات وإعاقات مستديمة» موضحاً «أن نطاق اختصاص مرور الراهدة (55) كيلومترا يبدأ من نقيل الإبل وينتهي في الضلعة الواقعة بين الشريجة والراهدة» وأضاف العمري:«إن من أهم أسباب الحوادث هي عدم وجود الإشارات الضوئية والخط الأبيض الذي يفصل بين الجهتين، والخطوط الصفراء التي تقع في محاذاة خط الإسفلت»، متسائلاً:«إلى متى سيظل الوضع بهذه الحالة المخيفة؟ ومن الأسباب السرعة الزائدة وعدم صيانة السيارات في الجانب الفني مثل الإطارات والتجاوز في الأماكن الخطيرة والمنعطفات»، وأشار مدير مرور الراهدة إلى حودث الدوس التي يكون ضحيتها الأطفال والنساء والأغنام والأبقار وحوادث الدراجات النارية وحوادث الانقلابات في الطرق الفرعية، وعن الاماكن التي تكثر فيها حوادث المرور قال: «هي منطقة ورزان وعقبة رحبات القريبة من نقيل الإبل وأجلة ورون بيردت ونقيل الزربي حيفان»، بهذه الأرقام المخيفة والأسباب الفنية والحقائق المرة تلفظ مدير مرور الراهدة عجباً كيف كانت الكارثة ومن المسؤول عنها؟! إن استنزاف أرواح البشر طريقة سهلة غفلت عنها جهات الاختصاص، هل عجزت وزارتا الداخلية والأشغال عن توفير الطلاء الأبيض والأصفر والإشارات المرورية؟ هل تعلم حكومتنا التي أزعجتنا بمنجزات هلامية أن الطريق من تعز إلى مدخل الشريجة سببت فواجع وإعاقات وتفككا أسريا وعائلات بلا سند وأطفالا يتامى ونساء ثكالى، خسائر ذات أثر اقتصادي واجتماعي وصحي يموت كلب أو قط في بلاد الغرب فتقوم الدنيا ولا تقعد ويعلن أصحابها عن وقفة حداد وخطابات العزاء، وفي طريق تعز اليمنية يكون ابن آدم رخيصاً جداً فيا أسفاه ولكن لا حياة لمن تنادى.

النقيب عبدربه العقبي أوضح لنا أن إسعاف الضحايا دائماً يقوم به الناس القريبون للحادث مباشرة «وبعد أن نعلم بالحادث إذا كان بعيداً نقوم بالاجراءات اللازمة التي تتمثل في تخطيط مكان الحادث والتحفظ على السيارات في حوش المرور والتواصل مع بعض أهالي ضحايا الحوادث في حالة وجود أرقام تلفونات أو أي وثائق تدل على الهوية». وما يلفت الناظر والسائر على خط عدن - تعز أيضاً هي نقاط النجدة وانتشار جنود الأمن الذين لا يمكن أن ننكر جهودهم، كذلك اليقظة المرورية الموجودة على الخط وبالذات منطقتي الشريجة وجول مدرم. اثنان من رجال المرور يقفان يومياً مرابطين وسط منطقة كرش هما علي علجة وفاروق أحمد القباطي، قالا إنهما بذلا جهودا مضنية في التوعية المرورية وتوزيع ملصقات وتحذيرات للسائقين خلال فترة عطلة العيدين، وتفرد علي عجلة بحديث لـ «الأيام» قال فيه:«إن الاهمال والتهور والوقوف المفاجئ في المنعطفات وانشغال سائقي المركبات بالتلفون والمسجل هي من أسباب وقوع حوادث المرور» وأوضح علجة أن أهم سبب هو ضيق عرض خط السير من وإلى عدن حيث غدا لا يناسب الأعداد المتزايدة لوسائل النقل خصوصاً أيام الأعياد والمناسبات، فيما أشار فاروق القباطي الى الإجرءات اللازمة عقب الحوادث منها تخطيط المكان ونقل السيارات والاحتفاظ بممتلكات الضحايا وإبلاغ جهات الاختصاص والتحقيق في ملابسات الحادث مع إحالة الملف إلى النيابة وتسهيل الاجراءات. فمن خلال حديث علجة وفاروق نستشعر عظمة دور رجال المرور والتضحية الإنسانية التي يبذولونها لكي ينعم غيرهم، يكدحون ويتعبون بين لهيب الشمس وصقيع البرد القارس ليتمتع السائقون والركاب والأسر بحياة هادئة مستقرة دون أحزان ومآس. كما لا يفوتنا الإشادة بالدور العظيم الذي تقوم به سيارتا الاسعاف والطوارئ على نفس الخط إحداهما ترابط في محطة البركاني كرش والثانية في نقطة العند فهاتان السيارتان تعملان بنشاط مثابر. قال محمد سعيد جازم القاضي إن هذا واجبهم محتم عليهم، وأجهش محمد سعيد بقصص وحكايات مؤلمة تكتنفها الحسرة والالم عن مشاهد من يتم إسعافهم بين حالات تتوفى مباشرة وبعضها في الطريق وأحيانا صياح وتألم بل يتحول مقعد الباص الخلفي إلى بركة من الدم ناهيك عن مناظر مقززة تدمي لها القلوب، وتجعلك تكره كل شيء وتشعر بمرارة القات الذي تمضعه. وأضاف محمد سعيد:«الحقيقة أن قيادة سيارة الإسعاف تحتاج قوة قلب وعزيمة السائق».

فيصل محمد صالح النجيد اعترضني من دون مقدمات عندما كنت أرصد حقائق وأرقاماً مع رجال المرور فقال:«هناك تنبيه مهم وعتاب لبعض أفرد المرور الذين يقومون بابتزاز السائقين والتعنت عليهم يترقبون بعض المخالفات الصغيرة والهدف هو أن يتصالح السائق بدفع مبالغ مالية تذهب لجيوبهم تحول المرور إلى محصلين ماليين وهات ياخمسين وهات مائتين إما ان يدفع السائق او يتم تهديده بالذهاب الى ادارة المرور». «كذلك سيارات الاسعاف ترتكب أخطاء عندما يقومون بتقديم طلبات ايجار الاسعاف في وضع حرج يكون الناس مشغولين بمصابهم وأوجاعهم مع وجود ميزانية مالية لهذا الغرض» هكذا وصف لنا عادل سعيد من جول مدرم عندنا شاهد سيارة الاسعاف الموجودة في نقطة العند بالتحديد تبتز الناس باسم حق الاسعاف.

الرائد مصطفى عبدالقوي علي عماد، مدير مرور القبيطة اختصر خطابه بأشياء مهمة أولها أماكن ذات خطورة تتكرر فيها مآسي الحوادث مثل منعطف الصريح الشريجة ومنعطف الحويمي كرش ومدرسة قميح وجسر محصوص مشيرا الى خطر الانهيارات الصخرية في موسم الامطار التي تسقط من النفق الجبلي الواقع بالمحمولة بين كرش والشريجة. وأفاد مدير مرور القبيطة بأن حوادث الدعس للدواب واحيانا للاطفال تقع في الخط «لكن المصيبة ان بعض السائقين يعمد إلى الهروب» وأعطانا مصطفى احصائية لنطاق اختصاصه على نفس الخط موضحا أن عدد الحوادث (58) منها (14) صدام و(10) دعس مشاة ودرجات نارية وانقلاب (34) سيارة خلال العام الماضي 2006م أدت الى وفيات واصابات جسيمة تقدر الخسائر بمبلغ تسعة عشر مليون ريال تقريباً.

عبدالمجيد ناجي الصبري، سائق بيجوت قال إنه دائما ما يمر في طريق عدن - تعز وان الشيء المزعج فيها هو كثرة الحوادث بالذات في موقع كود العبادل وجسر الحسيني ومثلث العند ومنحنيات تقع بين الطحان وعقان، على هذا المنوال صارت الحوادث على هذا الخط تشكل خطرا حقيقا وغولا مرعبا يخطف أرواح اليمنيين بشكل مفاجئ وأصبح عدد قتلى الحوادث المرورية في خط عدن - تعز في تزايد مستمر ومع كل ذلك لم تقف الجهات المعنية في المحافظتين وقفة جادة أمام هذه الأرقام ومعالجة الأسباب لوقف شلالات الدم.


تساؤلات لا بد منها
مع ختام هذا التحقيق نتساءل عن بكاء عشرات المواطنين كانت نهاية أهاليهم وذويهم حوادث انقلابات ودعس واصطدام كان الموت ينتظرهم بين الفينة والاخرى، على أرصفة الطرق ورغم انها أقدار الله المكتوبة لا يمكن اعتراضها لكن للاقدار أسباب ومسببات منها الحوادث وهناك أعمال وواجبات تقلل من مستوى نسب الحوادث؟ وتساؤل آخر نضعه أمام المختصين والرأي العام:إلى متى سنظل نذرف الدموع على المتوفين والمصابين فإن ما يحدث ينذر بكارثة استنزاف بشري من جسد الأمة والحاجة ملحة عندما نعلم انه في كل ست ساعات يقتل شخص في حادث مروري وأعظم من ذلك اصابات وعاهات حسب التقرير السنوي الصادر من وزارة الداخلية. سؤال أخير:

لقد سهلت الطرق الى منازل كبار مسئولي الدولة تم سفلتتها بأرقى الاسفلت لكن شيئاً من ذلك لم يحدث على خط عدن - تعز فأين الضوضاء التي تتغنى بها الحكومة بأنها مهتمة بالشعب ونصفه يموت على ضواحي طرق ضيقة متحفرة تفتقر للاشارات الضوئية والعاكسة؟

الحقيقة إنها قصة مروعة من كثرة الموتى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى