وقال العلم عن جزيرة سقطرى هل مازالت عروس الجن في كهفها المسحور!؟

> «الأيام» علي سالم اليزيدي:

> تعتبر سقطرى والإقليم المهري تاريخياً جزأين من (مملكة ملك اللبان) يقصد بها مملكة حضرموت القديمة ، التي كان يملكها الملك يعزيك ابن علهان ملك حضرموت بين عام 25 و65 ميلادية ، وكانت شبوة عاصمة له . هذا ما ذكره الراحل المؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف في موضوعه المنشور بصحيفة «الشرارة» الحضرمية بعنوان (تأريخ ما أهمله التاريخ) وكتب: الوجود المهري في سقطرى منذ القرن الأول الميلادي قبل أن ينتزعها البرتغاليون منهم بعشرين عاما، وأضاف: فقد كانت الصلات العرقية واللغوية اليمنية القديمة التي ربطت المهرة والسقاطرة تتفرع من جذر يمني قديم واحد ، وقد بلغ سكان سقطرى حينداك عشرة آلاف نسمة ، أما السبب الذي جعل المهرة يوجهون اهتمامهم إلى جزيرة سقطرى هو العداء بينهم وبين سلاطين آل كثير الحضارم وخاصة بعد طرد آل كثير الأمير الفارس بن مبارك (أبو دجانة) المهري من الشحر سنة 871هـ 1466م ، وذكرت رواية ابن ماجد المهري الذي سكن سقطرى حينداك أن المهرة بسطوا نفوذهم السياسي على سقطرى عام 894هـ 1488م وجعلوا بلدة السوق عاصمة لهم . أما رواية المؤرخ البرتغالي جوددي باروس (1496- 1570م) فقد ذكر فيها أن المهرة بسطوا سلطانهم السياسي على سقطرى سنة 886هـ 1482م والفرق الزمني بين الروايتين حوالي ستة أعوام.

ولم يأت آل كثير غزاة إلى سقطرى ولكن جاء المستعمرون البرتغاليون تحت قيادة سيء الصيت الاميرال تريستاو داكونها قائد الأسطول البرتغالي ونائبه الاستعماري الفونسو دا البوكيرك. وكتب الفونسو البوكيرك قائد الأسطول الموجه لاحتلال سقطرى في يومياته ما يلي: «كانت القلعة التي يتحصن فيها العرب في بلدة السوق مصدر إرباك لنا ولم تكلل بالنجاح محاولتنا إبرام اتفاقية مع القائد العربي، وهكذا باسم الرب يسوع المسيح ، وبالنظرإلى صغر الحامية العربية وضعف أسلحتها ، قرر قائد الأسطول تريستاو اقتحام القلعة» . ويمضي البوكيرك في يومياته قائلا :«ولم نكن نتوقع تلك الصلابة وذلك الصمود والبطولة الفائقة من (الفرتكيين) المهرة . وفي شهر نوفمبر 1508م غادرت سقطرى إلى الأبد بعد أن عينت نائبا للملك في الهند ولم أعد مرة أخرى أبداً».

وقال في مذكراته أيضا - وهذه صورة ننقلها إلى القارئ الكريم حتى نوضح الصورة ونستقدم الماضي ونفتح الأفق أمام المهتمين وللحفاظ على الذاكرة - قال البرتغالي المستعمر ما يلي : «وفي صباح اليوم التالي بعد احتلال القلعة ذهب الرجال إلى مسجد العرب ، الوحيد في بلدة السوق ، فحولوه إلى كنيسة وأطلقوا عليها اسم (كنيسة سيدتنا التى منحتنا النصر) ، وقد أقام فيها الأب أنطونيودي لوريرو قداسا بكى خلاله رجالنا حين وجدوا أنفسهم في أرض بعيدة عن البرتغال».

وذكرت بعثة جامعة أكسفورد البريطانية التي زارت سقطرى عام 1958م : «من الثابت تاريخيا أن تعاليم القديس توماس المسيحية انتشرت في غرب الهند وجنوبها ولم تصل إلى سقطرى إلا على أيدي مبشرين مختصين لا على أيدي التجار الهنود المسيحيين ». وهذا يؤكد بقاء البرتغاليين بها مدة طويلة وتوافد القراصنة إليها .

وذكر الأستاذ بامطرف أيضا أنه توجد في المتحف العسكري بلشبونة لوحة للهجوم البرتغالي على القلعة المهرية للرسام البرتغالي جورجي سولاكو الذي كان مرافقا للحملة البرتغالية العدوانية، واسم القائد العربي هو عامر بن طوعري ابن عفرير، وبعد أن مات قال المحاصرون: ليس من شيم الفرتكيين المهرة العرب العودة أحياء، وإن على القائد البرتغالي أن يتصرف كما يشاء وأنهم لن يستسلموا أبدا ، ومن ثم حكى التاريخ عودة العرب المهرة بقيادة ابن عفرير وتحالفات قبلية وسقطت سقطرى وحطمت كنائس البرتغاليين وأسروا ويقال إن بعضهم بقي وانصهر.. وهذه هي الحكاية الأولى.

الحكاية الثانية : أثناء زيارتنا إلى هذه الجزيرة الرائعة والخضرة تحيط بها من كل جانب والأجواء المنعشة ، وبعد أن هبطنا المطار توقفنا قليلا في انتظار بقية الوفد القادم ، ومن الجو شاهدت ملامح هذه الفتاة التي تغمس قدميها حتى الركبة في مياه البحر ، وتلعب مع الأساطير والسحر وكنوز القراصنة الذين حطوا وتحطمت سفنهم على سواحل عبدالكوري ونوجذ ودخلوا المغارات، وقال لي سقطري مرافق: يقال إن هذه الجزيرة بها كنوز متناثرة ، هكذا تنتشر القصص بقايا تاريخ ، بقايا عالم مسحور، وأثناء ما كنا نصعد جبال دكسم البديعة قال لي آخر: هل تصدق أن عروس الجن التي تبحث عنها مازالت هنا في كهفها المسحور ، تجلس حولها حوار البحر والجنيات يرقصن وأنها تخطف القلوب، من دخل سقطرى فهو مسحور وقال عنها الكاتب صالح سعيد باعامر: قالت عروس الجن (الصيكك، الصيك) أي لا أريدك! وهناك الطائر المسحور الذي يخطف الطفل في هذه الرواية، في نوجذ المنطقة الجنوبية وجدنا المغارة الكبيرة وهي (كهف نوجذ) الماء يسقط من السقف وهو متعة طبيعة لا يمكن وصفها إلا بدقة! هنا تجلس عروس الجن التي انتظرت المراكب المبحرة في مياه المحيط العظيم. دخلنا ومعنا الرئيس علي عبدالله صالح إلى هذا الكهف وبجانبي الأستاذ عبدالقادر علي هلال المحافظ وفهد المنهالي وعوض قنزل، وداخل المغارة وجدنا عشرات السياح حيث يبلغ طول هذا الكهف عشرة كيلومترات وقالوا لنا هنا لقد تم اكتشاف 43 كهفا منها من دكسم ونوجذ وجهر.

تحرك موكب الرئيس وفي المنطقة المجاورة للساحل توقفنا قليلا، هناك حفريات رجال الآثار وسنحت لي فرصة سؤال أحدهم على عجل فقال: بدأنا قبل فترة وهذه حفريات حول وجود الإنسان وتطوره في سقطرى.

والتقيت سائحاً من ايطاليا في الطريق وسألت: من أين أنت وكم عددكم؟ قال: من ايطايا عددنا كثير، ورد علي صديق فقال: هناك مايقرب من 1200 سائح زاروا سقطرى العام 2006م أغلبهم من الإيطاليين، عدت أسأل: لماذا أنتم الايطاليين تحبون سقطرى؟ قال: ربما المعلومات متوفرة لدينا من أيام رحالة الاغريق والرومان.

في أعلى جبال دكسم توقف موكب رئيس الجمهورية، وهي استراحة خلابة كل أشجار دم الأخوين تحيط بنا والأزهار، ولكنني صحت فجأة يا إلهي هذا هو الطائر المسحور الذي خطف الطفل في رواية باعامر فقد انتشرت حولي عشرات الطيور الكبيرة مثل الصقور تمشي على الأرض ولكنها تطير، ما هذه الطيور قالوا اسمه سعيدو، ضحكت نعم إنه طائر الرخام المصري ويدعى أيضا (بلدية سقطرى) لأنه ينظف كل شيء. شيء بديع غريب! إنها سقطرى عالم السحر والمفاجأة والمتعة. وأثناء تناول الغداء جلبوا لنا العسل السقطري اللذيذ، وقال لي أحد أعضاء المجلس المحلي: يوجد هنا العسل السقطري الجيد وهو طبيعي، هل تعلم أن العسل كان يسيل من الجبال من سقطرى ويوجد الأغنام والماعز وحيوانات أخرى، وأيضاً يوجد حيوان الزباد المشهور لازال طليقا هائما، وفجأة حلقت أسراب الفراشات الملونة، لوحة طبيعية لسياحة العقل والفواد والنفس. ما هذا يا سقطرى! وعلمت أن هناك زوجين فرنسيين لديهما معمل عسل وتتجه نيتهما لإنتاج عسل شجرة الأخوين! وهناك مستثمر ألماني شاب أقام نادياً للغوص إذ إن سقطرى موقع نادر للتنوع الحيوي البحري.

ولهذا فإن الهيئة العامة لحماية البيئة وبرنامج صون وتنمية جزيرة سقطرى نشطوا في الأبحاث والدراسات لتحقيق توازن بين التنمية والحماية، وتم أخيرا اكتشاف آثار ونقوش تاريخية ستحدث تحولاً في نظريات الباحثين والسياحة والاستثمار. وفي سقطرى الحديثة مطار دولي رائع، بل أطول مدرج هبوط في البلاد، وميناء حديث وطريق دائري وآخر يقسم الجزيرة نصفين واتصالات بالأقمار الصناعية وحياة خاضعة للحماية حتى لا تفقد هذه الفتاة والحورية والبدوية طبيعتها كما خلقها الله وكل ما بها من أساطير وتاريخ من العالم القديم.

ولكثرة تهافت السياح والباحثين إليها تبادلنا بعض الأفكار فقال أحدهم: ألا يمكن وضع تاشرات دخول ومغادرة مباشرة من سقطرى والعالم مثل شرم الشيخ المصرية أو جزر سيشل خصوصا وأن حركة الطيران الداخلية لدينا غير منتظمة ولا تخدم السياحة غالبا وايضاً رقابة حول الأبحاث التطبيقية والتحقق من المعلومات حتى لا تتسرب فيروسات ضارة.

أثناء تناول الغداء وبحضور فخامة الرئيس وفي وسط غابة من الأشجار والهواء المنعش كنت قد التقطت مجموعة من القواقع من أعلى جبال دكسم نفايا الطوفان العظيم قبل مليون عام من ظهور سقطرى، هي هدية لأولادي وبعض الأصدقاء مع أغصان وأزهار من شجرة دم الأخوين، إلا أن ابنتي نوارس سألت: هل وجدتم الصندوق؟ قلت ما هو الصندوق لم تكن هذه الجزيرة هي جزيرة اكلتر والرجال الذين ماتوا من أجل صندوق! ضحكت وأنا أطل بنظري من نافذة الطائرة الرئاسية وهي تحلق بنا في رحلة العودة، كل الجزيرة غارقة في المحيط اللامتناهي، إنها تبتعد رويدا رويدا وتختفي خلف الضباب والسحاب وبها كل الكنوز وكل العالم المسحور وعروس الجن في كهفها نائمة في ليلة قمر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى