دار إغاثة السجينات والنساء المعنفات في اليمن وحكاية مآسي القدر وظلم البشر

> «الأيام» كفى الهاشلي:

>
إحدى الزائرات لمركز إغاثة السجينات تتفقد أحوال النزيلات
إحدى الزائرات لمركز إغاثة السجينات تتفقد أحوال النزيلات
المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وإن ثبتت يبقى القضاء هو فيصل القضية ونهاية لغلق ملفها، وبانتها مدة الحكم ينتهي دور كل الجهات التي تابعت القضية (شرطة ونيابة وقضاء..) ليعود مجددا إلى حياته الطبيعية بين أفراد عائلته ومجتمعه وقد يحتاج للوقت حتى يتكيف على وضعه الجديد بحكم نظرة الناس له، لكن الحمل يكون أكبر من هذا عندما لا يقبله ذووه على اعتبار أنه وصمة عار عليهم!

ترى إلى أين يتجه؟ وماذا إن كان فتاة او امرأة؟ وكيف ستجد فرصتها في حياة كريمة؟

مشكلة السجينات المفرج عنهن في اليمن ودور دار الاغاثة في عدن نطرحها على سطور «الايام» لنحكي معاناة ليال وأعوام.

قضية السجينات المفرج عنهن واحدة من القضايا التي تفرض نفسها بقوة على اصحاب الضمير والجهات المعنية، بعد أن أصبح القانون نفسه بريئا منها بحكم انتهاء فترة الحكم والإفراج، أي أنهن عوقبن على ما ارتكبن في حق أنفسهن أولا وأخيراً، لكن الغريب أن هناك اشكاليات عدة تعاني منها هذه الفئة بسبب اللا مسؤولية، الأمر الذي دفعنا إلى معرفة الحقيقة، وما كان لنا من مكان سوى دار إغاثة السجينات المفرج عنهن والنساء المعنفات في عدن (خورمكسر).. اقتربنا منهن لنقلب في ذكريات ما أردنا أن نعيدها إلا مضطرين لإيصال رسالة حقيقية لا مزيفة ولا مختلقة وبلسان حالهن.

دخلنا المركز وطلبنا مقابلتهن من المحامية عفراء الحريري، المدير التنفيذي للمركز، وبدون قيود أو تعليمات رحبت بوجودنا للجلوس مع النساء.

تزوجت وأنا مكرهة
< رجاء كانت محطتنا الاولى، وعندما بدت لي رأيت فيها معاني الطفولة البريئة ولم أكن أتوقع أن تحمل بين جوانحها مأساة حرمتها طفولتها. قلت لها أنا أعتذر إن كنت سأقلب في ذكريات الماضي المؤلم لكني مضطرة إلى ذلك.

فقالت: لا بأس يا أختي فقد تعودنا على التجريح من الصحفيين والاسئلة التي لا تراعي مشاعرنا وآخرهم كان وكأنه يحقق معي بأسئلة وأسلوب حقير.

لماذا لم ترفضي التجاوب معه؟ اعتقدت أنه يسأل ليكتب عني ولكنها أسئلة لم ترد في الموضوع.

رجاء ابتسمت وقالت اسألي فقضيتي جديدة قديمة. وفعلا بدأنا بالحديث لنعيد ذكريات مضت عليها عدة سنوات عاشتها رجاء في بني عوان حجة (صنعاء) حيث ترعرعت وتزوجت عنوة من رجل لا تريده وعمرها اثنا عشر عاما، ولم يكتب لها القدر الكثير من الحظ فقسوة زوجها لم تكن ببعيدة عن قسوة والدها، وأصبح حالها كالمستجير من الرمضاء بالنار، فلم تجد رجاء إلا وسيلة واحدة وهي الهروب مع شخص اعتقدت أنه سيخلصها من المعاناة وبدون مسؤولية أوهمها بأنها أصبحت زوجة له، حيث قالت: هربت معه من صنعاء الى عدن ولأني أمية خدعني وأوهمني أني أصبحت زوجته، وبعد فترة كنت أتحدث مع احدى البنات التي كانت تناقشني في أمور حياتي، وحكيت لها قصتي فقالت لي علاقتكم حرام ويجب أن تتوبي إلى الله، حينها فكرت ماذا أعمل فما وجدت من وسيلة غير تسليم نفسي للشرطة، ولم يصدقني أحد وظنوا أنني (سكرانة) فأصررت على كلامي، وقال لي أحدهم: أتدرين ماذا تقولين؟ إنك تطلبين الموت. قلت له المهم أتوب.

سجنت أربع سنوات وأنجبت فتاة نسبت لذلك الرجل الذي قبضت عليه الشرطة بمجرد اعترافي بالحقيقة، وعندما رفض اهلي استلامي أخذتني المحامية عفراء الى الدار الذي لولاه لعدت للشارع مجدداً.

رجاء تعترف بأخطائها وتقول: أنا فعلا اخطأت ونادمة، لكني أضع اللوم على والدي الذي زوجني مبكرا ومازال يعمل ذلك مع أخواتي برغم ما حصل لي، وأمي هي الوحيدة التي يتمزق قلبها علينا من القهر وهي الوحيدة التي أتواصل معها بالتلفون.

وتستمر في الاجابة على الأسئلة قائلة: من تجربتي أقول لكل بنت إن الهروب ليس حلا لمشاكلنا ولن يخدمكن القدر، وأقول للآباء في القرى لا تزوجوا بناتكم عنوة. وأطلب من الجميع أن يهتموا لأمر هذه الدار لأنها مأوى لمن لم يرحمهم البشر برغم أن ربنا تواب رحيم.. وهل العدل في نظركم أن نخرج من السجن لنعود الى ما كنا فيه؟ فأنا استغرب فعلا عندما كنا في الخطأ لم نجد المساعدة وعندما تبنا وعوقبنا ووجدنا المساعدة من الدار نجد الأمور تتعقد (تقصد تأخر استخراج البطاقة الشخصية).

عائلتي تمتهن الشحاذة
< أقبلت علينا فتاة أخرى تدعى (أ.م.ع) من ضلع حمدان، إحدى ضواحي صنعاء، قضيتها أعجب من العجب فالفتاة هربت مع رفيقات سوء إلى عدن وتم القبض عليهن وفي الأخير أودعت في الدار بعد رفض أهلها استلامها، وقالت: عائلتي تقوم بمزاولة الشحاذة وارتكاب المعاصي من طلوع النهار وحتى يحل الليل، والمهم أننـا في آخر اللـيل ننام في البيت ولا يفرق أيـن كنا أو ماذا عملنا؟ هذه حـياتي وحـياة إخـوتي التسعة.

وعندما هربت من هناك كان السبب هو أن كل شيء مباح لي ولأخواتي الخمس، لكني تفاجأت برفض أهلي استلامي والحمد لله أخذتني ماما عفراء إلى الدار ربتني وعلمتني وأتمنى أن أصير صحفية لأكتب عن مشاكل الناس وهمومهم وأساعدهم كما وجدت المساعدة حتى لا يقعوا ضحايا الإهمال وجني المال وقسوة الظروف.

الدار استطاعت وحدها أن تنقذ هؤلاء النساء من الوقوع في مستنقع الجريمة والتسول والانحراف، وعدد السجينات النزيلات فيه 27 نزيلة تم محو أميتهن، وتعليمهن وتثقيفهن دينيا واجتماعيا ونفسيا وتم عقد قران أربع منهن واستخراج شهادة ميلاد لطفلين غير شرعيين باسم أبويهما، كما تم إلحاق البعض منهن في أعمال شريفة وأصبح عدد المتبقيات في المركز عشر نزيلات وطفلين، وبرغم ما تحققه الدار من مهام إنسانية واجتماعية تفيد المجتمع والفئة المستهدفة، إلا أن هناك الكثير من العقبات التي توضع في طريقها ومنها استخراج البطائق الشخصية للنزيلات، حيث مازالت هذه القضية عالقة حتى يومنا هذا برغم تعليمات المحافظ للبت فيها.

طفلان في دار الاغاثة
طفلان في دار الاغاثة
إعادة التحقيق بعد الإفراج
بدورنا وجهنا السؤال إلى المحامية عفراء الحريري، المدير التنفيذي للمركز وقلنا ما آخر ما توصلتم إليه بخصوص البطائق الشخصية للنزيلات؟ وبرد حازم قالت: حدث ولا حرج فمنذ أن أصدر المحافظ تعليماته للجهات المختصة وكل ما نراه مجرد استلام وثائق وملفات وحسب من جهة إلى الأخرى، من الجهات الامنية الى الاحوال المدنية إلى البحث الجنائي وتوصلنا الى مسخرة التحقيق!

وسلمتنا وثائق تؤكد صحة ما تقول وتؤكد زيارة ضباط أمن تحت مبرر استكمال إجراءات استخراج البطائق وهم يقومون بالتحقيق مجدداً.

- لماذا يعاد التحقيق مجددا؟

ردت بعبارة واضحة تضع الجميع أمام المحاسبة القانونية حيث قالت: يريدونني أن أثبت أنهن يمنيات وبهذه الاسئلة:

1- هل هن يمنيات؟

2- أثبتي أنهن يمنيات؟

3- من أي مناطق يمنية هن؟

واستمرت بالحديث: وهذا مخجل أن تكون هذه الجهات هي من تسألني برغم أنها تعاملت مع القضية مسبقا ومع ذلك أرد أنا عليهم بهذا الرد:

1- النزيلات تم القبض عليهن من شرطة يمنية.

2- وتم التحقيق معهن عبر نيابة يمنية.

3- وحكم عليهن من قضاء يمني.

4- وفي كل الإجراءات كنا نتعامل مع يمنيين .. ألم يثبت أحدهم أنهن يمنيات.

5- ولماذا تمت الإجراءات كلها في النيابة والقضاء وإلى هنا ستقف لإثبات جنسيتهن.

وعلقت على كل ما يجري بكلمة مختصرة لكنها تضع مماطلة الاجراءات في وضع يحرج النيابة والقضاء، حيـث قالت: إن طلب مني أنا أن أثبت أنهـن يمنيات فهـذا لا معنى له إلا أن كل الاجراءات المسبقة للإفراج عنهن من النيابة إلى القضاء إلى كل مراحل الإفراج تعني أنها مخالفة شرعا وقانوناً.

وفي الأخير يجب أن يفكر الجميع كيف يحل القضية كهدف لإصلاح المجتمع، فخلف قضبان السجون هناك الكثير من المعاناة وليس كل جان يجني على نفسه دون دوافع أو أسباب، وما من أحد منا إلا وله خطأ يختلف عن الآخرين بالنوع والحجم، والمهم ان نمد أيدينا لبعضنا البعض والأهم أن نعلم ونربي .. ودار الاغاثة لا يمكن أن تتراجع عن دورها بعد كل الجهود التي بذلت لإعادة النزيلات لوضع جيد ولحياة كريمة وشريفة طوال تلك الأيام ولمجرد قلة وعي بمهام الدار وبالجوانب الإنسانية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى