> «الأيام» علي الجبولي:

غنية وزميلاتها بصمت ورزانة يفترشن التراب ويتظللن بالسماء
مقصورة الولي فصلاً وقبته إدارة
لا أثر لمبنى مدرسي أو سبورات صالحة للكتابة، كل ما هنالك أطلال عشش من جذوع الأثل، وسعف النخيل، بقايا عشش تساقط معظم مكونات سقوفها وواجهاتها، بجانبها مصلى (مشروع مسجد) بلا سقف، وعلى مقربة منه مقصورة لضريح ولي. هذه التشكيلة المتناثرة بجوار ضريح ولي الله الصالح محمد عبده أطلق عليها مجازاً مدرسة الفقيد يوسف عظيمان في الخسجة، إحدى قرى بلدة العطويين.
تشكيلة متنافرة تكون منها سبعة صفوف دراسية حشر بها 211 تلميذا وتلميذة تحت هياكل عشش غدت لا تقي من برد ولا تظلل من حر ولا تمنع مطرا أو تصد ريحا.
< عن تكوين المدرسة يقول المعلم علي سعيد نعمان: «تأسست المدرسة قبل سبع سنوات ،كان عدد التلاميذ 230 تلميذاً وتلميذة، لكن بسبب عدم وجود المبنى ونقص المعلمين انتقل تلاميذ وتلميذات الصف السابع إلى مدرسة أخرى حالها لا بأس به. خطة التكوين من سبعة صفوف من الأول حتى السادس، الصف السادس من شعبتين 25 تلميذاً و30 تلميذة، ولعدم وجود المبنى ونقص المعلمين أدمجت الشعبتان في شعبة واحدة. للأسف الصف الأول 40 تلميذاً وتلميذة دون معلم منذ بداية العام حتى اليوم. طاقم المدرسة مكون من مدير وسبعة معلمين فقط، نقص معلمان وبعضهم كثير الغياب. مدير المدرسة يغيب كثيراً من بداية العام ومن قبل العيد بأسبوعين حتى اليوم لم يأت نهائياً، وسجلّ التحضير (حافظة الدوام) أخذه معه. ونحن كالغنم الذي بلا راعي». ويضيف المعلم علي راشد أنعم «حال المدرسة يرثى له، لا يوجد مكان نجلس فيه أو نضع أدواتنا المدرسية، اتخذنا من ظلال قبة الولي إدارة».
< رئيس مجلس الآباء قال بأسف «لو أن غياب المعلمين ومدير المدرسة له مبررات كان الأمر طبيعياً، لكن غير الطبيعي الغياب المتواصل والتسيب على حساب أبنائنا».
سلبية لا تقوى شماعة الظروف على حملها
تحت كل عشة حشر عشرات من تلاميذ وتلميذات الصفوف من (1-3) ابتدائي، كجرذ يدخلون ويخرجون حيثما اختاروا ووقتما شاءوا، أطفال في عمر الزهور يفترشون الأرض ويلتحفون أديم السماء، يرتجفون من البرد ويتعفرون بالتراب، دونما وعي بالمخاطر الصحية، جلبوا أحجاراً جعلوها ببراءة مقاعد يتقرفصون عليها حفاظاً على ملابسهم من تراب العشش إذا ما دخلها معلم، مع أنه نادرا ما يدخل، حسب ما جاء في أحاديثهم.
< قالت أزهار صالح إنها تحب المدرسة لكن صفها - الصف الأول- بلا مدرس. سمية أحمد شكت من البرد، وتشاطرها القول زميلتها مارسيل خالد، ويؤكد زميلهما يحيى محمد: «ما معانا مدرس» أما موسى سيف فيقول: «المطر ينزل فوقنا». وباستحياء تقول غنية عادل إنها تجلس فوق تراب يوسخ ثوبها. وقال حاسم علي محتداً: «المدير ما يأتي إلى المدرسة»، أما سونيا نبيل فتشكوا بأنهم لم يعطوها كتاب رياضيات، ويشاطرها الشكوى زميلها صبري عادل «ما معنا كتب رياضيات ولا قرآن». أما محمد عثمان فيقول: «المدرسون يأتون لكن المدير ما يأتي»، ويشكو عاصم عبده من غياب معلميه: «أشتي أتعلم لكن المدرسين لا يحضرون كل يوم».
بجوار أطلال العشش مصلى بلا سقف وأرضيته من تراب، رص فوق إحدى جهاته بعض سعف النخيل، وطليت مساحة من أحد جدرانه بلون أسود أريد لها أن تكون سبورة. في هذا المصلى حشر 55 تلميذاً وتلميذة هم مجموع تلاميذ صفي السادس بنين والسادس بنات، بعد أن تعذر فصلهم. من حسن حظهم أن لديهم مقاعد ما زالت شبه صالحة للجلوس تمنع وصول غبار الحجرة إلى أجسادهم الطرية، لكن سعف النخيل المتناثر فوق رؤوسهم لم يعد يحميهم من برد كانون ولا يقيهم قيظ أيار.
< تقول نسمة محمد: «أريد أن أتعلم لكن ليس مع الطلبة، ليش ما يفصلونا لوحدنا؟ المدرسون يتغيبون كثيرا». أوصاف سيف قالت إنها تحب المدرسة لكنها تخشى حينما ينزل المطر أين تذهب؟، أما زميلهما حسان علي فيقول: «كل يوم يمرض طالب من صفنا ويروح بيته، ما توجد في قريتنا عيادة». ولا يريد حمدي سعيد سوى كتاب إسلامية ومكان للعب كرة القدم، حسب قوله.

تحت عشة الدراسة ينسجون أحلامهم
وضع كهذا يتعرض فيه أطفال في عمر الزهور(6-14 سنة) لصنوف المعاناة يكشف عن سلبية المجتمع وتهاونه، لاسيما الآباء في إقامة ولو عشش حقيقية لدراسة أبنائهم تقيهم البرد والحر والريح حتى يأتي المبنى المدرسي الذي يحلمون بأنه سيأتي دون أن يعلموا متى سيأتي. سلبية كهذه لا تقوى على حملها شماعة الفقر والظروف المعيشية التي لا نكل من تعليق تخاذلنا وفشلنا عليها.
< وعما إذا كان ثمة أمل بتوفير مبنى مدرسي حقيقي يقول عبده صالح سعيد، رئيس مجلس الآباء بالمدرسة: «طرقنا أبواب عدد من الصناديق والمشاريع والمنظمات لكن مازالت الوعود لم تثمر. لدينا وعد من المجلس المحلي باعتماد مبنى مدرسي في مشاريعه الاستثمارية أو من خلال التواصل مع جهة تمويل أخرى. خسرنا كثيراً في المتابعة وما زلنا مستمرين ولن نفقد الأمل.
هذه مصاعب مدرسة خسجة العطويين كأنموذج للأوضاع الصعبة التي تشترك عدة عوامل في إنتاجها في بعض مدارس طور الباحة، ومع ذلك فحال المبنى المدرسي بحد ذاته ليستطيع تبرير نقص المعلمين أو تسيبهم.