رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

>
من اليمين: فضل عبدالله بن علي العقربي، الشيخ محمود محمد العقربي ثم عمه الشيخ علي فضل العقربي والآخرين موظفين في حكومة عدن والأخير غير معروف
من اليمين: فضل عبدالله بن علي العقربي، الشيخ محمود محمد العقربي ثم عمه الشيخ علي فضل العقربي والآخرين موظفين في حكومة عدن والأخير غير معروف
الميلاد والنشأة .. مشيخة العقربي، أو ولاية العقربي كانت واحدة من الولايات التي تكون منها ما كان يعرف باتحاد الجنوب العربي .. Federation of South Arabia في 11 فبراير 1959م وتبلغ مساحة مشيخة العقربي مائة ميل مربع أي 25 ألفا و900 هكتار أو 63 ألفا و999 فداناً (تعرض جزء كبير منها للنهب). كانت سلطنة لحج تحدها شمالاً، وولاية عدن وسلطنة لحج شرقاً، وعدن الصغرى جنوباً، وبلاد الصبيحة غرباً.

كانت مدينة بئر أحمد عاصمة مشيخة أو ولاية العقارب ومن قراها المجاورة: بئر عيشة وبئر فضل والرباك وبئر سالم وغيرها. أما قبائلها: العقربي والضمبري والمقوري والضريبي وآل باقي وفخوذ أخرى منها: المشاهرة وآل بوحيمد وآل ماطر وحيد وآل قبيح والمناصب السادة آل باعلوي.

الشيخ محمود محمد فضل عبدالله العقربي، من مواليد مدينة بئر أحمد عاصمة مشيخة العقربي سابقاً في العام 1938م، وفي حاضرة مشيخته (بئر أحمد) تلقى دروسه الأولى في حفظ القرآن الكريم وتعليمه النظامي في مدرسة بئر أحمد الابتدائية، والتحق بعد ذلك بعدة دورات منها دورة في السكرتارية، كما عمل رحمه الله على بناء قدراته وتأهيل ذاته وتوسيع مداركه بجهود ذاتية.

الشيخ محمود في ولاية الأمر
في العام 1959م مع بلوغه عامه الحادي والعشرين نُصّب الشيخ محمود شيخاً لمشيخة العقارب بعد انتقال والده الشيخ محمد فضل عبدالله العقربي إلى رحمة ربه، وكان الشيخ محمود محمد فضل شاباً متنوراً وصاحب عقلية عصرية في إدارة شؤون الحكم.

شهدت مشيخة العقارب قيام نهضة زراعية كبيرة في عهده وذلك بعد إدخال المضخات الحديثة وإنشاء جمعية زراعية تشرف على الزراعة في بئر أحمد، وأصبحت بئر أحمد عضواً في جمعية منتجي القطن بعد نجاح تجربة زراعته في المنطقة.

ارتقى الشيخ محمود محمد فضل بتفكيره في قضايا التنمية وتمثل ذلك في عدد من القضايا منها دعوته لعدد من رجال الأعمال لتوظيف رؤوس أموالهم في استثمارات زراعية وذلك بإبرام اتفاقيات مع ملاك الأراضي ، وحققت الأطراف المعنية مكاسب مشتركة سواء أكانت مادية أو اجتماعية، وذلك بأن نسج سكان المشيخة علاقات اجتماعية مع رجال الأعمال وأصبحت العلاقات راسخة على مستوى الأسر.

أدرك الشيخ محمود محمد فضل أهمية البنية التحتية في عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية، فقام بشق طريق بئر أحمد الحالي وإدخال الكهرباء والمياه النقية إلى منازل بئر أحمد معتمداً في عملية التمويل على موارد المشيخة المحدودة وموارد حكومة اتحاد الجنوب العربي، وكانت المشيخة عضواً في ذلك الاتحاد وكان الشيخ محمود عضو المجلس الأعلى الاتحادي، وكانت الحكومة البريطانية تدعم الموازنة العامة الاتحادية وفق برامج تطوير.

الشيخ محمود والانتشار الاجتماعي
اتسم الشيخ محمود محمد فضل العقربي بحضور اجتماعي وثقافي، وتجلى ذلك الحضور في مشيخته أولاً، وكان رحمه الله يشرف على الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي كانت تنظمها مدرسة بئر أحمد أو التي كان ينظمها سكان المشيخة، وتجلى ذلك الحضور بالعلاقات المتينة التي ربطها مع العديد من الأسر العدنية المعروفة التي كانت تتردد على بئر أحمد في إجازات، ومن تلك الأسر على سبيل المثال لا الحصر: أسرة الأستاذ الفاضل محمد علي لقمان وزوجته الطيبة الذكر أم صلاح وبيت الترب والبيضاني واليريمي والسياني، ومن تلك الأسر آل محمد ناصر العريقة في مدينة التواهي الذين ربطتهم بالشيخ محمود علاقات متميزة أثمرت عقد قرانه بكريمة العطر الذكر جعفر محمد ناصر في العام 1960م، وأخذت تلك العلاقة بعداً اجتماعياً بعد دخول الشيخ محمود دائرة القرابة التي شملت آل باشراحيل وآل جرجرة، فالسيدة الجليلة الراحلة سعيدة محمد عمر الشيبة (جرجرة) حرم محمد علي باشراحيل (رحمهما الله) ووالدة الصديقين العزيزين هشام وتمام باشراحيل كانت أيضاً بحكم قرابتها بآل محمد ناصر، ابنة عمة زوجة الشيخ محمود محمد فضل العقربي.

الشيخ محمود ودائرة صداقة واسعة
كان الشيخ محمود صاحب دائرة صداقة واسعة ونوعية، ومن نماذج أصدقائه: عثمان حسين الأدهل وعبدالله حامد خليفة وسالم علي الزغير (والد الشهيد محمد سالم علي الزغير) وعدنان كامل وعزيز فضل عباس والأستاذ علي بانافع وعمر يوسف مكي والشيخ عزب محمد فضل العزيبي والوالد فضل صالح الطيار والسيد محسن زين السقاف والشيخ قاسم المفلحي والشيخ عبدالقوي شاهر وعبدالقوي محمد رشاد والشيخ عبدالحميد المعبقي، كما ربطته علاقات طيبة بالعديد من السلاطين والمشايخ وشخصيات سياسية واجتماعية أخرى من مختلف ألوان الطيف في الجنوب.

الشيخ محمود في ضيافة الوجيه عثمان الأدهل
في صفحة أخبار المجتمع بشطريها (لا تقرأ هذا) و(اقرأ هذا) نشرت صحيفة «القلم العدني» في عددها (365) يوم الأربعاء الموافق 23 نوفمبر 1960م (ص 11) الخبر التالي:

«أكد الشيخ محمود محمد فضل، شيخ العقارب بأن العدني غير أجنبي في بئر أحمد وذلك أثناء مأدبة غداء أقامها الوجيه عثمان حسين الأدهل لتكريمه في منزل المجاهد محمد حسن خليفة في فقم».

تدور «الأيام» ليصبح الشيخ محمود والوجيه عثمان غريبين في أرضهما، وظاهرة الاغتراب النفسي من أسوأ المظاهر والظواهر في حياة الإنسان. (راجع «الأيام»- حلقة رجال الذاكرة عن الحاجين عبدالحميد غانم وعثمان حسين الادهل بتاريخ 2 أبريل 2006م).

الشيخ محمود وبداية رحلة العذاب
نال الجنوب استقلاله من بريطانيا في 30 نوفمبر 1967م وحمل معه رياحا عاتية ساقت معها بشرا كان نصيب البعض منهم النزوح من مسقط رأسه إلى أرض الله الواسعة، فيما كان نصيب البعض الآخر منهم الاعتقال السياسي وكان منهم الشيخ محمود محمد فضل العقربي وعمه الشيخ علي فضل العقربي، الذي فاضت روحه الطاهرة بعد تسع سنوات من اعتقاله في السجن، وكان ثالثهم الشيخ حيدرة بن حيدرة العقربي الذي أفرج عنه لاحقا.

أفرج عن الشيخ محمود عام 1980م بعد فترة اعتقال دامت لأكثر من 13 سنة، ومكث بعدها في عدن مدة عامين لينتقل في العام 1982م إلى صنعاء، واستقر به المقام هناك حتى عام 1996م حيث عاد إلى مسقط رأسه بين أهله وناسه وأقام بينهم حتى اختاره الله إلى جواره ليلة 25 رمضان المبارك 1427هـ الموافق الاثنين 16 أكتوبر 2006م عن عمر ناهز الثامنة والستين عاما مخلفا وراءه قلوب المحبين في داخل بئر أحمد وخارجها، ومخلفا وراءه 3 أولاد الذكور منهم اثنان هما: 1- الشيخ محمد محمود العقربي 2- الشيخ عمرو محمود العقربي وبنتاً واحدة.

بعد عودة الشيخ محمود محمد فضل إلى مسقط رأسه في بئر أحمد، والرواية هنا لنجله الشيخ محمد محمود العقربي: «رد اعتباره كشيخ أسوة ببقية إخوانه من المشايخ والسلاطين وإرجاع حقوقه وممتلكاته وتعويض أسرته عما سلب منها.

عاش الشيخ محمود ومات وهو يسكن في بيوت إيجار مقابل إعانة شهرية من الدولة لا تزيد عن 6600 ريال (ستة آلاف وستمائة ريال فقط).

كثيرا ما كان الشيخ يردد قبل مماته أن حل مشكلته بعد الله سبحانه وتعالى هو بيد فخامة رئيس الجمهورية الذي كان يحلم بلقائه حتى وافاه الأجل».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى