أبو دبة

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
من ذا الذي لا يعرف العدني «أبو دبة» من العرب العاربة والمستعربة الحالّة والضالّة في بانكوك عاصمة «بلاد الأحرار» تايلاند ؟ وخاصة أبناء الجزيرة العربية الذين يجلبون له الهدايا البسيطة ، فالعمانيون بدماثتهم الساحرة يحملون له حلواهم الشهيرة والإماراتيون أعذاق النخيل المعلبة ، وقس على ذلك وقد اشتكى أبو دبة لي من أصحابنا الذين قال عنهم إنهم لا يرفعون رأسه أمام الأمم ولو بقرطاس داخله حجر للتمويه ، فقلت له مسريا إن الحال من بعضه ، ومقامه في القلوب محفوظ وأخرجت له قرطاسي المتواضع ولكن بالتاكيد ليس بداخله حجر ثم أنشدته:

ولما رأيت الناس شدوا رحالهم إلى بحرك الطامي أتيت بجرتي
فطرب أيما طرب ولولا اعتبارات المكان والزمان لرقص جذلا في المطعم اليمني الشهير «البتراء» الذي يعتبر أبو دبة مديره العام، شاء أصحابنا أم أبوا ، ذلك أن المُلا ك هم من «الربيعي» من يافع ومن الشباب الطموحين الرواد ، وقد اكتفوا من الإدارة بالإمساك «برأس الأسد» أي «الصندوق» ، أما الوجاهة والمنجهة فهي لـ «أبو دبة» وهو من مواليد الخساف بكريتر وقد وجدنا حديثا مشتركا حميما حول أيام زمان لأنني من المكان نفسه ، هو أمام نادي الحسيني سابقا مقر «التجمع اليمني» حاليا وأنا على يمين الموقع إذا صح أن له «يمين ويسار» فالمسالة نسبية تعتمد على الاتجاه الذي أنت قادم منه، وللتقريب فبيتنا خلف مطعم البحر الأحمر في شارع الخير وهو آخر شارع فرعي للشارع الرئيس الذي يشق كريتر من العيدروس فالزعفران فالسوق الطويل فالميدان وحتى أقصى الخساف وليس بعد شارعنا شارع سوى ذلك المحاذي لـ «البوليس المسلح» سابقا «آرم بوليس» وهذه «خارطة طريق» لمن أراد أن يتوغل في عميق ذكريات «أبو دبة».. هذه الشخصية غير العادية، والذي جلب أجواء مخابيز عدن إلى التفرع رقم 3/1 «سُوي 3 » بلغتهم أشهر شوارع بانكوك «سوخوميت»، وهل يسكن العرب سوى في الشوارع الشهيرة، فلهم في كل عرس قرص؟ غاية الأمر أنك تسمع صوت «أبو دبة» وهو ينادي على الطلبات ومازلت في أول الشارع، وهو لا يتوقف عن الخطابة شعرا ونثرا وحكما مألوفة وأخرى مبتكرة وله حاسة سمع تحسده القطط عليها، فيلتقط أي تعليق واهن الصوت ، ورده على الدوام جاهز ، ولكنه لا يجرح أبدا فهو آية في الكياسة ، يعرف متى يتقدم ومتى يتأخر، وأين يرمي حجاره ، ذلك أن المطعم قد خصص الطابق الثاني للعائلات العربية وكما نقول فإن «لكل مقام مقال» وأبو دبة الذي رفض الإفصاح عن اسمه الحقيقي قائلا إن أمه نفسها بجلال قدرها لا تناديه إلا «أبو دبة» خير من يعرف المقامات، وهو رجل أميل إلى الطول بدون إفراط مع صلعة خفيفة وكل قوته في عينيه اللتين يروغ بهما كما يروغ الثعلب إذا حدقت فيهما لتعرف نواياه.

طلبنا منه قبل أيام ثلاث عقارات قات «قُدا» طازج وارد الحبشة ، فلبى طلبنا وإن كان قد أجحف في السعر، فبلعنا ريقنا على أساس أنه «من أجل عين تكرم مرج عيون» وعينا أبو دبة غاليتان وهو يفخر أنه أول من غزا بـ «الحُلبة»، أرض الأحرار، وأول من أدخل المخبازة في النشيد الوطني لهذه البلاد النائية النائمة في أحضان بوذا ، وأول من هزم بقية العرب في عقر مطاعمهم التي تجاور مطعم «البتراء» عن يمين وشمال، ويبدو أن صاحب المطعم قد كان أردنيا قبل أن يتحول الاستثمار إلى جماعتنا ، على كل حال فإن لواء زعامة المطاعم العربية في بانكوك قد عقد للعدني أبو دبة وقد استحق ذلك عن جدارة وإن كانت موسوعة «جينيس» تتعامس .

لم أرثِ ولازلت أرثي سوى للفتيات التايلانديات المسلمات اللواتي يأتمرن بأوامر أبو دبة فهؤلاء المساكين من نمل الأرض لا يتظلمن إلا همسا ولا يمشين إلا لمسا وقد أصابتهن أصوات أبو دبة - الذي ينطقن اسمه بدون شدة - بالكآبة، فقل أن ترمى ابتسامة على وجوههن في بلاد شعارها «ألف ابتسامة وابتسامة».. الخلاصة أن أبودبه وطن في الغربة ، وعرب الجزيرة يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم ، فتحت يديه السمك «المشوي» و«الزربيان» و«الصيادية» وكل ما لذ وطاب مما تشتهيه الأنفس وتقر به الأعين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى