شيء من معاناة الحجاج اليمنيين.. مشاهد وملاحظات من الواقع

> «الأيام» علوي بن سميط:

>
عمارة الجاج اليمنيين أثناء عملية إطفاء الحريق
عمارة الجاج اليمنيين أثناء عملية إطفاء الحريق
شهر أو أقل منذ أن عاد الحجاج الى ديارهم بعد أدائهم مناسك الركن الخامس من أركان الإسلام (الحج)، ولربما بقي قليل منهم مازالوا لسبب أو لآخر، فتأخرهم قد يكون مصدره من نقلهم ودفعوا له، خاصة اذا عرفنا أن حجاجا قدموا الى الأراضي المقدسة من اليمن متأخرين على الرغم من مواعيد سفرهم المسبقة.

الحج هذا العام ويسره وسهولة الانتقال والتحرك ما بين المشاعر، جاء ثمرة جهود متواصلة وخلال عام فقط وعلى مدار أيام السنة ما بين حج 1426هـ ـ 1427هـ عملت سلطات المملكة العربية السعودية على توفير الراحة والأمان والتسهيلات للحجاج ضيوف الرحمن.

ومع ذلك فإن حجاج اليمن كانت معاناتهم متنوعة جراء عدم الاهتمام من الجهات اليمنية بما هو المفترض ان يحصلوا عليه، كنا هناك وفي مكة المكرمة ومنى وعرفة والمزدلفة شاهدنا وحدثنا حجاجا ونقلوا لنا ملاحظاتهم لننقلها تباعا.

****
قبل مغرب يوم الإثنين 5 ذي الحجة، اندلعت النيران في عمارة يسكنها أكثر من ألفي حاج يمني بحي الغزة بمكة المكرمة، ساعة الحريق لم يكن كل أولئك الحجاج في المبنى، فمجموعة كانت في الحرم وأخرى تتهيأ للذهاب للحرم ولكن معظمهم كانوا في المبنى ومنهم كبار السن بل وحتى الشباب، الأدخنة خنقت الكثير والهلع سيطر على الكل وتدافع اليمنيون في ردهات (الفندق ـ العمارة ـ السكن)، فجميعها أسماء تؤدي الغرض أي التسكين.

وصعد آخرون إلى سطح المكان هربا من الاختناق وطلبا للنجاة، ساعتها كنت متوجها من حيث أسكن بحي الحفائر للمرور على زميلي الصحفي خالد القارني من صحيفة «26 سبتمبر»، فإذا بزميلنا مصطفى نصر، من وكالة سبأ يهاتفنا بالقرب من العمارة المنكوبة وقد تصادف مروره أو تواجده ما حدث بها.

ونحن الصحفيين الثلاثة الحجاج سيطرت علينا مشاعر القلق إثر معرفتنا بأن سكان هذه العمارة يمنيون من الذين فوجتهم وزارة الأوقاف والمعروف ان نصيب اليمن من الحجاج كل عام تأخذ الوزارة 50% من الأعداد و50% تتوزع على الوكالات (قطاع خاص).

لم نكن نحن فقط الذين هرعنا الى المكان بدافع الاطمئنان على اخوتنا من كل المحافظات بل سرى الخبر وتناقله الحجاج اليمنيون عموما الذين يقطنون في أحياء قريبة، دقائق من القلق والدعاء من الجميع لمن تحاصرهم النيران في الطوابق التحتية من العمارة وتخنقهم الأدخنة في الطوابق العليا.. هرعت قوات الدفاع المدني السعودية من كل شارع بعد دقائق فقط من اندلاع النيران واختلطت صفارات سيارات الإطفاء والرافعات وسيارات الإسعاف والسيارات المساندة الأخرى بأصوات الذكر والدعاء، وتدخل رجال الدفاع المدني والأمن وبسرعة قياسية مذهلة جدا للسيطرة على الوضع بداخل العمارة، وتم إجلاء الحجاج بالسيارات وبالمروحيات التي اقتربت من السطح، وأنقذت أكثر من (15) شخصا، أخمد الحريق فيما نقل نحو (26) حاجا الى مستشفيين، أصيبوا بالإغماء والاختناق.

وكان وزير الأوقاف اليمني حمود عباد، من بين الذين أصيبوا بالإغماء عند محاولة دخوله العمارة بعد ان علم بالحادثة وشاهدناه في اليوم الثاني وهو بصحة جيدة في سكن البعثة اليمنية للحج بحي الشامية.

حجاج بعد يومين من حادث الحريق أمام العمارة المنكوبة بحثاً عن أمتعتهم وحاجاتهم
حجاج بعد يومين من حادث الحريق أمام العمارة المنكوبة بحثاً عن أمتعتهم وحاجاتهم
ما بعد الحريق.. هل حصل التحقيق؟
لم تكتف السلطات السعودية بإخماد النيران وإجلاء الحجاج ونقل المصابين لعلاجهم، فقد كانت الاحتمالات لأي طارئ متوفرة، ففي أحاديث لمسئولين سعوديين نشرتها الصحف السعودية ثاني أيام الحادث اتضح ان «اربعة مراكز إيواء بالمشاعر المقدسة جاهزة تماما لاستيعاب أكثر من 60 ألف متضرر، مركزان بـ(عرفة) وواحد بـ(منى) والرابع بـ(مزدلفة)».

الى هذه المراكز نقل أكثر من ألفي حاج يمني واستخدمت معسكرات الإيواء تلك لأول مرة وقدم للحاج من الجانب السعودي كل ما يلزم، كما أكد لنا الحاج خالد الشيباني، الذي أبدى امتعاضه من أنه وآخرين يتوجهون من حيث موقع الإيواء الجديد الذي يبعد عن مكة فتستهلك نقودهم المواصلات التي كان من المفترض على وزارة الأوقاف الناقلة لهؤلاء ان توفرها بتجهيز حافلات أو تسليمهم نقدا.

وحتى يومين من بعد الحادث، ظل اليمنيون يترددون على العمارة بحثا عن حاجياتهم ومتاعهم، إذ تحدث لنا عدد منهم بأنهم فقدوا أغراضهم، بل ان ريالات نقدية يحتفظون بها فقدوها ساعة الذعر، وطالب العديد منهم بتعويضات من وزارة الأوقاف اليمنية ـ كونهم دفعوا مقابل سكنهم، ولم يسكنوا فيه جراء الحادث ـ عن ما ضاع أو تلف من ممتلكاتهم، فيما أثنى كل من التقيناهم أو جاءوا الينا عندما علموا بهويتنا الصحفية، أثنوا جميعهم على اهتمام ومتابعة قيادة المملكة العربية السعودية لما أصابهم والدعاء للمملكة مصاحبا بالثناء والتقدير.

وحتى ساعة متأخرة من مساء الإثنين كان د.عباس المتوكل، وكيل وزارة الصحة والمسئول عن الفريق الطبي اليمني ببعثة الحج، يتفقد المصابين ومعه أطباء يمنيون للوقوف على حالتهم، وبمقر بعثة الحج اليمنية التقيناه لمعرفة الحالات، فأفاد ان الحالات مستقرة وان خمسة من المصابين خرجوا من المستشفى فيما الحالات الأخرى فاقت من الإغماء، شاكرا سلطات الدفاع المدني والجهات الطبية والصحية السعودية على الرعاية وتقديم العون والرعاية.. «الأيام» سوف تنقل صورة لما قدمه الفريق الطبي من خدمة لحجاج الوطن.

روايات عن العمارة المنكوبة
وللحقيقة جسد الأطباء اليمنيون صورة انسانية برأيي من حسن الاستقبال للحالات المرضية بالمراكز التي أقيمت، حيث تجمعات اليمنيين بمكة أو بالمشاعر المقدسة خصوصا (منى).

وعودة للحالات المصابة جراء حريق العمارة تحدثت «الأيام» في ساعات المساء مع حاجين هما اسماعيل ثابت قاسم ويحيى صالح، اللذان أنقذتهما مروحية الدفاع المدني وخرجا من المستشفى بعد ساعات، وأكدا لنا بأنهما في حالة صحية مستقرة، شاكرين السلطات السعودية لتوفيرها الإمكانات لإنقاذهما.

حاجان يمنيان أنقذتهما مروحية سعودية بعد خروجهما من المستشفى وهما: اسماعيل ثابت قاسم ويحيى صالح
حاجان يمنيان أنقذتهما مروحية سعودية بعد خروجهما من المستشفى وهما: اسماعيل ثابت قاسم ويحيى صالح
إثر حادثة الحريق تداولت الروايات من ان العمارة المنكوبة التي استأجرتها وزارة الأوقاف يعود عمرها لأكثر من ثلاثة عقود وان معايير السلامة والمخارج المفترض ان تساعد عند حدوث هكذا طارئ ليست بالكافية، وأنه سبق لبعثة حج من دولة آسيوية أن استأجرت تلك العمارة ثم فسخ عقد الإيجار لسبب أو لآخر، فاستأجرها اليمنيون الا أن هذه الطروحات تظل روايات لم يؤكدها أو ينفها مصدر رسمي.

وباعتقادي ان هناك معايير تفرضها وزارة الحج السعودية على مساكن الحجاج ضمانا لراحتهم وسلامتهم وتفرض التقيد بذلك على ملاك الفنادق والنُزل والعمارات، الا أن المؤكد ان غرف تلك العمارة حشرت فيها أعداد تفوق المخصص لها كما أكد لنا الحجاج، ومع أن سبب الحريق تماس كهربائي كما أعلن رسميا الا أننا نتساءل.. هل تم التحقيق من قبل وزارة الأوقاف اليمنية فيما حصل من تداعيات ونتائج ما بعد الحريق؟ وهل عوضت الوزارة الحجاج وبثت في شكاواهم واستجابت لمطالبهم؟ أم أن الأمر حصل وربنا لطف، وان حصل شيء من ذلك أليس من حق الحجاج والرأي العام بالداخل ـ الجمهورية اليمنية ـ انطلاقا من الشفافية ان يعلموا بالإجراءات المتخذة من الوزارة؟.. عموما فإن تلك الملاحظات التي نقلناها كما هي أو التي سننقلها في مشاهدات بأعداد قادمة، ليس سطرها الأول بحادث حريق، بل معاناة الحجاج التي تبدأ من الأراضي اليمنية قبل وصولهم للأراضي المقدسة، ونهدف بذلك إعانة الوزارة ووكالات السفر والحج اليمنية الأخرى للوقوف أمامها والعمل على تحسين الأداء وخدمة الحجاج لكي يتجاوزوا أي تقصير بقصد أو من دون قصد في موسم الحج القادم بإذن الله.. وللحديث بقية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى