هل هناك حاجة لتفعيل وإصدار القوانين والقرارت المنظمة لقطاع الصيدلة والدواء ؟

> «الأيام» د. علي محمد سعيد الأكحلي:

> ازدادت في الآونة الأخيرة ظاهرة صرف أدوية من الصيدليات دون وصفات طبية رغم أنها لا تصرف إلاّ بوصفة طبية، وعلى وجه الخصوص الأدوية المهدئة/المنومة التي تؤدي الى الإدمان أو الأدوية المنبهة وأدوية الأمراض النفسية، وهي أدوية تمثل خطورة على حياة الناس إذا أساؤوا استعمالها.

وكل هذه الأدوية تندرج تحت تسمية «الأدوية المراقبة» Controlled Drugs ولها تشريع خاص ينظم عملية استيرادها، خزنها وصرفها.

ومما سمح بتمادي هذه الظاهرة هو عدم وجود تشريع واضح ومحدد ينظم استلام وخزن وصرف هذه الأدوية وكذا عدم وجود صلاحيات قانونية تمكن جهات الاختصاص (الجهات الأمنية ومكاتب الصحة في عموم المحافظات) من التفتيش واتخاذ الإجراءات اللازمة عند نزولهم الى مخازن مستوردي الأدوية أو الصيدليات . والجدير بالاشارة هنا، أنه وتمشياً مع توجيهات منظمة الصحة العالمية، فقد قامت الهيئة العليا للأدوية في وقت مبكر (قبل الوحدة) باصدار قائمة بالأدوية المراقبةControlled Drugs ، تحتوي على أسماء الأدوية بالاسم الجنيسي Generic name حيث يتم منح مستوردي الأدوية تراخيص استيراد خاصة بهذه الأدوية يوقع عليها وزير الصحة شخصياً ، بعكس تراخيص الأدوية الأخرى التي يوقع عليها مدير عام الهيئة فقط . وتقوم الهيئة بمراجعة هذه القائمة دورياً وإضافة أية تركيبات كيميائية جديدة اليها، وفقاً للتعميمات السنوية لمنظمة الصحة العالمية بهذا الخصوص.

كما تقوم الهيئة العليا بتسليم نسخ من هكذا تراخيص الى مكتب منظمة الصحة العالمية(WHO) في صنعاء والتي بدورها تقوم بمراقبة حجم هذه الأدوية التي تستوردها اليمن سنوياً (بالكيلوجرام) لكل فئة من الفئات المصنفة ومتابعة الدول المصنعة/المصدرة لهذه الأدوية لمطابقة الكميات المصدرة الى اليمن مع ما استلمها اليمن فعلياً في نهاية كل عام. وهذه الرقابة هي أيضاً ضرورية لمعرفة ما إذا ادّعت تلك المصانع تصيدر أدوية مراقبة الى اليمن وبدلاً عن ذلك قامت بإرسالها الى دولة أخرى بغرض الاتجار غير الشرعي بها من ناحية، ومن ناحية أخرى معرفة ما إذا دخلت الى اليمن أدوية مراقبة (سواء تم مصادرتها في الموانئ أو لم يتم) ولم تمنحها الهيئة العليا تراخيص خاصة لاستيرادها وأرسلت الى اليمن بغرض الاتجار غير الشرعي بها.

وبالرغم من أن هذه الاجراءات إيجابية ومشجعة إلاّ أنها تعتبر خطوة واحدة من سلسلة خطوات ضرورية يجب اتخاذها ما بعد وصولها الى مخزن المستورد في اليمن. ويفترض لهذا الغرض إصدار تشريع خاص (قانون أو نظام) تحدد فيه قوائم بالأدوية المراقبة مفصلة بحسب فئاتها ثم يبين كيفية استيرادها، خزنها وصرفها والعقوبات المترتبة في حال الاخلال بأحد الاشتراطات المنصوص فيه. ومثل هذا القانون موجود ومطبق في الدول الأوروبية (أو الغرب عموماً) ويعرف بـ «قانون سوء استخدام الأدوية»Misuse of Drugs Act أو كما يسمى بـ«نظام المخدرات والمؤثرات العقلية» في بعض الدول العربية. ومثل هذا النظام أو القانون يوضح الإجراءات والاشتراطات المنظمة لخزن هذه الأدوية عند وصولها الى مخازن المستورد مع الاحتفاظ بتراخيص الهيئة وفاتورة الشركة المصنعة، سواء قام بشرائها من مصانع أدوية محلية أو استوردها من الخارج، وكذا طريقة خزنها وجردها (بطاقات أو سجل خاص برقابة المخزون يوضح المستلم والمنصرف والمتبقي)، ويبين الكيفية التي سيتم صرفها من المستورد الى الصيدلية (فواتيرخاصة بها) ، وكذا كيفية صرفها من الصيدلية الى المريض (نفس طريقة خزنها وجردها الموجود لدى المستورد مع احتفاظ الصيدلي بالوصفة الطبية). كما يحدد القانون شكل الوصفة الطبية للأدوية المراقبة (والتي تختلف عن الوصفة العادية) والاشتراطات التي يجب أن يتقيد بها الطبيب الواصف عند كتابته للوصفة، وكذا الصيدلي الصارف لهذه الأدوية بموجب هذه الوصفة. ويشتمل القانون عادة على الجداول التفصيلية بفئات الأدوية المراقبة وطريقة التعامل بكل فئة بحسب أهميتها وخطورتها، ثم تحديد العقوبات المترتبة من الإخلال بأي من الاشتراطات المنصوصة وتطبيقها على كل الجهات التي تتعامل مع هذه الأدوية مثل المستورد والطبيب الواصف والصيدلي الصارف لهذا الدواء وآخرين. ومن جانب آخر، يلاحظ أن بعض اشريعات أو القرارات الوزارية التي تنظم قطاع الصيدلة والدواء موجودة ولكنها غير مفعلة. فعلى سبيل المثال :

1- القرار الوزاري رقم 77/3 لعام 2002م «بشأن تحديد شروط فتح الصيدليات الخاصة» والذي ينص في المادة الثالثة (البند التاسع) على ضرورة أن لا تقل المسافة بين موقع الصيدلية الجديدة المراد فتحها و أقرب صيدلية أخرى عاملة هي 150 مترا من جميع الاتجاهات (أي أن تفتح في محيط دائرة يبلغ نصف قطرها 150 مترا من الصيدلية المتواجدة ، وكذا أن لا تقل المسافة عن 50 مترا للصيدليات الجديدة المراد فتحها في الشوارع المحيطة بمستشفى عام. فهل تم تطبيق ذلك منذ ذلك التاريخ؟

2- نفس القرار المذكور أعلاه يحدد الشروط الفنية للمحل المراد فتحه كصيدلية (أو مخزن أدوية في حالة تواجده خارج عواصم المحافظات). وهنا أيضاً نتساءل: هل طبقت هذه الاشتراطات منذ 2002م على الأقل، رغم وجود قرار وزاري قديم جداً بشأن شروط فتح الصيدليات الخاصة وفيه نفس الاشتراطات!

3- القرار الوزاري رقم 37/3 لعام 2004م بشأن تحديد سعر بيع الأدوية وطباعة سعر البيع للجمهور على العبوة الخارجية باللغة العربية من قبل الشركات المصنعة في بلد المنشأ مع طباعة اسم الوكيل في اليمن ورقم تسجيل الصنف لدى الهيئة العليا للأدوية وعلى أن يعمل بالقرار بدءاً من شهر أكتوبر 2004م.

ولقد مرت سنتان أو يزيد ولم يلتزم المستوردون به، عدا قلة منهم لا تتجاوز نسبتهم 2% ، حتى أن بعضهم أشعر الشركة المصنعة بطباعة اسم الوكيل ورقم تسجيل الصنف فقط مع إبقاء فراغ في المكان المخصص للسعر! وكما أعرف ، فإن المستوردين غير راضين عن هيكل التسعيرة المذكور في القرار الوزاري ويعتبرونه مجحفاً وبالتالي رفضوا تطبيقه. وهنا يفترض على وزارة الصحة أن تجلس من جديد مع المستوردين والاتفاق على هيكل تسعيري منصف يمكن تطبيقه، بدلاً من الاكتفاء بإصدار القرار دون التمكّن من تطبيقه. كما أن هناك بعض القوانين التي لم تعدل لتستوعب الظروف التي استجدت ، كما لا توجد قرارات وزارية تنظم مثل هذه المستجدات. وعلى سبيل المثال:

1- قانون إعادة تنظيم الهيئة العليا للأدوية والصادر عام 1999م والذي ينص على أن يتم بيع الأدوية من قبل المستورد إلى الصيدليات (فقط)، ولم يذكر جواز البيع الى تجار بيع الجملة الموجودين حالياً في السوق وهو قطاع جديد ظهر منتصف التسعينيات (قبل صدور قانون إعادة التنظيم عام 99م !). ويقوم تجار الاستيراد حالياً ببيع الأدوية الى الصيدليات إضافة الى تجار الجملة، والذين بدورهم يقومون بالبيع الى الصيدليات. والقرار الوزاري الآنف الذكرالصادر عام 2004م أكد تجاوز هذا القطاع وعدم الاعتراف به عندما حدد سعر البيع من الوكيل المعتمد (المستورد) الى الصيدليات الخاصة بأن يكون عبارة عن (سعر التصدير * سعر الصرف * 1,25 ) ، ولم يأت على ذكر سعر البيع من المستورد الى القطاع التجاري الوسطي (تجار الجملة).

2- لا يوجد قرار وزاري يحدد شروط عمل تجار بيع الأدوية بالجملة، من حيث اشتراطات المحل و وجوب توظيف صيدلي متفرغ مشرف على كل تاجر وضرورة حيازة تاجر الجملة على ترخيص مزاولة بيع الأدوية من الهيئة العليا للأدوية وكذا تحديد نسبة الربح التي يجب أن يضيفها المستورد على سعر البيع لتجار الجملة وكذا تحديد نسبة الربح التي يجب أن يضيفها تاجر الجملة على سعر البيع للصيدلية حتى يتساوى هذا السعر مع سعر تاجر الاستيراد الذي يبيعه مباشرة الى الصيدلية. وبسبب غياب تحديد هذه النسب، نجد أن سعر الدواء يختلف من صيدلية الى أخرى ، وهذا راجع الى طبيعة السعر الذي اشترى به صاحب الصيدلية إما مباشرة من الوكيل أو من تاجر الجملة.

3- لا يوجد قرار وزاري يحدد قائمة بالأصناف باسمائها العلمية التي يمكن صرفها بدون روشتة OTC Medicines وهي أدوية تعالج الأمراض الشائعة كأدوية علاج الصداع والسعلة والفيتامينات وأدوية الحموضة ...الخ، بحيث يحق للمشتغل بالصيدلية صرفها دون وصفة وبالتالي عدم مساءلته من قبل أي لجنة رقابية مختصة .

وفوق هذا كله، فإن مشروع «قانون الصيدلة والدواء» نفسه لازال حبيس الأدراج ولم يظهر الى النور. فهل نحتاج أكثر من ذلك للتدليل على أن هناك حاجة ملحة الى تدارك المعنيين في وزارة الصحة لهذا الوضع السيئ والتحرك سريعاً لسد هذه الفجوة التشريعية؟

ومن ناحية أخرى ، يستغرب المرء من وقوف الإخوة الصيادلة موقف المتفرج على هكذا وضع دون استشعار بالمسئولية، وكأن المسألة لا تعنيهم لا من قريب أو بعيد، بل وأعرف أن بعضهم يعمل على عرقلة تطبيق ما هو منصوص في بعض القوانين والإجراءات لأن مصالحهم الشخصية تتقاطع مع هذه الإجراءات المنظمة لعمل الصيدليات أومهنة الصيدلة بشكل عام، وهذا أحد أسباب تدهور الأوضاع الصيدلانية في البلاد ، إضافة الى سلبية الكيان النقابي للصيادلة سواء كان ذلك « نقابة الأطباء والصيادلة» أو «نقابة الصيادلة» التي تم إشهارها في عام 2004م. في الأخير ، أعتقد أن على المجالس المحلية في المحافظات إيصال صوتها الى وزارة الصحة بعدم رضاها عن أوضاع الصيدليات ومهنة الصيدلة، وأن تشعر وزارة الصحة بأن عليها شد الأمور قليلاً وإعطاء صلاحيات لمكاتب الصحة في المحافظات لتطبيق ما يمكن تطبيقه من القوانين والقرارات الوزارية باتجاه إصلاح الوضع ، وكذا حث الوزارة على إصدار التشريعات الضرورية لتنظيم هذا القطاع الذي يمس حياة الناس بشكل يومي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى