> «الأيام» أنيس منصور:

بوابة المستشفى
«الأيام» ترصد في هذا التحقيق غيضاً من فيض قبح وبشاعة الفساد واضعة التساؤلات المريرة فإلى التفاصيل.
بداية البداية
بعد جهود ومساع حثيثة ومطالبات بذلها مدير عام القبيطة السابق محمد علي محسن يحيى بشأن بناء مستشفى كرش نظرا لأهمية المنطقة وتوسطها مناطق القبيطة الأخرى، كذلك إعادة الاعتبار لعزلة كرش التي كانت ساحة صراع ومواجهات بين جمهوريتين، يعزز ذلك أن لهذا المستشفى دورا بالغ الأهمية كونه يقع على محاذاة طريق عدن- تعز التي تكثر فيها حوادث المرور وحالات الإسعاف، وحاول بعض المتنفذين تغيير مسار ومخطط المبنى الى منطقة جبلية بعيدة لكن المدير العام السابق قاوم ذلك وأبطل ادعاءاتهم فكان القرار الفصل بأن يتم وضع المستشفى في كرش للأهمية.. لكن اتضح أن الغش بدأ منذ اللمسات الاولية لتنفيذه، وقد رصد المجلس المحلي آنذاك مبلغ 31 مليوناً تكلفة المبنى وتسلّم المقاول العمل والموقع وتسهيلات أخرى قدمها المجلس المحلي يطول شرحها.
شواهد رسمية
تلقت «الأيام» ثلاث عشرة ملاحظة وواحدا وعشرين اتصالا كلها تستنكر الاحتيال والغش في بناء المستشفى، كما عرضت علينا شكاوى بعضها مكتوبة وأخرى شفوية في لقاءات ومقايل. لكننا اكتفينا بالذهاب للجهات الرسمية صاحبة الاختصاص لأن أحاديث المواطنين واعتراضهم ربما يتم تأويلها على أنهم حاقدون على منجزات الوحدة وأنهم ينظرون من خلال نظارات سوداء .
< كانت بداية التحقيق مع مدير مكتب الصحة بالقبيطة الاخ علي حازم علي، الذي عرف مقصدنا وأصغى بصمت للاسئلة، ثم تنهد قائلا: «الحقيقة نحن غير راضين عن أداء وأعمال مبنى المستشفى، فالأعمال التي تم تشيبطها ليست بموجب المواصفات وليست حسب ما ورد في جدول الكميات، وظهرت تشققات وتصدعات على سطوح المبنى، وقد تسربت مياه الأمطار إلى داخل الأقسام، والمواسير البلاستيك عالية الضغط استبدلت بها مواسير عادية رديئة جدا، وهناك خمسة معامل للمبنى الذي بجانب المسجد لم تركب وخزانات السطوح سعة 200 جالون فيبر جلاس لم يتم تركيبها، والكوفية والخرسانية على السور غير متواجدة وسلالم المبنى ليس لها أثر والمواد الكهربائية لم تورد حسب المواصفات، وغرفة مولد الكهرباء في مكان منخفض تتجمع فيه مياه الأمطار، وفتحات تثبيت المكيفات غير مركبة، والبلاط الاسمنتي على ارصفة المبنى لم يوضع واستبدل به الاسمنت .. أعمال البناء كلها غش وتلاعب».
وأفاد مدير الصحة بأن مبلغا ماليا قدره خمسة مليون رصد ضمن موازنة 2006م من المجلس المحلي للمستشفى وقف المقاول عائقا بسبب عدم التنفيذ وسوف يتم ترحيله الى عام 2008م، وظل مدير الصحة يشرح لنا أوجه القصور حتى قلت ليته سكت موضحا أن المصيبة العظمى هي نقض الاتفاقية التي نصت على أن يتم استكمال البناء خلال ثمانية عشر شهرا، والآن وصلت الفترة الى أكثر من أربع سنوات، فالعمل يسير ببطء شديد.
واختتم علي حازم حديثه: «هذا ما عندي وهناك اشياء غامضة تحتاح الى نزول مهندسين مختصين للتشييك على المبنى».
إنها فضيحة تدل على سوء أعمال البناء وضعف الاداء وخيانة الامانة التي يعدها المقاولون نوعا من الشطارة والدهاء في بلد يسير تنفيذ مشاريعه بسرعة السلحفاة ويتمترس المقاولون خلف أسوار غير قابلة للاختراق والتصدع.
< عمال وعاملات مستوصف كرش أكدوا أنه من خلال قربهم من سير أعمال بناء المستشفى فقد شاهدوا العاملين في بناء المستشفى يستخدمون مواد منتهية وحديدا عليه آثار الصدأ كما أن نسبة النيس والكري أكثر من نسبة الاسمنت، والتقليل من منسوب الطلاء الداخلي، فالعمل يجري بطريقة عشوائية ودون مهندسين ومشرفين كأنما هو منزل شعبي وليس صرحا صحيا لمستقبل جديد.
كاميرا «الأيام» التقطت صورا على عجل للتشققات التي تتسرب منها مياه الأمطار والأبواب الخارجية التي تتساقط بعد تركيبها بيومين، وغرفة المولد الكهربائي الواقعة في حفرة تتجمع فيها مياه الأمطار ولم نستطع الولوج إلى بقية الأقسام الداخلية للمستشفى لأنها مقفلة من قبل المقاول .. كل المخالفات والاحتيالات شاهد على عدم وجود الرقابة والمتابعة وتواطؤ مقابل حق (بن هادي) .
< ونفس الغصة والحرقة وجدناها عند رئيس لجنة الخدمات بالمجلس المحلي دليل سالم طنبح، حيث تفضل قائلا: «بعد شكاوى الناس وعضو المجلس المحلي بكرش نزلنا الى مبنى مستشفى كرش فوجدناه في حالة يرثى لها .. هناك نواقص وتخلف عن بنود الاتفاقية وعن ما ترسى عليه المقاولات وشاهدنا التشققات وسقوط الأبواب وتم رفع تقرير تفصيلي بذلك لقيادة المديرية لاستدعاء المقاول ومساءلته عما حصل في مبنى المستشفى».
وأضاف: «وحتى الآن لم يتم استلام المستشفى».ومن خلال عبارات دليل طنبح اتضح أن ما يحدث في مبنى مستشفى كرش يمثل حالة معقدة نادرة تتداخل فيها القوى وتختلط المصالح عليها ويلعب المقاولون المتغطرسون مناورات في ما يسمى (عليكم بالصمت ومنا المقابل).

غرفة المولد
وأوضح أنه قام بدوره كمسؤول ورفع تقريرا مفصلا عن النواقص والقصور الى المجلس المحلي ونسخة منه للجهاز المركزي. وأضاف الاخ أحمد ناصر قائلا: «إنها مفارقات عجيبة بين هذا العبث وبين الصمت والتحفظات لبعض الناس، فلا إدانات ولا نقد ولا يحزنون» معبرا عن شكره لرئيس الجمهورية ومحافظ لحج اللذين أوليا اهتماما لهذه المنطقة بهذا الصرح الخدمي. واختتم حديثه بأنه ضد كل عمل سيئ يضر بالمصلحة العامة ويسيء للحكومة ومسؤوليها.
نقطة نظام
- نتساءل إلى متى ستظل مشاريع عزلة كرش بعضها مسجلة وأخرى مدرجة، وما يتم تنفيذه يظل رهينة في أيدي العابثين دون رقيب ولا حسيب ولا مهندسين مشرفين ولا يحزنون، وما يجري لمبنى المستشفى هو نموذج واحد لفساد المشاريع اليمنية.
- اختلفت روايات المنتقدين والمعترضين على البناء بين من يريد إنزال مهندسين وإعادة ترميم وإصلاح الخلل، وبين من يريد إحالة المقاول للنيابة.
ودعنا مبنى مستشفى كرش البائس الواقف على أطلال الزمن الغادر ينعى ذاته المتهالك من وخزات المقاولين والعبث مع سبق الإصرار والترصد.
لأن عقلية الربح طغت على مبدأ الأمانة فهل يستجيب محافظ لحج الاخ عبدالوهاب الدرة لنداءات واعتراضات المغلوبين على أمرهم.