إلى أين تمضي نقابات المهن الطبية ؟هل نجرؤ على الحديث بشفافية عن هذه النقابات وما آلت إليه أوضاعها؟

> «الأيام» د. علـي محمـد سعيـد الأكحلـي:

> إن بداية تأسيس أول كيان نقابي طبي كان في مدينة صنعاء عام 1968م عندما اجتمع عدد قليل من الأطباء والصيادلة (خريجي الجامعات) وقرروا تشكيل اطار مهني اسموه «اتحاد المهن الطبية». وقد قرروا تسميته بـ «اتحاد» كونه احتضن أعضاء من مهن مختلفة، حيث أشركوا معهم حينئد مساعدي الأطباء، فنيي الأسنان، فنيي الصيادلة، الممرضين وكذا العاملين في المختبرات الإكلينيكية، حيث إن أعداد الممتهنين في كل مهنة لم يكن بالقدر الكافي لتشكيل نقابة مستقلة بكل منهم. وكان سبب الإنشاء هو الاحتذاء بما هو قائم في بعض البلدان العربية التي سبقت اليمن في مجال العمل النقابي المهني.

وفي منتصف السبعينيات، و مع زيادة عدد الأطباء والصيادلة القانونيين (أي خريجي الجامعات) بالقدر الكافي، تحمس الكثير منهم وقرروا تأسيس نقابة خاصة بهم اسموها «نقابة الأطباء والصيادلة اليمنينين». وكانت النقابة مفتوحة العضوية للأطباء البشريين و الصيادلة من خريجي الجامعات فقط، ولم تقبل عضوية حاملي الدبلوم في كلا التخصصين. وفي نهاية السبعينيات، وصل بعض أطباء الأسنان من الخارج بعد تخرجهم من الجامعات وكان عددهم قليلاً جداً، حيث سمح لهم بالانتساب إلى النقابة المذكورة مؤقتاً على أمل قيامهم مستقبلاً بتأسيس كيان نقابي مستقل لهم. إلاّ أن التسمية بقيت على م اهي عليه، أي «نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين» دون إدخال كلمتي «أطباء الأسنان» ضمن تسمـية النقابة.

وفي الجانب الآخر، وفي عام 1979م في مدينة (عدن)، تم تأسيس كيان نقابي للأطباء والصيادلة سمي بـ «اتحاد الأطباء والصيادلة اليمنيين» وهنا أيضاً، سمح لأطباء الأسنان بالانتساب إلى النقابة مؤقتاً على أمل قيامهم مستقبلاً بتأسيس كيان نقابي مستقل لهم، ودون إدخال كلمتى «أطباء الأسنان» ضمن تسمية النقابة. وسبب قرار تسميته بـ «اتحاد» (1) عوضاً عن «نقابة»، أن «الاتحاد العام لعمال الجمهورية» في الشطر الجنوبي كان متواجداً ويجسد حماية مصالح أعضائه من العمال والموظفين بغض النظر عن انتمائهم المهني.

والشىء المحزن هو أن لا «النقابة» في الشمال ولا «الاتحاد» في الجنوب قاما بالنشاطات المهنية المطلوبة كما هو محدد في النظام الأساسي لكل إطار. وكانت نشاطاتهم موسمية كما هو معروف. ويزداد النشاط مع قرب أي مؤتمر انتخابي، حيث تقوم الهيئة الادارية بـ «زوبعة» من النشاطات الارتجالية بغرض لفت نظر الأعضاء الى حيويتها والتعشم لانتخابها من جديد! وأما ما بعد الانتخاب، فتتم بعض الأعمال هنا وهناك ومنها طباعة «مجلة» تتحدث عن الاجتماع الانتخابي السابق وما تمخض عنه من قرارات وتوصيات!

بعد وحدة الشطرين عام 1990م، تم دمج الكيانين في كيان واحد، واتفقت الهيئتان الإداريتان القائمتان حينها على أن يكون الكيان الموحد عبارة عن «نقابة» وليس «اتحاد»، وبالتالي تم إبقاء التسمية التي كان معمولاً بها في الشطر الشمالي وهي «نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين». وقد تم انتخاب هيئة إدارية (مكتب تنفيذي) للنقابة الجديدة لفترة أربع سنوات (بحسب النظام الداخلي) انتهت صلاحيتها عام 1994م.

ثم كان من المفترض أن ينعقد المؤتمر العام الثاني بعد حرب صيف 1994م إلاّ أن ذلك لم يتم واستمرت نفس الهيئة الإدارية قائمة حتى منتصف عام 2000م، حيث قرر أطباء الأسنان المنضوون في إطار النقابة الانسلاخ من النقابة (الأم) المترهلة واستشعروا بالمسؤولية تجاه مهنتهم وتركوا جانباً انتماءاتهم الحزبية، وبالتالي نجحوا في عقد مؤتمرهم التأسيسي وأشهروا نقابتهم «نقابة أطباء الأسنان اليمنيين» (2)، وتم الاعتراف بها من قبل وزارة العمل والشئون الاجتماعية.

ومن ناحيتهم، قرر الصيادلة أن يحذوا حذو أطباء الأسنان بالانسلاخ من النقابة الأم وقاموا في العام التالي (2001م) بتشكيل لجنة تحضيرية للإعداد للمؤتمر التأسيسي وإشهار «نقابة الصيادلة اليمنيين». وقد أنهت اللجنة أعمالها في أغسطس من عام 2003م. إلاّ أن الانتماءات الحزبية الضيقة غلبت على مصلحة المهنة وحالت دون انعقاد المؤتمر التأسيسي الذي كان مقرراً في أكتوبر 2003م. كما أن عدم تجاوب الصيادلة أنفسهم في فروع المحافظات تجاه هكذا مشروع كان له الأثر الأكبر في فشل انعقاد هذا المؤتمر. وبقيت اللجنة التحضيرية مشلولة العمل.

إلاّ أنه وبعد مرور ستة أشهر من الجمود أي في شهر أبريل من عام 2004م، قام فريق من اللجنة التحضيرية فجأة بدعوة بضعة صيادلة من العاملين في مدينة صنعاء وقاموا بعقد مؤتمر تأسيسي وأشهروا «نقابة الصيادلة اليمنيين» (3)، وتم انتخاب هيئة إدارية من بين الحاضرين، ثم قاموا باستقطاب بعض الصيادلة في المحافظات الأخرى لانتخاب هيئات قيادية لفرع النقابة في المحافظة بحيث تتبع نقابتهم المعلنة في صنعاء. ومع ذلك، فضّل غالبية الصيادلة البقاء في النقابة الأم «نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين». وهنا توزع الصيادلة في عضوية نقابتين.

وبعد خطوة الصيادلة بحوالي شهر، قام بعض الأطباء البشريين بنفس العمل، أي الانسلاخ من النقابة الأم وقاموا بتأسيس نقابة خاصة بهم هي «نقابة الأطباء اليمنيين» ومن ثم تأسيس كيانات تابعة لهم في المحافظات الأخرى. وهنا أيضاً تشرذم الأطباء بين نقابتين. وإزاء ذلك، صحت النقابة الأم «نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين» بعد عشر سنوات من غفوتها وقام مسئولو هذه النقابة بإغلاق حسابات النقابة لدى البنوك، مما أدى الى شل نشاط النقابة الأم نفسها إضافة الى نشاط النقابتين الجديدتين (منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا!).

ثم قامت النقابة الأم بعد ذلك بعقد مؤتمر في مدينة صنعاء (كان ذلك في شهر سبتمبر من عام 2004م) وتم انتخاب هيئة إدارية عليا مشتركة (للأطباء والصيادلة) ثم مكتبين تنفيذيين منفصلين واحد يخص الأطباء والآخر للصيادلة. وهنا، قامت وزارة العمل والشئون الاجتماعية بالاعتراف بالنقابتين المنفصلتين/المستقلتين لكل من الأطباء والصيادلة واللتين تم إشهارهما في شهري أبريل ومايو 2004م، ولم تعترف بالنقابة الأم.

ورغم عدم الاعتراف هذا، إلاّ أن الجهات الرسمية مثل وزارة الصحة ووزارة العمل ولجنة الصحة والسكان في مجلس النواب وأخيراً مجلس الوزراء وافقوا على الجلوس مع مسئولي النقابة الأم «نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين» لحل مشكلة الرواتب وعلاوات طبيعة العمل والبدلات والحقوق الأخرى، لأن هذه النقابة هي التي تبنت الاعتصامات والإضرابات خلال السنتين الماضيتين لتحسين الأوضاع المعيشية لهذه الشريحية من المجتمع.

إذاً اتضحت الصورة الآن: فهناك النقابة الأم «نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين» وفيها الجزء الأعظم من الأطباء والصيادلة وهي النقابة الأولى، ثم «نقابة الأطباء اليمنيين» وفيها جزء من الأطباء وهي النقابة الثانية، ثم «نقابة الصيادلة اليمنيين» وفيها جزء من الصيادلة وهي النقابة الثالثة، ثم «نقابة أطباء الأسنان» وفيها كل أطباء الأسنان وهي النقابة الرابعة.

هذه هي النقابات الأربع التي أصدرت بياناً يوم الأحد الموافق 28 يناير 2007م تم نشره في بعض المواقع الإلكترونية وتضمّن ميثاق شرف بالتزام هذه النقابات بتوحيد جهودها خلال الفترة القادمة وإلى حين انعقاد المؤتمر العام لكل نقابة على حدة.

وتم الاتفاق على تشكيل لجنة إشرافية مستقلة لكل نقابة للتحضير لمؤتمرها العام والإشراف على سير العملية الانتخابية خلال المؤتمر، ومن ثم توحيد الكيانات الجديدة في اتحاد نقابي واحد يسمى «اتحاد نقابات المهن الطبية».

السؤال الآن: لماذا قررت هذه النقابات توحيد جهودها في هذه الفترة بالذات؟

والجواب هو: أن النقابة الأم «نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين» قد انتزعت موافقة مجلس الوزراء بتحسين رواتب الأطباء والصيادلة ورفعها لتكون نصف ما يتحصل عليه الكادر الأجنبي المماثل كخطوة أولى ومن ثم متابعة الجهات المعنية لبقية الاستحقاقات مثل علاوات طبيعة العمل والبدلات الأخرى.

وعليه، فإن نقابتي الأطباء والصيادلة المنسلختين من النقابة الأم أدركتا بعد مرور أكثر من عامين ونصف العام على إنشائهما أن الجهات الرسمية في البلاد تتعامل وتتباحث مع النقابة الأم فيما يخص القضايا المطلبية الملحة والمتمثلة بتحسين معيشة منتسبي القطاع الصحي من أطباء وصيادلة وأطباء أسنان. وبالتالي أصبح دور هاتين النقابتين مهمشاً، خصوصاً إذا ما عرفنا أن الاتحادات العربية في الخارج توجه الدعوات لممثلي النقابة الأم ولا تعترف بهذين الكيانين!

ومن جانب آخر، ظهر خلاف في نقابة أطباء الأسنان أدى الى عدم انعقاد مؤتمرهم العام في عام 2004م وظلت أوضاعها متذبذبة وحصل تغيير في مسئوليات أعضاء مكتبها التنفيذي ولا يزال هذا التغيير قيد خلاف.

وبالتالي، واستشعاراً بالمسئولية لانتشال أوضاع مهنتى الطب والصيدلة، فقد وصل قادة نقابتي الأطباء والصيادلة الى قناعة مفادها ضرورة توحيد أعضاء كل مهنة في كيان نقابي واحد حتى يشعر كامل أعضاء النقابة المهنية بأنهم تحت مظلة واحدة ويستطيعون النهوض بأوضاع المهنة والقيام بالأنشطة الثقافية، العلمية..إلخ. وبالتالي قرروا مع قيادة نقابة أطباء الأسنان (التي تتطلع هي نفسها لعقد مؤتمر عام لها والخروج من أزمتها) بالتواصل والتنسيق مع مسئـولي النقابة الأم، وخرجت الجهات الأربع بميثاق الشرف المذكور.

وتعتبر هذه الخطوة إيجابية ومشجعة حيث كان مفترضاً أن يقوم بها قادة هذه الكيانات النقابية منذ زمن بعيد، أي مباشرة بعد انفصال أطباء الأسنان عام 2000م من النقابة الأم، وكان يمكن تجنب ست سنوات من الضياع والتشرذم.

بعد انتهاء هذه المؤتمرات (المفترض انعقادها خلال شهري أبريل ومايو من هذا العام)، ستلغى أوتوماتيكياً النقابة الأم، لأن أعضاءها الحاليين من الأطباء والصيادلة سيصبحون أعضاء في النقابات الجديدة التي ستنشأ بعد المؤتمرات.

إلاّ أن قرار المجتمعين بتشكيل اتحاد يضم هذه الكيانات النقابية المستقلة هو قرار غير سليم وسيعمل على تعطيل عمل كل نقابة على حدة. وأسباب رفضنا للدمج والتوحيد كثيرة منها سببان رئيسان هما:

1- الآ تكفينا تجربة النقابة الأم لمدة 16 عاماً (منذ قيام الوحدة على الأقل) وحتى يومنا هذا دون نشاط يذكر، سوى ما قامت به مؤخراً تحت ضغط وإلحاح أعضائها وبعد تدهور الحياة المعيشية بطريقة أصبحت لا تطاق بأن قامت بتنظيم الاعتصامات والإضرابات المؤقتة بغرض لفت أنظار مسئولي الدولة الى ما وصل إليه حال أعضائها وضرورة تصحيح هذا الوضع.

2- هناك مهن طبية أخرى مثل: مساعدي الأطباء، فنيي الصيادلة، فنيي المختبرات، الممرضين والذين يمكن لهم أن يؤسسوا نقابات لمهنهـم بشكـل منفصل، حيث سيحـق لهم طلب الانضمام الى الاتحاد القادم لأن تسميته تدل على «اتحاد نقابـات مهن طبية» دون تحـديد لنوع تلك المهن. وهنا سيزداد عدد النقابات وسيصعب التنسيق بينها وسيؤدي الى شلل في النشاطات.

وعندما راجعت كل الإطارات النقابية للمهن الطبية الثلاث في البلدان العربية والأجنبية، وجدت أن الكيانات المهنية بتسمياتها المختلفة مثل: هيئة، جمعية، اتحاد، مجلس ، هي كيانات مستـقلة لكل مهنة على حدة، ويوجد بينها تعاون وتنسيـق ولكنها لا تشـترك في اتحاد موحـد.

إن الغاية من إنشاء نقابة أو اتحاد لمهنة معينة هو تحقيق أغراض عديدة لمنتسبيها وهو ما لم نلمسه هنا في اليمن. فعلى سبيل المثال، فإن «نقابة الصيادلة الأردنيين» لديها أكثر من 17 لجنة، منها لجان متعارف عليها في معظم النقابات ومنها لجان تهتم بالتعليم الصيدلاني المستمر ولجان فرعية لكل قطاع يعمل فيه الأعضاء.

والشيء الأهم هو إنشاؤهم لصناديق يستفيد منها الأعضاء، مثل: 1- صندوق التأمين الصحي للعضو وأسرته، 2- صندوق التكافل (الضمان) الاجتماعي في حالة العجز عن العمل أو وفاة العضو أو حماية عائلة العضو من الحاجة عند وفاته، 3- صندوق التقاعد الذي يقوم بدفع راتب تقاعدي للعضو أو لعائلته. ويأتي تمويل هذه الصناديق من اشتراكات الأعضاء واستثمارات النقابة.

إن المسألة لا تستدعي توحيد الكيانات النقابية في اتحاد غرضه الأساسي التواصل مع الجهات المعنية، بل بالإمكان تشكيل لجنة تنسيق عليا (منتدبين / مرشحين) من المكاتب التنفيذية المنتخبة للنقابات الثلاث ويناط بها متابعة الجهات المسئولة في الدولة حول تحسين معيشة القطاعات الثلاثة بشكل جماعي وموحد. أما دمج هذه الكيانات بغرض الحصول على جهد مشترك لهذه المسألة بالذات، فتعتبر نظرة قصيرة المدى وخطأً فادحاً سيرتكب بحق تطوير هذه المهن، إذ ستقيد أنشطة النقابات بعد حل مشكلة الرواتب وستكون مرتبطة بروتين طويل ومعقد تحت مظلة هذا الاتحاد ولن نرى أي شيء يتحقق لمصلحة كل مهنة. والله من وراء القصد.

هوامش:

(1) كلمة «اتحاد» تعني بالإنجليزية (Association) وتعطي معنى أقرب للغاية التي انشأها أعضاؤها من أجلها.وقد عرفتها الموسوعة البريطانية Encyclopaedia Britannica كالتالي: (منظمة مهنية أو جمعية علمية أسست بغرض تطوير مستوى عال من الثقافة الطبية والممارسة والعلوم وأخلاقيات المهنة. كما تعمل على تطوير وحماية مصالح أعضائها).

(2) تم ترجمة اسم النقابة الى الإنجليزية كالتالي:

Yemen Dental Association وهي ترجمة صحيحة مماثلة للتسميات التي تعتمدها الكيانات الطبية في الخارج.

(3) تم ترجمة اسم النقابة الى الإنجليزية كالتالي:

Yemen Pharmaceutical Syndicate وهي ترجمة غير صحيحة وليست مماثلة للتسميات التي تعتمدها الكيانات الطبية في الخارج.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى