الثورة وعودة الوعي

> عبدالقوي محمد رشاد:

> طالعتنا صحيفة «الأيام» الغراء بعدة أحاديث لشخصيات قيادية وطنية وذلك بمناسبة ذكرى الاستقلال والانتصار الوطني 30 نوفمبر 67 وبالأخص الاخوة عبدالله الاصنج وحيدر العطاس وعبدالرحمن الجفري، وهذه الشخصيات الوطنية من كان لعائلاتها ولها دورها الاجتماعي والوطني في حياة البلاد كما كان لها إسهاماتها في الحركة النضالية ضد الاستعمار بأشكال وأساليب متميزة لاشك أنها كانت لبنة أساسية في الانتصار الوطني في مراحله المتعددة وبمختلف أدواته ووسائله محكومة أحيانا بظروف الزمان والمكان والواقع الوطني والاجتماعي، ونتفق معهم في رؤيتهم أن الثلاثين من نوفمبر 67 حصيلة مسيرة طويلة من النضال غير محصورة في مجموعة أو تنظيم بذاته بل إن النضال والانتصار هو حصيلة هذه المراحل ابتداء من مقاومة سلطان لحج وعدن للغزو البريطاني بعدة وعتاد غير متكافئين وكان للجبهة القومية في الشق الأخير بعقيدة النضال المسلح التي تبنتها محكومة بنظرة متميزة وواقع متميز جيولولنكي مكنها من قيادة النضال المسلح حتى النصر، مدعومة بقوى وطنية رأت أخيرا حتمية المشاركة في العمل المسلح كجبهة التحرير والتنظيم الشعبي.

ولكن أهم ما في هذه المقالات حقائق أساسية غابت عنا جميعا في فترة النضال ومراحله الطويلة ما بعد الاستقلال بل إن فترة النضال والاستقلال ونتائجه حكمت كل المواقف بصراعات هذه القوى في تلك الأزمان والمراحل وقد تكون مقبولة إلى حد ما، بحكم الواقع الاجتماعي والسياسي القاصر والمحكوم بهذه العوامل وكانت أولى الإشارات الإيجابية هي القناعة المطلقة والمتطابقة للأخوة الثالثة بأن الثلاثين من نوفمبر 67 كان انتصارا وطنيا للجميع كاملا غير منقوص ولا مشكوك فيه وأنه حصيلة وخاتمة لمرحلة ومسيرة طويلة من كفاحنا الوطني عبر أجيال كثيرة أسهم كل طرف منها وكل جيل بما يتفق مع واقع التطور والقدرات الوطنية وإمكاناتها ومكوناتها محكومة بواقع الزمان والمتغيرات في الإقليم والعالم وبالتالي القفز على جراح مراحل الماضي ومرحلة الاستقلال من كل الأطراف والإقرار بان الانتصار والاستقلال الوطني هو عيد الجميع وبإسهامات الجميع وكان للجبهة القومية شرف قيادة الكفاح المسلح.

أولا: حالة التطور والنضج السياسي والوطني كما انعكس في آراء الأخوة الثلاثة التي غابت وعكست نفسها في الماضي وسببت الكثير من الصراعات بين القوى الوطنية، هذا النضج تمثل في ما يسمى بالاعتراف بالآخر أو الإقرار بالأطراف الأخرى في نضالنا الوطني.. هذه الخطوة الوطنية التي دلت على النضج السياسي سوف تقود إلى ماهو أهم كالموضوعية في كتابة التاريخ الوطني بمصداقية من منطلق أنه تاريخ شعب وليس مجموعة أو حزباً أو قيادات سياسية أو مرحلة زمنية معينة.

ثانيا: هذا النضج سوف يسهم في تقوية بنية التلاحم في وحدة المجتمع الخالي من مخلفات مراحل الماضي ويعزز الوحدة الوطنية.

ثالثا: سوف يقود إلى تدوين صادق لمسيرة قيادات وطنية كثيرة ساهمت وأسهمت في الانتصار والنضال الوطني وأسهم البعض من خلال السلطة في تشويهها وإنكار واقع إسهامها الوطني والاجتماعي وبالتالي إمكانية تقديمها لاحقا بصورتها الوطنية المشرفة والصادقة.

رابعا: هذا الإقرار بالآخر والاستعداد للتعامل مع ما تبقى من هذه القيادات الوطنية وكادرها سيسهم في إزالة الجفوة اللاصقة بحياتنا الاجتماعية ويعمل على توحيد الجهد لإزالة كل التشوهات وترسبات الماضي والقدرة على معالجة الحاضر والمستقبل إذ إن قيام العلاقة الشخصية والاجتماعية عامل أساسي في وحدة الجهد والموقف وإنهاء الصراعات الموروثة بين هذه القيادات وقواعدها المختلفة وهذه الخطوة الناضجة -خطوة الاعتراف والإقرار بالغير في الوجود والإسهام الوطني - سوف تؤدي إلى معالجة أوضاع شهداء ومناضلي حرب التحرير في عدن حيث إنه وحتى الآن وبسبب التمترس لدى البعض في مواقعهم النافذة وأثرهم في دائرة مناضلي حرب التحرير لا يزالون يستجرون الماضي الذي هم جزء أساسي من مكوناته وأفعاله ويعكسون هذه القناعات على بقية المناضلين وأسر الشهداء والوقوف في وجه تسوية عادلة لأوضاعهم الوطنية والمعيشية.

خامسا : وهناك لفتة إنسانية ووطنية كبيرة في المقالات السابقة للأخوة وهي الإشارة إلى مكون من المكونات الحضارية والاجتماعية والمقومات الشاملة لشخصية عدن كمدينة وهي تلك الشخصيات والعائلات المتعددة المواهب والإبداعات والتي كان لها رصيدها الضائع في مجرى النضال الوطني.. شخصيات وعائلات كانت جزءا من عدن وتطورها وحياتها وكان لها عبقها وريحها وأثرها وطعمها في شخصية عدن بل كانت جزءا من تاريخ عدن وحضارتها ومكوناتها. والواقع إن النضال الوطني في عدن قد طغى على هذه المكونات والمقومات الإبداعية والثقافية والاجتماعية فالنضال الوطني بشقيه السياسي والمسلح طغى على هذه المكونات وإن اهتم بها فليس بالدرجة الموازية لما سبق.

فهذه المكونات كانت لها أيضا إسهاماتها الوطنية بأشكال هي من أرقى مقومات النضال الوطني الحضاري. والمؤسف أن تجاهل هذه المكونات في مسيرة الكفاح حتما أدى إلى ماهو الأسوأ بعد الاستقلال، إذ أصبح لمن ادعى الإسهام في الكفاح المسلح القوة والسيطرة في الإدارة العامة للدولة وغاب المبدعون الذين هم من مقومات بناء الدولة الحديثة.. وآملا في شخصية وقيادة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح في تعويض هؤلاء مرارة الماضي وإشعارهم بحقهم في العدالة كما تجلى في برنامجه الإصلاحي الشامل.

كانت هذه ملاحظة على مرحلة النضال ولكن يظل الأمر منقوصا إن لم نتعرض لمرحلة ما بعد الاستقلال، التي للاسف صورها الأخ حيدر العطاس بأن خطأها الفادح هو قرارات الناجم.. متناسيا أن الكارثة كانت في فكر ونهج النظام وما نتج عنه، وسنتعرض له لاحقا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى