> «الأيام» د. محمد علي السقاف:

د. محمد علي السقاف
د. محمد علي السقاف
لا أشك لحظة واحدة أنه لو وجدت منظمات وهيئات دولية في مجال تحليل ودراسة النصوص الدستورية لدساتير الدول، خاصة للدول النامية، في مدى توافقها مع المبادئ الدستورية المستقرة في الوثائق الدولية لاحتلت التعديلات الدستورية في اليمن آخر قائمة دساتير الدول التي تلتزم بالمبادئ السامية الدولية المستقرة. وللأسف الشديد لا توجد منظمات وهيئات دولية تهتم بهذا الجانب كمثيلاتها منظمات الشفافية الدولية، أو صحفيين بلاحدود، أو العفو الدولية التي تراقب وتقيم تقاريرها أداء الدول ومرتباتها في انتشار الفساد أو الحريات الصحفية واحترام حقوق الإنسان والتي تصنف فيها اليمن في مواقع لا تحسد عليها.

ويستغرب المرء بشدة حين يسمع أحكام بعض النخب اليمنية أو يقرأ بعض المقالات والدراسات التي تشيد بالنصوص الدستورية والتشريعات اليمنية بصفة عامة على أنها من أفضل النصوص العربية إن لم تكن العالمية، وعيبها الوحيد ليس فيها وإنما في غياب التطبيق والالتزام بها!

من الواضح أن تقييما مثل هذا يصدر من غير المتخصصين وغير المجازين في القانون يفتقرون إلى الثقافة القانونية المقارنة بالتشريعات العربية والعالمية، وتقع المسئولية الجسيمة في الفوضى التشريعية وعدم دستورية التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2001م على عاتق (ترزية القوانين) بصفة رئيسية وعلى أعضاء مجلس النواب. وسنعطي مثالين فقط على ذلك ، غير الحالتين اللتين تشكلان موضوع المقال. المثال الأول يتعلق بتطبيق زيادة مدة ولاية الرئيس وأعضاء مجلس النواب سنتين إضافيتين بأثر رجعي، والمثال الثاني التمييز بين الحل لمجلس النواب والدعوة لانتخابات مبكرة لأعضاء مجلس النواب، والحالة الاولى تستدعي تنظيم استفتاء عام، وفي الحالة الثانية من دون استفتاء، في حين لا يوجد أي اختلاف بين موضوع الحل أو الدعوة لانتخابات مبكرة فالحل يعني دعوة لانتخابات مبكرة، وهذه الأخيرة تؤدي هي أيضاً إلى حل المجلس. وبالإمكان ذكر عشرات الأمثلة التي تستخف بعقول المواطنين ونخبها السياسية من قبل جهابذة (التجميل القانوني والسياسي) لـ (ترزية القوانين) في اليمن.

في إطار موضوع عنوان مقالنا يتبين لنا مدى خطورة تخريجات (ترزية القوانين) في جعل مؤسستين دستوريتين ولايتيهما غير محددة مدتاهما كنموذجين آخرين لهذه الفوضى التشريعية فيما يخص (مجلس الشورى) و(المجالس المحلية) للوحدات الإدارية.

أولا: مجلس الشورى:
الحالة الفريدة عالميا أنه منذ إنشاء مجلس الشورى اليمني انطلاقا من التعديلات الدستورية لعام 2001م لا النص الدستوري ولا القانون رقم (39) لسنة 2002م بشان اللائحة الداخلية لمجلس الشورى حددت مدة الولاية للمجلس! في حين أن جميع الدول التي أخذت بنظام المجلسين أو الغرفتين تحدد مدة الولاية للمؤسسات الدستورية وهذا أمر بديهي إلا في بلد الحكمة اليمانية! وحتى لا نثقل نص المقال بمقارنات دستورية كثيرة سنكتفي ببعض الأمثلة لبعض البرلمانات العربية بدءا ببرلمانين في دولتين من دول مجلس التعاون الخليجي التي تتأهل اليمن اقتصاديا لتواكب اقتصادياتها، و تبين الأمثلة حاجت اليمن أيضا إلى تأهيلها تشريعيا.

فالمجلس (الموازي) لمجلس الشورى اليمني في ممكلة البحرين هو مجلس الشورى (المعين) الذي حددت المادة (54/أ) مدة العضوية فيه بأربع سنوات، وفي سلطنة عمان الغرفة الثانية فيه هو (مجلس الدولة) المعين، وأوضح النظام الأساسي للدولة (الدستور) الصادر في عام 1996م في المادة (58) أن البرلمان يتكون من: 1- مجلس الشورى، 2- مجلس الدولة، ويبين القانون اختصاصات كل منهما ومدته.

وفي الأقطار العربية الأخرى كالأردن، فإن مدة ولاية مجلس الأعيان محددة بأربع سنوات (المادة 65/أ)، وفي المغرب مدة مجلس المستشارين هي 9 سنوات (مثل مجلس الشيوخ الفرنسي)، في حين مدة مجلس الأمة في الجزائر هي 6 سنوات، وفي مصر 6 سنوات ايضا لمجلس الشورى المصري.

لقد كان من المعتقد في غياب تحديد مدة ولاية المجلس الاستشاري، وهو أمر غير طبيعي، أن التعديلات الدستورية لعام 2001م بتحويل المجلس الاستشاري إلى مجلس الشورى سيحرص المشرع فيها على تدارك ذلك الغياب بتحديد مدة العضوية في المجلس الجديد، خاصة بعد توسيع نطاق اختصاصاته لعل أهمها مشاركة مجلس النواب في تزكية مرشحي الرئاسة كما حدث في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وما أضافه مؤخرا له قانون مكافحة الفساد رقم (39) لسنة 2006م في المادة (9/ج) اختصاص تقديم قائمة مرشحين إلى مجلس النواب لاختيار أعضاء (الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد).

لا يعرف حقيقة سر «الحكمة» إن وجدت في غياب أي تحديد لمدة ولاية مجلس الشورى خلافا لأصول مبادئ وقواعد الفقه الدستوري.

ثانيا: المجالس المحلية للسلطة المحلية
الفوضى التشريعية بامتياز صاحبت تجربة المجالس المحلية المنتخبة سواء في اطار مدة الولاية أو في نطاق ما يمكن تسميته ولاية موسمية غير محددة الفترة بدقة. فإذا كان الدستور وقانون مجلس الشورى التزما الصمت المطبق في تحديد مدة المجلس فإن قانون السلطة المحلية وتعديلاته غيرت مدة ولاية المجالس المحلية عدة مرات عكست فوضى تشريعية وارتباكات في تحديد مدة الولاية للمجالس المحلية المنتخبة. فقانون السلطة المحلية الأساسي رقم (4) لسنة 2000م حددت المادة 13 منه مدة المجالس المحلية بأربع سنوات شمسية تبدأ من أول اجتماع تعقده. يعدل هذا القانون بقانون آخر رقم (71) لسنة 2000م تحدد فيه المادة (153 مكرر) تشكيل المجالس المحلية للمديريات والمحافظات كمرحلة أولى مدتها سنتان. وفي ضوء هذا التحديد الجديد تجرى الانتخابات متزامنة مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية في فبراير 2001م، وبعد انتخاب أبناء المحليات ممثليهم في المجالس المحلية لمدة ولاية سنتين يصدر تعديل جديد للقانون الأساسي رقم (4) بقانون جديد رقم (25) لسنة 2002م، وهنا تتجسد قمة المهازل التشريعية لترزية القوانين وبنص فريد من نوعه في العالم!

فقد قضت المادة (1) «تعدل المواد (13، 6، 154) من القانون رقم (4) لسنة 2000م بشأن السلطة المحلية ليصبح نصها كما يلي:

مادة (13): تتحدد مدة المجالس المحلية بثلاث سنوات شمسية تبدأ من أول اجتماع تعقده...» علما أن الانتخابات قد جرت كما ذكرنا في فبراير 2001م، والتعديل الثاني صدر في عام 2002م!! والآن عزيزي القارئ تمعن في النص التالي العجيب والغريب جدا في التشريعات القانونية.

مادة (154) «استثناء من أحكام المادة (13) من هذا القانون - إذا حان موعد انتخاب المجالس المحلية في سنة تجرى فيها انتخابات نيابية أو رئاسية أو استفتاء عام فيجري انتخاب المجالس المحلية بالتلازم مع أي منها سواء كان موعد انتخاب المجالس المحلية متقدما عليها أو لاحقاً لها» يعني مدة ولاية مطاطة قد تختصر وقد تزيد.

المادة 2: «تضاف مادة إلى القانون رقم (4) لسنة 2000م برقم (171 مكرر) تنص كما يلي: مادة (171 مكرر) تمد فترة المجالس المحلية القائمة وقت صدور هذا القانون بثلاث سنوات تبدأ من تاريخ انتهاء فترة المجالس القائمة».

المادة (3) «يلغى القانون رقم (71) لسنة 2000 بشأن تعديل القانون رقم (4) لسنة 2000م» إذن مدة ولاية المجالس المحلية من 4 سنوات عدلت إلى سنتين، ثم إلى ثلاث سنوات، مع تمديدها للمجالس المحلية القائمة بثلاث سنوات أخرى.

برغم تحديد المدة في التعديل الأخير بثلاث سنوات فهذه المدة قابلة للنقصان أو الزيادة وفق السنة التي تجرى فيها انتخابات أخرى، انتخابات نيابية، أو رئاسية، أو استفتاء عام «فيجري انتخاب المجالس المحلية بالتلازم مع أي منها سواء كان موعد انتخاب المجالس المحلية متقدما عليها أو لاحقا لها» وهذا يعكس المكانة الدنيا للانتخابات المحلية برغم أهميتها القصوى بإلزام إجرائها بالتزامن مع انتخابات أخرى في الوقت الذي تشتمل الانتخابات المحلية على عمليتين للتصويت على مستوى المحافظة والمديرية، وهذا كله بحجة توفير النفقات ولهذا نظمت الانتخابات المحلية الأولى بالتزامن مع التعديلات الدستورية في عام 2001م، والثانية مع الانتخابات الرئاسية في عام 2006م، ومن المفترض أن أعضاء المجالس المحلية الذين انتخبوا في سبتمبر 2006م مع الرئاسية ستنتهي مدة ولايتهم بأقل من 3 سنوات (نحو سنتين ونصف السنة) إذا تزامنت مع انتخابات مجلس النواب في 27 أبريل 2009م، وربما يتقرر تمديدها بتعديل جديد حتى نهاية الولاية الرئاسية في سبتمبر 2013!! إنها مهزلة فعلاً ولكن أخطر ما في الأمر والذي يجب على المشرع الدستوري أخذه في الحسبان إذا افترضنا، لأي سبب سياسي كان، أن رئيس الجمهورية قام بحل مجلس النواب القائم قبل موعد نهاية ولايته في أبريل 2009 واتخذ القرار وهو بكامل صحته، وتعرض بعدها لحالة وفاة أو عجز دائم (لا سمح الله) سيعني ذلك اختصار مدة ولاية المجالس المحلية بشكل أكبر، ويظهر هذا المثال ضرورة فك علاقة التزامن بين الانتخابات المحلية وبقية الانتخابات النيابية أو الرئاسية، وإجرائها في موعدها لذاتها باستكمال الثلاث سنوات مدة ولايتها.

من الواضح أن المجالس المحلية مددت ولايتها إلى الضعف من أعضاء انتخبوا في عام 2001م على أساس مدة ولاية لسنتين فقط امتدت وفق التعديلات إلى ولاية ست سنوات وبأثر رجعي، وذلك بإضافة أربع سنوات إضافية، في حين الولاية الرئاسية والبرلمانية أضيفت لها سنتان فقط، والقاسم المشترك لهما انتهاك صارخ للمبادئ الدستورية لدستور الجمهورية القائم على أساس مشروعيتها عبر الانتخابات المباشرة، بينما التمديد لسنوات إضافية دون انتخاب يفقدهما مشروعيتهما، وتطبيق التمديد بأثر رجعي يخالف مبادئ القانون الأساسية. إنها أوضاع فريدة لمؤسستين دستوريتين: مجلس الشورى من دون ولاية محددة، ومجالس محلية بولاية مطاطة قد تزيد أو تنقص مدتها. أعتقد أن الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة يتوجب عليها الوقوف أمام هذه الظاهرة المسيئة لليمن، ولا يمكن لشعار البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية «يمن جديد.. مستقبل أفضل» أن يتحقق فعلا بوجود هذه الفوضى التشريعية في الدستور والقوانين.. الإصلاح السياسي بشقه الدستوري يبدأ من إزالة هذه الفوضى.