ماريانا ماندا .. ورسائلها الخفية بالخط والحركة ..أفضّل عدن لأنها مدينة ساحلية جميلة وناسها متواضعون ورغم فقرهم فهم طيبون وكرماء ويندمجون مع الآخرين دون تعقيد

> «الأيام» عبدالقادر باراس:

>
الفنانة التشكيلية ماريانا ماندا تشرح للزوار أحد أعمالها في المعرض
الفنانة التشكيلية ماريانا ماندا تشرح للزوار أحد أعمالها في المعرض
كونك رسامة تشكيلية وأثرية في فن الجرافيك، هل يعني أن رسوماتك المتعلقة بالحفريات مستوحاة من مشاهداتك، أم هي من نتائج الحفريات؟رسوماتي مباشرة، فعند استخراج الآثار أقوم برسمها بدقة فائقة كونها تنصب في مجال تخصصي كرسامة في فن الجرافيك، فعملي يهدف الى توثيق الآثار المستخرجة بالرسم، مثلها مثل التصوير والتدوين كتابيا لشرح تفاصيل الآثار، فعلاقة فن الجرافيك بالآثار علاقة مكملة بغرض التوثيق، فعملي ليس مجرد الرسم الفني وإنما للتوثيق.

< حدثينا عن بدايات وصولك لليمن؟

- عند زيارتي لتركيا وسوريا ضمن بعثة الآثار الألمانية في عام 1986م التقيت بمواطن ألماني يعمل في مجال الآثار بسوريا، أخبرني عن تجربة عمله، وشجعني على زيارة اليمن لأن فيها كنوزا أثرية كثيرة، إلى جانب أنني كنت مولعة بتراث بلدان الشرق، فشوقني أكثر للذهاب الى اليمن، وفعلا في نفس العام قمت بزيارة صنعاء لمعرفة اليمن، وأثناء بقائي تقدمت بطلب العمل في المعهد الألماني للآثار بصنعاء كوني رسامة في فن الجرافيك، وتم في حينه قبولي للعمل فيه.

< هل هناك سبب مهم دفعك لاختيار اليمن للعمل فيها؟

- إلى جانب حبي لبلدان الشرق وتعلقي بها، قرأت في طفولتي (كان عمري حينها عشر سنوات)، كتاب «جنوب العربية المنسي» لمؤلفه: هانز هيلفريتز hanshelfritz كل ذلك زادني تشوقا في التعرف على اليمن .

< أثناء إقامتك في اليمن .. هل شدك شيء ما كان السبب وراء بقائك؟

- أكثر ما شدني هو تعلقي بالمجتمع اليمني تحديدا مع إحدى الأسر اليمنية، حيث يعاملونني كأخت لهم، ولولاهم ما بقيت كل هذه الفترة، حيث يساعدونني في تسهيل أموري ويوفرون لي الراحة والأمان، واعتبروني واحدة منهم، وبين جدران منزلهم فعلا حظيت بالرعاية والاهتمام، إلى جانب حبي وعشقي لليمن وناسها.

فطبيعة الشعب اليمني البساطة وتقبله للاخرين، ورغم تمسكهم الشديد بعاداتهم إلا أنهم أناس بسطاء في تعاملهم مع الأجانب . مدينة عدن بالنسبة لي افضّلها كثيرا على بقية مدن ومناطق اليمن المختلفة، باعتبارها مدينة ساحلية جميلة فيها ميناء، وناسها متواضعون ومنفتحون، ورغم فقرهم إلا أنهم طيبون وكرماء، ويندمجون مع الآخرين دون تعقيد، إلى جانب أن طقسها جميل، وأحب أن أشير إلى أنني قمت بزيارات عديدة لمختلف المدن والمناطق اليمنية، أكانت سياحية أو ضمن بعثة المعهد الألماني للآثار.

< ما مدى تأثرك بالعادات والتقاليد اليمنية؟

- تأثرت كثيرا بعاداتها وتقاليدها من خلال ألبستها وتركيبتها الاجتماعية، فعندما أقوم بزيارة إلى بلدي المانيا في فصل الصيف، عودت نفسي أن لا أرتدي الملابس القصيرة، وبقيت على تأثري بالعادات اليمنية ( فملابسي طويلة ومحتشمة) إلى درجة أصبحث أخجل عند رؤيتي للالمانيات وهن يرتدين ملابس قصيرة.

< كيف استوحيت أعمالك المسماة بـ(رسائل خفية بالخط والحركة)، وماذا تعنين بذلك؟

- رسوماتي مستوحاة من التراث العربي- الإسلامي، ففيها الخط والأدعية الإسلامية متداخلة على شكل طبقات معتمدة على حروف وبلغة تشكيلية فنية، ولا يمكن للوحاتي أن تشكل خارج نطاق التراث الإسلامي، وإنما استلهمتها من تأثري بثقافة الشرق .

وما أعنيه بالرسائل الخفية بالخط والحركة، أن لوحاتي مجسدة برؤية لا منحنى له، لتقود فضول المشاهد الى نقطة البداية، أي أن الأشرطة المرسومة لانهاية لها من الوهلة الأولى عند رؤيتها، كأنها متتالية بعناصر زخرفية ممزوجة بالنمط الشرقي، وحتى يتمعن المرء عند مشاهدة لوحاتي ينبغي عليه الإلمام بالثقافة الشرقية حتى يتضح له الامر والمعاني والدلالات المقصودة للأشكال الزخرفية والرموز والحروف المتخذة على شكل طبقات متدرجة، فالحروف الأبجدية العربية جعلتها (مركب ومترابط ومتداخل) في إطار خطي فني حركي حتى يكتسب المشاهد ومن ليس له معرفة بذلك النوع من الكتابة العربية والزخرفة والأدعية الإسلامية شيئا من المعرفة المنطوية على أسرار الفراغات البينية للأشكال المرسومة بالحروف والرموز والمعاني، إلى جانب الخطوط والحركات، وهذا ما أرمي إليه برسائلي الخفية بالخط والحركة، سعيت في ذلك حتى تصبح أعمالي هي عصارة اهتمامي وتشبثي بالثقافة العربية واليمنية على وجه الخصوص لأكثر من 20 عاما.

< تمثل أعمالك التشكيلية تميزا في مسيرتك الفنية كونك أولاً رسامة في علم الآثار، وثانياً فنانة تشكيلية، فأين يندرج هذا التميز؟

- أرى كرسامة في فن الجرافيك في علم الآثار أنه ينبغي أن أتعامل مع القطع الاثرية المستكشفة من الموميات والفخار والأواني الأثرية وغيرها بدقة متناهية أثناء رسمها بغرض توثيقها، لأن عملي يتطلب ذلك، فاستخراج هذه الآثار لم يكن سهلا وإنما عبر مراحل من التنقيب في التربة نفسها، يعني أن هناك مراحل وطبقات في التربة أثناء التنقيب وهذا ما يمثل التميز في أعمالي التشكيلية من خلال استغلالي لفن الجرافيك لأسخره عند رسمي للحروف العربية بدقة كونها موزعة على طبقات ففيها علامات ورمـوز وزخـارف وأدعية وشرائط منتظمة.

< كيف تم اختيارك لهذا الموقع في (حديقة منارة عدن) لإقامة المعرض؟

- فكرة اختياري لهذا الموقع لها دلالات ومضامين معبرة، كون المنارة باقية لمسجد قديم يبدو أنه قد تهدم في مرحلة تاريخية قديمة، وأصبح من المعالم الأثرية البارزة في عدن، إلى جانب أن أعمالي مجسدة للتراث الإسلامي، والحديقة تعني لي رمزا للحياة والوجود.

< إلى أي من المدارس الفنية تنتمين ؟

في بداية اهتماماتي بالفن كانت اتجاهاتي تنصب للمدرسة الواقعية، أي بمعناه الاتجاه الواقعيrealismus ولكن في الوقت الحاضر لا أتبعها ولا أتبع أياً من المدارس الفنية مطلقا، لأني اخترت مواضيعي الفنية ان تكون حرة وبطريقتي وبأسلوبي الخاص، وأحب أن أشيرهنا إلى أن أعمالي الفنية لا تهدف للتسويق والربح.

< هل لديك معارض تزمعين إقامتها مستقبلا، وماذا ستحمل مضامينها، وأين تحديدا؟

- من أعمالي القادمة إقامة معرض كبير في المانيا يضم لوحات عن الشرق، والمعرض سيكون موضوعه عن الحياة والموت، أي بمعنى كيف نتخيل مجال الطبيعة بورودها واخضرارها وزرقة السماء تبعث الحياة من جديد ، يتخللها أطراف سوداء ظلماء قادمة من الكهوف والحفريات وعالم المومياء.. المعرض مستوحى عنوانه من كتاب «الانجيل المقدس» إلى جانب أن هناك لوحة متعلقة باليمن لما تمثله من مساحة واسعة في قلبي، واللوحة تتحدث عن الحياة التي تنهض من جديد وسط الموت من خلال عرضي لنتائج الحفريات من مومياء وأوان فخارية وغيرها.

ماريانا أثناء عملها في صرواح مع البعثة الأثرية
ماريانا أثناء عملها في صرواح مع البعثة الأثرية
وفي الوقت القريب أزمع إقامة معرضين في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.

كلمة أخيرة
النجاح الذي تحقق في المعرض كان أحد أسبابه اختيار موقع استضافته، إلى جانب روعة الأعمال المقدمة من قبل الفنانة التشكيلية ماريانا ماندا، فاختيارها لموقع منارة عدن التاريخية، كان موفقا وتعتبر بادرة هي الاولى من نوعها، لفتت انتباه الزائرين كونه يقع داخل معلم من معالم عدن التاريخية.

نطالب السلطة المحلية بعدن برعاية مثل هذه الفعاليات لتبقى راسخة .

كما لا يفوتني هنا أن أقدم شكري وتقديري للسيد كريستيان هاوكه، مسؤول الشؤون الثقافية والعلاقات العامة بالقنصلية الألمانية بعدن على تعاونه في ترتيب وتنسيق الحوار وتقديم الصور اللازمة. وأشكر الأخ الاستاذ محمد ناصر عبداللاه، المحاضر بكلية الآداب بجامعة عدن، على تعاونه في الترجمة الفورية لإيصال مضمون رؤية الفنانة بمعان تتناسب مع ما حواه المعرض حتى يتم نقل الفكرة بسهولة ووضوح للقارئ الكريم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى