رجال في ذاكرة التاريخ .. في ذكرى أربعينيته (10/12/2006-18/1/2007م):بروفيسور فايز حشيشي: سخر علمه لصالح الإنسان فكرمته منظمات عالية الشأن

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

>
د. فائز الحشيشي رئيس الجالية مع الممثل المقيم لجامعة الدول العربية في كينيا
د. فائز الحشيشي رئيس الجالية مع الممثل المقيم لجامعة الدول العربية في كينيا
الولادة والنشأة:بروفيسور فايز محمد عبدالله الحشيشي، من مواليد عام 1942م بمدينة نيروبي، عاصمة كينيا من أسرة مهاجرة وللهجرة والنزوح في حياة هذه الأسرة الكريمة حكاية. نزح عبدالله صالح الحشيشي (جد فايز) من بني حشيش، في شمال شرقي صنعاء الى مستوطنة عدن ADEN SETTLEMENT (وتغير وضعها الإداري لتصبح مستعمرة عدن اعتبارا من 1 ابريل 1937م) واستقر به المقام في حي العيدروس العريق كريتر (عدن).

أكمل الجد عبدالله الحشيشي نصف دينه بالزواج من أسرة عدنية تقطن الحي نفسه وأكرمه الله بالارتزاق بمولوده البكر محمد (والد فايز) عام 1916م. حصل الحشيشي على جواز سفر بريطاني يسر له شد الرحال عام 1920م مع أفراد أسرته إلى كينيا (كانت آنذاك مستعمرة بريطانية). اكتسب مشروع سفره حلاوته لأن مجموعة كبيرة من أبناء عدن رافقته في سفره منهم أسرة سعيد علي مبارك(المباركيين) وأسرة الشماخ (متزوج منها عبده خليل سليمان) وأسرة محمد عمر أغبري وأسرة بامدهف وأسرة محفوظ مكاوي (وكان صاحب نفوذ كبير وكان عضو المجلس التشريعي في كينيا ممثلا عن العرب في خمسينات القرن الماضي من الاستقلال عام 1962م وكان رحمه الله من مؤسسي فريق MCC في عدن عام 1905م وأسس في ممباسا فريق الفيصلي). وغمرت الفرحة جميع الراحلين فقد استقبلتهم ممباسا بمثل ما ودعتهم عدن بحرارة، فكلتا المدينتين تنتسب للمحيط الهندي ولمدن السواحل خصوصيتها وأسرارها وسحرها. نشطت الكوكبة (وأحد رجالها عبدالله الحشيشي) في العمل التجاري وتحسنت مواردهم فنشطوا في مجال تصدير الجلود والمواشي والقات الكيني.

الشيخ محمد عبدالله الحشيشي في دائرة الضوء:

اقتفى الشيخ محمد عبدالله الحشيشي أثر والده وبذل جهودا كبيرة في عملية إثبات الذات ونسج علاقات تجارية واجتماعية واسعة وأصبح رقما يشار إليه بالبنان ليس على مستوى كينيا وحسب بل وعلى مستوى شرق افريقيا.

برزت للشيخ محمد الحشيشي أياد بيضاء في عدد من المحطات منها الدعم السخي الذي قدمه للأحرار اليمنيين عام 1955م، حيث لجأ إليه عدد منهم أمثال الأستاذ أحمد عبدالرحمن المعلمي والأستاذ محمد الوريث والأستاذ عبدالله عبدالوهاب، رحمهم الله جميعا فقد كانوا قامات وهامات في مجالات الأدب والشعر والصحافة. حل أولئك الأحرار في ضيافة الشيخ محمد عبدالله الحشيشي وكان لهم الأثر الكبير في تدريس الدكتور فايز (النجل الأكبر للشيخ محمد) وأخوته اللغة العربية والقرآن الكريم وعوضتهم تلك الجرعات المشبعة عن النقص الموجود في المناهج التعليمية الكينية التي كانت تدرس باللغة الؤنجليزية.

فايز الحشيشي وقلب مسكون في عدن:

تلقى فايز الحشيشي مراحل تعليمه العام والثانوي في مدرسة القديس داود ST.DAVID SCHOOL في العاصمة الكينية نيروبي، وانتقل بعد ذلك الى الجمهورية العربية المتحدة (جمهورية مصر العربية حالياً)، حيث التحق بكلية الطب بجامعة القاهرة وحاز فيها على درجة البكالوريوس عام 1971م وبدلا من أن يعود إلى كينيا، حيث الطبيعة الخلابة والعيش الرغيد، فضل العودة إلى عدن التي تكونت أسرته في حضنها واختارها سكناً ووطناً ورحماً.

التحق د. فايز الحشيشي بمستشفى الملكة اليزابيث الثانية سابقا (ومستشفى الجمهورية التعليمي حاليا) بمدينة خورمكسر وعمل فيه طبيبا وجراحا واستبشر الشيخ محمد عبدالله الحشيشي خيرا بالمستجدات الوجدانية لدى ولده فايز وقام بفتح عيادة له وزودها بأحدث الأجهزة، غير أن استقرار الإنسان لا يكتمل إلا باختيار شريكة الحياة وكان نعم الاختيار، ذلك أن الدكتور فايز اقترن بالأستاذة كلثوم محمود ناصر، الجامعية والرائدة الأولى في وزارة خارجية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية آنذاك وشقيقة الأستاذ محمد محمود ناصر، المحامي المعروف والشخصية الاجتماعية المحترمة، والأستاذة كلثوم ناصر من أسرة ناصر العدنية العريقة والمعروفة بمدينة التواهي منذ بواكير القرن الماضي وتربط آل ناصر بآل باشراحيل قرابة دم ونسب من ناحية العطرة الذكر، سعيد محمد عمر الشيبة «جرجرة» (أم هشام وتمام).

قام الشيخ محمد عبدالله الحشيشي بشراء عدد من العقارات رغبة في تأمين مستقبل أولاده وذريته من بعده، إلا أن رياح التأميم عصفت بالأخضر واليابس وأممت العقارات والعيادات وشهدت البلاد هجرة العقول ونزوح رؤوس الأموال إلى غير رجعة بحثا عن الأمان والأمن والاستقرار.

د. فايز حشيشي وأسمهان الأطرش على طرفي نقيض:

إذا كانت فقيدة الفن الكبيرة أسمهان الأطرش (شقيقة الراحل فريد الأطرش) قد أتحفت وأطربت الأجيال برائعتها «ليالي الأنس في فينيا» فإن د. فايز الحشيشي قد رحل مع شريكة حياته الأستاذة كلثوم ناصر إلى فينيا، عاصمة النمسا ليحقق منجزا علميا بحصوله على الدكتوراه في جراحة الكلى والمسالك البولية عام 1974م ومن هناك رحل مع نصفه الآخر (كلثوم) إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحقق منجزاً علميا آخر بحصوله على الدكتوراه في الجراحة العامة عام 1976م وعمل في مستشفيات أمريكية لبعض الوقت.

د. فائز الحشيشي رئيساً للجالية العربية في كينيا وهو في استقبال السفير البريطاني وإلى جواره شقيقه الكابتن فؤاد
د. فائز الحشيشي رئيساً للجالية العربية في كينيا وهو في استقبال السفير البريطاني وإلى جواره شقيقه الكابتن فؤاد
د. فايز حشيشي رئيسا للجالية العربية ومؤسسا لآفرو أراب:

عاد د. فايز حشيشي إلى كينيا ليفتح عيادته في ممباسا لاستقبال مرضاه وفتح بيته لاستقبال المحبين وكان صدره في هذا وذاك رحبا وكان قلبه عطوفا وجيبه مفتوحا وعلمه ميسور الوصول إليه وكان فايز حشيشي بحق «الأب الروحي للجالية» بسائر بيوتها ومختلف مستوياتها ومن بيوتها المعروفة التي يشار إليها بالبنان: بيت الحشيشي وبيت جنيد باوزير وبيت باجابر (أحد أولادها وهوعبدالله بن طيب باجابر المحافظ الحالي لممباسا) وبيت محمد صالح باوزير وبيت بن طيب وآل باثواب وعثمان مرجان وفيصل عبدالباري وعبدالودود حيدر وآل الزبيدي وصالح بن شقوق وآل بلعلا منهم صالح بلعلا (كادر في وزارة المالية) وسعيد حيمد (الوزير بوزارة الخارجية سابقا ثم وزارة البلديات).

تحمل د. فايز حشيشي رئاسة الجالية العربية طيلة الفترة الممتدة من العام 1980م حتى العام 1992م ونعم الفقراء والمعوزون بالرعاية الكريمة والسخية للدكتور فايز حشيشي الذي دعمهم بالمال والدواء والرعاية وأجرى سلسلة طويلة من العمليات الجراحية المجانية ودعم طلاب العلم والأيتام والأسر الفقيرة ابتغاء وجه ربه الأعلى.

مثل د. فايز حشيشي الجمعية العربية في العديد من مؤتمرات المغتربين وذاع صيته في أرجاء البلاد وكانت كلمته مسموعة وكانت له مكانة خاصة لدى السلطات الرسمية الكينية والسفارات العربية والأجنبية وكافة المقيمين في كينيا وتوطدت مكانته بعد تأسيسه لجمعية آفرو أراب.

د. فايز حشيشي ومشروع وطني طموح:

تلقى د. فايز حشيشي دعوة رسمية من وزارة الصحة اليمنية عام 1992م وحل ضيفاً عليها في العاصمة صنعاء وأجرى خلال فترة بقائه فيها العديد من العمليات الجراحية المعقدة مجاناً في مستشفى الثورة بصنعاء وأجرت معه بعض الصحف المحلية عددا من اللقاءات وأذكر منها صحيفة «الوحدة» (كان الزميل أحمد محمد الحبشي رئيس تحريرها)، وكان د. فايز واضحا وشفافا في حديثه وأذكر منها أنه قال: «لقد اطلعت على بيانات وزارة الصحة المتعلقة ببرنامج عملها وموازناتها واكتشفت تباين الإنفاق على العلاج في الداخل والخارج» وأورد اأرقاما مهولة عن العلاج في الخارج ونبه رحمه الله إلى الخطورة في استمرار هذا الإنفاق قبل حوالي 14 عاما لأن مثل تلك الاعتمادات كفيلة بإعادة تأهيل المستشفيات وتجهيزها بأحدث المعدات وتأهيل المورد البشري.

د. فايز حشيشي ومشروع لصالح معشوقته عدن:

قامت وزارة الصحة العامة والسكان بإسناد مهمة إنشاء جمعية خيرية لدعم وإدارة كافة المجمعات الصحية في محافظة عدن إلى الدكتور فايز حشيشي وكان اسمه وصيته كفيلين باستقطاب العديد من محبي الخير في الخارج وتدفقت واردات الأدوية المجانية إلى عدن وعم الخير المرضى من الفقراء ومحدودي الدخل، إلا أن حرب صيف 1994م المدمرة أحرقت مخازن الأدوية، التي تعرضت للنهب واستولت الشرعية على ما تبقى منها لتنتهي إلى مصير مجهول وفقدت الجمعية مبرر وجودها في مواجهة الهجمة الشرسة ليس على الجمعية وحسب بل وعلى محافظة عدن.

د. فايز حشيشي والقلب المفتوح على عدن:

عاد الدكتور فايز أدراجه إلى مسقط رأسه كينيا وهو يجر أذيال الخيبة وقد رأى مشروعه الحضري والحضاري والإنساني وهو يضرب وسط قهقهات «نيرون»، إلا أن حبه لعدن كان هو الغالب فعاد إليها «وما أحلى الرجوع إليه» وأعاد فتح عيادته وكانت نموذجا للصدق والأمانة وكان لسان حاله المثل الإنجليزي المعروف something is beeter than nothing إلا أن الله ابتلاه بأن أجريت له عملية القلب المفتوح عام 2004م ولأن قلبه كان مفتوحاً على عدن فقد أوصى شريكة حياته (كلثوم) بأن الموت حق وإذا وافاه الأجل فعليها (أي زوجته) مواراة جثمانه في ثرى مدينة عدن الطيبة إلى جوار الأخيار والطيبين حتى وإن داهمه الموت في مسقط رأسه كينيا، وكان له رحمه الله ما أراد.

عندما تكون الابتسامة عنوان الموت:

في مشهد فريد وبديع ومتميز انبهر له الحضور في أحد المستشفيات الخاصة بعدن كان د. فايز حشيشي مستلقيا على فراش سريره وكان الزمان: الأحد 10 ديسمبر 2006م. لم يدر بخلد أحد أن تلك اللحظات كانت لحظات الوداع للدكتور فايز الذي كان يصر على إلقاء نكته على مسامع زائريه وأطبائه ونزولا عند إصراره وبينما كان الحضور ينتظرون سماع النكته، أدار الدكتور وجهه قليلا إلى الاتجاه الآخر وودع الحياة والابتسامة مرتسمة على شفتيه وكأنه طلب من الحضور وغير الحضور أن يبادلوا الابتسامة بالابتسامة وكأنه أراد أن يقول: تكفيني الابتسامة لأن سجلي من الباقيات الصالحات سيشرفني عند رب العالمين.

د. فائز الحشيشي في استقبال والد محافظ مدينة ممباسا اليمني رجل الأعمال باجابر
د. فائز الحشيشي في استقبال والد محافظ مدينة ممباسا اليمني رجل الأعمال باجابر
د. فايز في الاوساط العلمية:

- أثناء عمله أستاذاً بكلية الطب، بجامعة نيروبي بكينيا، ساهم د. فايز حشيشي في تأليف كتاب «أمراض الشرق الأوسط» ونشرت له المجلات الطبية الدولية عشرت البحوث العلمية.

- كان عضواً في منظمة الكلى الأوربية .M.E.U.A

-كان عضواً فاعلاً في كلية الجراحين الدولية .FICS

-كان عضواً في الكلية الدولية الأمريكية للجراحة .FICA

- أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية الكلى في محافظة عدن عام 2003م وعضو هيئة تحرير «مجلة الكلى» التي كانت تصدر في عدن منذ عام 2003م.

-تكريماً لبحوثه أنعمت عليه المنظمة الدولية لأطباء الأسرة في الولايات المتحدة الأمريكية بشهادة .W.O.N.C.A

-حصل على شهادة تقديرية من الصليب الأحمر الدولي .C.E.O

-حصل على شهادة تقديرية ووسام من منظمة FICA الأمريكية.

-دخل صاحب القامة الحديدة التاريخ من أوسع أبوابه بحصوله على جائزة وشهادة ووسام موسوعة who is who عام 2002م. وهي الشهادة الدولية التي لا يحظى بها إلا الصفوة على المستوى الكوني ودون اسمه بحروف من ذهب في قائمة كبار الأطباء على مستوى العالم.

وقفة مع الشيخ محمود محمد فضل العقربي:

ورد في الحلقة الماضية المكرسة للشيخ محمود محمد فضل العقربي أن أوضاع الشيخ محمود قد سويت أسوة بزملائه السلاطين والشيوخ والصحيح أن أوضاعه لم تسو أسوة بأوضاعهم وظل على حاله المغبون حتى وفاته رحمه الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى