المتنبي يرثي جدته 3-3

> «الأيام» عبده يحيى الذباني:

> إكمالاً لما ذكرناه في الحلقتين السابقتين فإن المتنبي قد مضى في نهاية القصيدة يؤبّن جدته ويرثيها على هذا النحو:

فأصبحت أستسقي الغمام لذكرها

وقد كنت استسقي الوغي والقنا الصما

هبيني أخذت الثأر فيك من العدى

فكيف بأخذ الثأر فيك من الحمى

ولو لم تكوني بنت أكرم والد

فإن أباك الضخم كونك لي أمّا

هكذا قلب المتنبي معنى الفخر في البيت الأخير فلجدته أن تفخر وتقر عينا لأنه ابنها، وقد قال أيضاً في هذا المعنى في قصيدة أخرى:

ما بقومي شرفت بل شرفوا بي

وبنفسي فخرت لا بجدودي

ثم يأتي إلى هذا البيت العاتي، البيت الذي يمثل واحدا من مفاتيح شخصية المتنبي إذ يقول:

يقولون لي ما أنت في كل بلدة؟

وما تبتغي؟ ما أبتغي جل أن يسمى

فماذا كان يريد المتنبي وراء رحيله الدائم عبر الزمان والمكان؟ ما هذا الشيء النفيس الجليل الذي يبحث عنه؟ أما هو فقد حسم الإجابة حين قال: (ما أبتغي جلّ أن يسمى) .

حقاً كان المتنبي يريد الولاية أو الإمارة لكن هل هذا ما أراده فقط؟ وهل كانت الولاية عنده غاية أم وسيلة لما هوأجل وأرفع وأشمل؟ لعل المتأمل في شعره سيدرك ماذا أراد أن يحقق في حياته، ثم انظر إليه في قصيدة أخرى يقول:

أريد من زمني ذا أن يبلغني

ما ليس يبلغه من نفسه الزمنُ

كأنه هنا يطلب المستحيل، نظراً لعلو همته وطموحه فهو يريد من الزمن ما لم يحققه الزمن لنفسه علىأن فاقد الشيء لا يعطيه فهل كان طموح المتنبي يقع خارج الزمان والمكان فإن كان كذلك فكيف يسعى إليه وهو المستحيل عينه؟ ولعله أراد زمنه هو إذ قال (زمني ذا) بمعنى أن طموح المتنبي كان أكبر من زمنه كما كانت الكوفة وغيرها أصغر من وطنه!

بم التعلل لا أهل ولا وطن

ولا نديم ولا كأس ولا سكنُ

ومثلما بدا الشاعر مرثيته بمطلع عجيب مدهش هو أقرب إلى الفلسفة منه إلى الرثاء التقليدي فما هو يختتمها بهذا البيت الطريف الذي يحاكي الصخر في صلابته ويعبر عن نفسية المتنبي وفلسفته إذ يقول:

فلا عبرت بي ساعة لا تعزني

ولا صحبتي مهجة تقيل الظلما

فما أجدرنا اليوم في زمن الانكسار العربي نكبة ونكسة وكارثة أن نستشعر شموخ المتنبي وأنفته وقوة إرادته، كضرب من العزاء، والدواء:

فإنما الناس بالملوك وما

تصلح عرب ملوكها عجمُ

عش عزيزاً أو مت وأنت كريمٌ

بين طعن القنا وخفق البنود

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى