يا مخارج الدّبعاء..!!

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
في كثير من أمور حياتنا التي اختلط فيها الحابل بالنابل، وقد سألني صديق عن معنى هذه العبارة الشائعة فقلت له إنها تعود إلى ساحات الحروب القديمة حيث يقوم حملة الحبال برميها على الفرسان أو على الأفراس لإسقاطهم أو إرباكهم بينما يقوم حملة النبال بالرمي على الأعداء من مسافات وليس وجها لوجه إلا ما ندر. ولا يجوز من وجهة نظر عسكرية وتنظيمية أن يختلط الاثنان وإلا عرقلا مهمات كل منهما، ويكون ذلك من بوادر الهزيمة، أو أنها الهزيمة بعينها لأن الاختلاط غالباً ما يكون مصاحباً للفرار، بينما يفترض بالمقاتل أن يكون كرارا غير فرار.

أقول إنه في الكثير من أمور حياتنا التي اختلط فيها الحابل بالنابل يكون الخوف على الضعفاء الذين تتناوشهم النبال وتشد وثاقهم الحبال، ولا يخارجهم سوى مُخارج الدبعاء من أم القرون، ويبدو لي أن الدبعاء في هذا المثل العدني الصميم هي الشاة التي لا قرون لها ومع ذلك تتنطّع للنطاح، وقد توفق فتهزم أم القرون وفقاً لتعبير الشاعر:

ترى الرجل النحيف فتزدريه

وفي أثوابه أسد هصور

ويعجبك الطرير فتبتليه

فيخلف ظنك الرجل الطرير

ذلك أن الصارم وحده لا يغني عن صاحبه شيئاً إذا لم تكن من ورائه يد ضرابة وقلب جسور، وقد رغب سيدنا عمر بن الخطاب أن يرى ويروز «صمصامة» عمرو بن معدي كرب الزبيدي، بعد أن ذاع صيت ذلك السيف في كل جزيرة العرب، وحين رآه ورازه خاب أمله في أن يرى شيئاً خارقاً فتحدث إلى عمرو في ذلك، فرد عليه: لقد رأيت يا أمير المؤمنين الحديدة ولكنك لم تر الذراع التي تضرب بهذا السيف، ومعنى كلام عمرو أن لكل أمرٍ أمراً يقف خلفه، فحتى الجبال المتطاولة إلى السماء، ليست سوى أكوام من التراب تحجرت في بوتقة الزمن ثم تراكمت وتماسكت حتى غدت ما هي عليه، ومع ذلك فإن عوامل الفناء من حتٍّ وتعرية تعمل فيها بلا هوادة، وسيأتي يوم من الأيام ترى فيه الجبل المنيف وقد أصبح قاعاً صفصفا {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} والعهن هو ما يتطاير من القطن يعمل فيه الندّافون وتتخطفه الرياح من بين أيديهم.

ما أكثر الدبعاوات والدبعاويين في حياتنا، وشعارهم الوطني ما غنّاه لهم مغنيهم محمد مرشد ناجي «كل من معه محبوب ونا لي الله» ونِعْمَ بالله خير معتصم.. أما القرونيات والقرونيون فلا يملك صاحب الضمير المحروق والقلب المسجور سوى أن يقول لهم المثل العدني الشهير: كم باتاكلي يا دودة..أيامك في الحياة معدودة.

وتفصيل ذلك أن هؤلاء المتاعيس على وفرة ما في أيديهم من أموال ورياش يجمعونها كحاطب الليل الذي لا يفرق بين التمرة والجمرة ولا بين الحبل والثعبان، تغيب عنهم، أو بالأصح تُغيَّب عنهم النِّعَم العظمى والهبات الكبرى وفي مقدمتها غنى النفس، وقد قيل في تعريف الغنى أنه الاستغناء عن الشي لا حيازته، وقد وصف العرب المرأة التي استغنت بزوجها عمن عداه «غانية» قبل أن تتدهور حال هذه الكلمة إلى ما يتبادر لذهن سامعها الآن، أضف إلى ذلك نعمة «الإيثار» والمُؤْثِر يرتقي في مدارج الإنسانية فلا يقف عند حد، أما المستأثر مولى الأثَرَة فلا يشبعه ولا يرويه شيء، وحاله كمن يشرب ماء البحر فيزداد عطشا.

ونختم بالمثل: ما مُخارج الدبعا من أم القرون.. رحماتك يا رب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى