رئيس بداية... ورئيس النهاية

> غسان تويني:

>
غسان تويني
غسان تويني
الذين تابعوا مؤتمر "باريس 3"، إن مباشرة او على شاشات التلفزيون ونشراتها المصوّرة، تساءلوا ما اذا كانت الحوادث المفجعة التي شهدتها بيروت في ذلك الوقت بالذات كانت تقع لو كان للبنان رئيس جمهورية تعامل مع قضيته كما كان يطرحها الرئيس شيراك، وليس على أربعة أو خمسة رؤساء احزاب وميليشيات، بل على رؤساء أو ممثلي أهم دول العالم وبعض أصغرها كذلك، وعلى رؤساء أو ممثلي كبرى المؤسسات والمنظمات الاقتصادية والمالية الدولية.

نبحث عن مخرج من الأزمة الدستورية التي تسربلنا؟...

الجواب بديهي بعد النجاح الخارق وغير المتوقع لمؤتمر باريس: ان نختار للجمهورية المعتّرة رئيساً من طينة جاك شيراك، يعرف كيف يتحدث عن لبنان، وأهمية الحفاظ عليه وعلى ما يمثله من قيم ورموز. يتحدث باقناع وبشدّة في فرض المساهمة في الانقاذ فرضاً على بعض المتردّدين، ولكل واحد من الزاوية التي تعنيه أو هو حساس حيالها.

ونعلم في ما بعد انه تغيّب عن قصره ومكتبه وخصّص يومه لترؤس اجتماع المؤتمر اللبناني ومقابلة الذين اشتركوا فيه، فضلاً عن اجتماعاته بالوفد اللبناني... وكأنه كان رئيساً لبنانياً ليوم واحد.

****

نعم، فلنتخيّل ماذا كان سيحدث لو دعا رئيس جمهورية لبناني من طينة جاك شيراك ومثاله زعماء "الفصائل" اللبنانية الى اجتماع في بعبدا، (بدل تطويق قصرها بالدبابات والجنود الشاهري السلاح! وكان ساعة وقعت المشكلة في جامعة بيروت العربية بين الطلاب) - قال لهم ان نقطة انطلاق "مذابح 1840" كانت اختلافاً "تافهاً" بين اولاد مدرسة من الدروز والنصارى ما لبث ان انتقل الى اهاليهم... وصار الذي صار لأن الجو كان مهيأ وأيادي السوء مستعدة متأهبة، وثمة من يوزّع الأدوار والأسلحة (بما فيها أدوار "العناصر غير المنضبطة" التي يسهُل دائماً في حالات كهذه ايجادها من المنتسبين الى الأفرقاء، كما استئجار "قناصة" متدربين على اطلاق الرصاص على الجبهتين وعلى قوى الأمن كذلك... شأن ما كان يحدث في حرب السنتين 1975-1976) رجوعاً الى كل الحالات المماثلة منذ حرب اسبانيا "الأهلية" قبيل الحرب العظمى الثانية حيث اختبرت "الدول" (المتأهبة لحروبها) أسلحتها وامتحنت قدرات الناس على الثورة والصمود والاقتتال، قبل الدخول في المواجهات الدولية.

"لذلك - كان يقول الرئيس الذي به نحلم- واجب الرئيس هو ان يمنع الدولة التي يرئس من أن تتحول الى مختبر للنزاعات، أو الى مسرح للخلافات الخارجية أو ساحة لصراع العقائد والديانات والدول".

وكان يتدخل للتوفيق بين الأفرقاء، بدل التسليم بوجود فرقة يسارع الى تأجيجها باعلان انتسابه الى هذا الجانب أو ذاك، متبنياً حججه، متجاهلاً، أو جاهلاً انه هكذا يساهم في تفجير الوطن والمجتمع بدل العمل على رأب الصدع الذي فيه.

وكان أخيراً اذا وجد اللبنانيين في حال احباط أو يأس أو حتى سأم، سارع الى نفخ الايمان بالوطن في قلوبهم ونفوسهم والعقول. أما اذا وجد ان بينهم من يسكر بزهو الانتصار ولو حقيقياً، دعاه الى الاعتدال والتعقل والتواضع أمام الغير وأمام الوطن والأمة والله.

****

وكان الرئيس هذا، قد حوّل القصر الجمهوري الى مجلس نواب، بدل ان يرفض دعوة المجلس الى الانعقاد... ويعلن انه يستبقي النواب والزعماء والرؤساء في حال انعقاد دائم في القصر الى ان يتفقوا على أمرين:

أولاً: على ميثاق وطني جديد؛

وثانياً: على رئيس جديد من بينهم أو من خارجهم يسلمه هو الرئاسة خلافة له حتى يتسنى له ان يعتكف قبل ان يطرده الشعب او "الناخبون" الكبار!

هكذا كان يتصرف شيراك لبناني، لو أعطي لنا، بدل الاميل لحود الذي يتصرّف وكأنه مكلف الاجهاز على لبنان بتعطيل دستوره ومنع حكمه ومعارضة استنفار ثورة العالم لانقاذه.

... ولعل هذا الانقاذ العالمي، الذي تمظهر ببادرتين لا سابقة لأي منهما، قرار ارسال القوات الدولية، ومؤتمر الدعم المالي - الاقتصادي...

لعل هذا الانقاذ يستهدف الانقاذ من الرئيس أولاً، ثم من "مآثره"!!!

علماً من العالم بأن الأوطان اذا كان لا يبنيها رؤساؤها اصطناعاً، ففي وسعهم على الأقل هدمها مع القوى الهدامة حيث توافرت.

حاشية: نشرت صحيفة "الفيغارو" استطلاعاً للرأي العام عن المساعدة الفرنسية للبنان التي قررها الرئيس شيراك، أظهر ان 52 في المئة من الفرنسيين يعارضون ذلك، وبعضهم يقول إن المغتربين اللبنانيين، في فرنسا وسواها، كان بوسعهم دفع مثل هذا المبلغ وتوفيره على خزانة باريس التي تعجز عن القيام ببعض اهم المتوجبات عليها مثل الضمان الاجتماعي وسواه... بينما لم يؤيد الرئيس شيراك في تصرفه سوى 46 في المئة فقط.

ومع ذلك لم يأبه الرئيس الفرنسي واستمر، غير عابئ بالرأي المعارض لتصرفه موظِّفاً شعبيته الخاصة في دعم هذا التصرّف، ومؤمنا، كما قال في تصريحاته، ان انقاذ لبنان حق لصداقته التاريخية على فرنسا. وهو الأعلم.

هذا برسم "معارضي" فرنسا في لبنان. اما نحن، فنقول: شكراً فرنسا، وهنيئا لك، ولنا بمثل هذا الرئيس.

عن «النهار» اللبنانية 29 يناير 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى