مدرسة خسجة العطويين نموذج للأوضاع الصعبة في بعض مدارس التعليم بطور الباحة

> «الأيام» علي الجبولي:

>
غنية وزميلاتها بصمت ورزانة يفترشن التراب ويتظللن بالسماء
غنية وزميلاتها بصمت ورزانة يفترشن التراب ويتظللن بالسماء
كثر الحديث عن تردي أوضاع مدرسة خسجة العطويين على أكثر من صعيد، أبرزها الافتقار للمبنى المدرسي، نقص المعلمين، تسيب الإدارة وبعض المعلمين. لكن الخلافات بين إدارة المدرسة وبعض معلميها زادت الطين بلة حينما أدت إلى انتقال بعضهم إلى مدارس أخرى، مما عكس نفسه على استقرار العملية التعليمية بالمدرسة، فمنذ بداية العام الدراسي والشكاوى لا تنقطع ومعها تأتي مقترحات تلو أخرى دون أن تثمر معالجة ناجحة، حتى ليبدو أن هذه المدرسة الصغيرة أثارت لغطاً أكبر من حجمها. قبل نحو شهرين وضعت المشكلة على المجلس المحلي الذي شكل لجنة من المجلس وإدارة التربية للوقوف على أوضاع المدرسة واقتراح المعالجات. اللجنة بدورها اقترحت الحلول وأوصت بالمعالجات التي لم تكن سوى حبر على ورق لا يجد طريقاً للتنفيذ، فزادت الأوضاع سوءا. للاطلاع على الحقيقة من أرض الواقع، وكما تراها عناصر العملية التعليمية في المدرسة، زارت «الأيام» المدرسة مرتين متتاليتين، الأولى قبل إجازة العيد بأسبوع، كانت الساعة التاسعة والنصف لصباح بارد، وأمطار شتوية متصلة، لم يكن ثمة أثر ولو لمعلم واحد، عشرات التلاميذ والتلميذات يحومون بحسرة حول عشش الدراسة في انتظار معلميهم الذين لم يأتوا، في حين فقد بعضهم الأمل في أن يأتي المعلمون فغادروا المدرسة. تجمعوا حولي بفضول وحب استطلاع، ربما ظنوا أني معلم جديد عُين بمدرستهم. سألتهم أين المعلمون والمدير؟ أجمعوا على أنهم لم يأتوا منذ عدة أيام عدا معلم واحد حضر في الصباح ثم ذهب، دعاهم شاب من أبناء القرية، ولج نحو ثلاثين تلميذا وتلميذة إحدى العشش، تطوع الشاب بإلقاء درس ما، راقبت مستوى التحصيل، كانت الصدمة أن الوضع المزري بالمدرسة أنتج تحصيلاً علمياً مخيباً للآمال. تعطلت مهمتي واكتفيت بتكوين صورة عن حال المدرسة. التمست عذراً لغياب الإدارة والمعلمين ثم غادرت بنيّة العودة مرة أخرى. عدت بعد انتهاء إجازة العيد بأسبوع، عشرات التلاميذ والتلميذات وبعض المعلمين والآباء، تعرفت منهم على تكوين المدرسة وأبرز المصاعب التي تواجهها.

مقصورة الولي فصلاً وقبته إدارة
لا أثر لمبنى مدرسي أو سبورات صالحة للكتابة، كل ما هنالك أطلال عشش من جذوع الأثل، وسعف النخيل، بقايا عشش تساقط معظم مكونات سقوفها وواجهاتها، بجانبها مصلى (مشروع مسجد) بلا سقف، وعلى مقربة منه مقصورة لضريح ولي. هذه التشكيلة المتناثرة بجوار ضريح ولي الله الصالح محمد عبده أطلق عليها مجازاً مدرسة الفقيد يوسف عظيمان في الخسجة، إحدى قرى بلدة العطويين.

تشكيلة متنافرة تكون منها سبعة صفوف دراسية حشر بها 211 تلميذا وتلميذة تحت هياكل عشش غدت لا تقي من برد ولا تظلل من حر ولا تمنع مطرا أو تصد ريحا.

< عن تكوين المدرسة يقول المعلم علي سعيد نعمان: «تأسست المدرسة قبل سبع سنوات ،كان عدد التلاميذ 230 تلميذاً وتلميذة، لكن بسبب عدم وجود المبنى ونقص المعلمين انتقل تلاميذ وتلميذات الصف السابع إلى مدرسة أخرى حالها لا بأس به. خطة التكوين من سبعة صفوف من الأول حتى السادس، الصف السادس من شعبتين 25 تلميذاً و30 تلميذة، ولعدم وجود المبنى ونقص المعلمين أدمجت الشعبتان في شعبة واحدة. للأسف الصف الأول 40 تلميذاً وتلميذة دون معلم منذ بداية العام حتى اليوم. طاقم المدرسة مكون من مدير وسبعة معلمين فقط، نقص معلمان وبعضهم كثير الغياب. مدير المدرسة يغيب كثيراً من بداية العام ومن قبل العيد بأسبوعين حتى اليوم لم يأت نهائياً، وسجلّ التحضير (حافظة الدوام) أخذه معه. ونحن كالغنم الذي بلا راعي». ويضيف المعلم علي راشد أنعم «حال المدرسة يرثى له، لا يوجد مكان نجلس فيه أو نضع أدواتنا المدرسية، اتخذنا من ظلال قبة الولي إدارة».

< رئيس مجلس الآباء قال بأسف «لو أن غياب المعلمين ومدير المدرسة له مبررات كان الأمر طبيعياً، لكن غير الطبيعي الغياب المتواصل والتسيب على حساب أبنائنا».

سلبية لا تقوى شماعة الظروف على حملها
تحت كل عشة حشر عشرات من تلاميذ وتلميذات الصفوف من (1-3) ابتدائي، كجرذ يدخلون ويخرجون حيثما اختاروا ووقتما شاءوا، أطفال في عمر الزهور يفترشون الأرض ويلتحفون أديم السماء، يرتجفون من البرد ويتعفرون بالتراب، دونما وعي بالمخاطر الصحية، جلبوا أحجاراً جعلوها ببراءة مقاعد يتقرفصون عليها حفاظاً على ملابسهم من تراب العشش إذا ما دخلها معلم، مع أنه نادرا ما يدخل، حسب ما جاء في أحاديثهم.

< قالت أزهار صالح إنها تحب المدرسة لكن صفها - الصف الأول- بلا مدرس. سمية أحمد شكت من البرد، وتشاطرها القول زميلتها مارسيل خالد، ويؤكد زميلهما يحيى محمد: «ما معانا مدرس» أما موسى سيف فيقول: «المطر ينزل فوقنا». وباستحياء تقول غنية عادل إنها تجلس فوق تراب يوسخ ثوبها. وقال حاسم علي محتداً: «المدير ما يأتي إلى المدرسة»، أما سونيا نبيل فتشكوا بأنهم لم يعطوها كتاب رياضيات، ويشاطرها الشكوى زميلها صبري عادل «ما معنا كتب رياضيات ولا قرآن». أما محمد عثمان فيقول: «المدرسون يأتون لكن المدير ما يأتي»، ويشكو عاصم عبده من غياب معلميه: «أشتي أتعلم لكن المدرسين لا يحضرون كل يوم».

بجوار أطلال العشش مصلى بلا سقف وأرضيته من تراب، رص فوق إحدى جهاته بعض سعف النخيل، وطليت مساحة من أحد جدرانه بلون أسود أريد لها أن تكون سبورة. في هذا المصلى حشر 55 تلميذاً وتلميذة هم مجموع تلاميذ صفي السادس بنين والسادس بنات، بعد أن تعذر فصلهم. من حسن حظهم أن لديهم مقاعد ما زالت شبه صالحة للجلوس تمنع وصول غبار الحجرة إلى أجسادهم الطرية، لكن سعف النخيل المتناثر فوق رؤوسهم لم يعد يحميهم من برد كانون ولا يقيهم قيظ أيار.

< تقول نسمة محمد: «أريد أن أتعلم لكن ليس مع الطلبة، ليش ما يفصلونا لوحدنا؟ المدرسون يتغيبون كثيرا». أوصاف سيف قالت إنها تحب المدرسة لكنها تخشى حينما ينزل المطر أين تذهب؟، أما زميلهما حسان علي فيقول: «كل يوم يمرض طالب من صفنا ويروح بيته، ما توجد في قريتنا عيادة». ولا يريد حمدي سعيد سوى كتاب إسلامية ومكان للعب كرة القدم، حسب قوله.

تحت عشة الدراسة ينسجون أحلامهم
تحت عشة الدراسة ينسجون أحلامهم
بجوار أطلال العشش مقصورة الولي، مبنى شبه متهالك يتخذه المريدون سمرا في رمضان، كان حظ تلاميذ وتلميذات الصفين الخامس والرابع أفضل من زملائهم، إذ اتخذوا من هذه المقصورة صفين دراسيين، علقوا في الواجهة الأمامية لكل صف لوحاً اتخذوه سبورة.

وضع كهذا يتعرض فيه أطفال في عمر الزهور(6-14 سنة) لصنوف المعاناة يكشف عن سلبية المجتمع وتهاونه، لاسيما الآباء في إقامة ولو عشش حقيقية لدراسة أبنائهم تقيهم البرد والحر والريح حتى يأتي المبنى المدرسي الذي يحلمون بأنه سيأتي دون أن يعلموا متى سيأتي. سلبية كهذه لا تقوى على حملها شماعة الفقر والظروف المعيشية التي لا نكل من تعليق تخاذلنا وفشلنا عليها.

< وعما إذا كان ثمة أمل بتوفير مبنى مدرسي حقيقي يقول عبده صالح سعيد، رئيس مجلس الآباء بالمدرسة: «طرقنا أبواب عدد من الصناديق والمشاريع والمنظمات لكن مازالت الوعود لم تثمر. لدينا وعد من المجلس المحلي باعتماد مبنى مدرسي في مشاريعه الاستثمارية أو من خلال التواصل مع جهة تمويل أخرى. خسرنا كثيراً في المتابعة وما زلنا مستمرين ولن نفقد الأمل.

هذه مصاعب مدرسة خسجة العطويين كأنموذج للأوضاع الصعبة التي تشترك عدة عوامل في إنتاجها في بعض مدارس طور الباحة، ومع ذلك فحال المبنى المدرسي بحد ذاته ليستطيع تبرير نقص المعلمين أو تسيبهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى