الفنان عبدالقادر عبدالرحيم بامخرمة .. واحد من عمالقة الفن اليمني القديم

> «الأيام» إسكندر عبده قاسم:

> ولد الفنان عبدالقادر بامخرمة في جيبوتي عام 1926م، أما والداه فكانا ينحدران من «غيل باوزير» بحضرموت وكانت الأسرة تمتهن العلم الديني وكانت فقيرة، ولهـذا اعتمد الفنان عبدالقادر بامخرمة في دراسته على اجتهاده الشخصي فقط، وذلك مما مكنـه مـن إجادة اللغة الفرنسـية وكان لا بد له أن يعـمل لكي يعيش فتدرب وأجاد صيانة موتـورات الكهرباء بمصلحة البريد والبـرق فـي جيبوتي.

أما رحلته مع الفن فقد بدأت في المدرسة منذ الصغر في المراحل الابتدائية حيث كان يؤدي الأناشيد المدرسية وهو في العاشرة، الأمر الذي لفت انتباه المدرسين إليه فشجعوه كثيراً على ذلك، وكان يصعد منارات المساجد ويردد الأوراد والأذكار الدينية دون مكبرات الصوت يومها، وتعلم العزف على العود من المعلم في المدرسة ومن إرشادات خاله الذي كان يملك عوداً قديماً، وهو الشخص الوحيد الذي كان يميل إلى الغناء كهواية، أما أشد المعارضين للغناء فقد كان الشيخ (طيب بامخرمة) وهو عالم ديني.

وفي بادئ الأمر تعلم العزف على العود على أغنية «يامنجي من اليم ذا النون» التي كان يؤديها الفنان الشيخ إبراهيم محمد الماس. أما في بداية حياته الفنية فقد تأثر على حد قوله بمطرب جيبوتي الأول إبراهيم سعيد وقد ظهر كمطرب في المجتمع الجيبوتي حين غنى في أحد المقايل عند أصدقاء له في الخمسينات، حيث إنه لم يتخذ الغناء للكسب وإنما كهواية يمارسها في أفراح أصدقائه في المخادر والمقايل فقط، وشجعه هؤلاء الأصدقاء كثيراً في عالم الطرب، وكان من أشدهم حماسة صديقاه جامع نور وعمر أبوبكر بلفقيه.

خرج الفنان عبدالقادر بامخرمة إلى مدينة (عدن) بعد منتصف الخمسينات وسجل لإذاعة عدن أغاني فطارت شهرته إلى كل أرجاء جنوب بلاد اليمن وأفريقيا.

وبعد ذلك سجل بعضاً من أغانيه لإذاعة بلاده (جيبوتي) التي افتتحت في عام 1957، ولكنه لم يسجل أغانيه على أسطوانات كبقية المطربين آنذاك. كما أنه مارس التلحين في عشرين أغنية من كلمات أخيه سعيد با مخرمة والدكتور محمد عبده غانم وأبوبكر المعنى، وقد كان يجيد أنواع الغناء الصنعاني واليافعي والهندي.

إن فناننا الكبير عبدالقادر عبدالرحيم بامخرمة، الذي مكنته مواهبه الفنية في الغناء والمتمثلة بصوته القوي والجميل والأداء المتقن والعزف الحساس أن يحقق شعبية كبيرة في مسقط رأسه جيبوتي، ورفعته هذه الشعبية إلى المكانة الأولى وامتدت هذه الشعبية إلى المهاجرين اليمنيين في أفريقيا وجنوب بلاد اليمن آنذاك، وكان ذلك كافياً بل ودافعاً له في نفس الوقت على أن يبذل مزيداً من الجهد والاهتمام والنظر إلى الأمر بجدية، ولكن على العكس زادته الشعبية إهمالاً وتقاعساً شديدين وأقرب مثال على ذلك أنه لم يكلف نفسه قليلاً من الجهد لحفظ أغانيه، ولهذا كان يعتمد على دفتره الذي يسجل فيه أغانيه مما حرمه من الاشتراك في الحفلات الموسيقية الكبيرة والتي كانت تقام في جيبوتي والتي يحضرها بين الفينة والأخرى من شمال بلاد اليمن أو جنوبه وكذا الظهور في الشاشة الصغيرة.

وهذا ما أكده فنان اليمن الكبير محمد مرشد ناجي حفظه الله وأطال لنا بعمره.

وعندما فكر أن يقتحم ميدان التلحين ربما بدافع من أصدقائه أو تمشياً مع موجة التلحين في عدن وجيبوتي لم تلق تلك الألحان رواجاً لدى محبيه وكذا معجبيه لأسباب ضعفها من النواحي الفنية، حتى صوته الشجي المتميز لا يمكن التعرف عليه إلا من خلال المذيع في إذاعة جيبوتي، وظلت الألحان التراثية اليمنية وذات الأصل الهندي هي محل إعجاب الناس ولو كان مدركاً لحدود إمكاناته الفنية المشار إليها سلفاً وعلى قمتها صوته القوي والشجي لكان شأنه في دنيا الغناء جد عظيم.

وفعلاً إن ما حققه الفنان بامخرمة من شعبية كبيرة كانت كافية له للدفع به إلى مواقع أفضل، وكثير من الفنانين يتمنون ولو قليلاً مما حصل عليه من شعبية واسعة، ولكنه لا يرى للأسباب التي فصلناها ما يرون.

أخيراً، وهنا قد يتساءل القارئ الكريم لماذا الفنان البامخرمة من ضمن مشاهير الغناء في اليمن القديم وهو من خارج بلاد اليمن فنقول: إن الفنان بامخرمة بصرف النظر عن كونه يمنياً في المهجر إضافة إلى ما حققه فنه من شهرة واسعة، هو فوق كل ذلك خدم الأغنية اليمنية القديمة بين أهالي جيبوتي الأصليين وجعلهم يتذوقون الغناء اليمني كما يتذوقون غناءهم المحلي، والفنان البامخرمة خلّف عشرة من البنين والبنات وهو أصغر الفنانين سناً آنذاك، وكما عرفناه كان يتمتع بصحة جيدة لاهتمامه البالغ بصحته وأناقته ونضارته، وهو فعلاً قد صار واحداً من عمالقة الطرب والفن اليمني وكما سمعنا مؤخراً بأن أحد أولاده قد صار مسئولاً كبيراً في الحكومة الجيبوتية.

وأما حديثنا القادم فسوف يكون عن الفنان اليمني الكبير الشيخ علي أبوبكر باشراحيل الذي من أشهر أغانيه «لله ما يحويه هذا المقام» و«أنا من ناظري عليك أغار» فإلى اللقاء وشكرنا الجزيل لفنان اليمن الكبير محمد مرشد ناجي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى