شيء من معاناة الحجاج اليمنيين.. مشاهد وملاحظات من الواقع

> «الأيام» علوي بن سميط:

>
مخيم اليمن بمنى.. واعظ يمني يحاضر الحجاج
مخيم اليمن بمنى.. واعظ يمني يحاضر الحجاج
متوسط ما يدفعه الحاج اليمني 5-6 آلاف ريال سعودي للجهة التي تفوجه كي يحصل على السكن والتنقلات الداخلية وخدمات أخرى في المشاعر المقدسة وربما يدفع أكثر، إذ أن بعض الوكالات تقدم خدمات متميزة ولكن هذه الوكالات لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة.. يفاجأ الحاج الذي وعد وهو باليمن بأن سكنه سيكون قريبا من الحرم، بالسكن بعيدا عن الحرم مما يضطره للذهاب راجلا بعد أن يفقد أيضا خدمة النقل بالباص إذ يبرر عدم توفير وسيلة النقل بازدحام شوارع مكة قبل وبعد أداء الصلوات مما يضطر الساكنين في ضواحي مكة البعيدة إلى دفع أجرة مواصلات مضاعفة لوسائل النقل العامة، وفي موسم الحج أسعار كل شيء مضاعفة.

أما تسكين حجاج اليمن فقد تفاوتت مستويات تلك الخدمة سواء من الوكالات أم من الوزارة، وسعيد الحظ من سكن في غرفة بفندق تضم من سبعة إلى تسعة أسرّة وبحمام واحد حتى وإن كانت الغرفة لا يوجد بها دواليب لحفظ حاجاتك المتواضعة، وشكا عدد من الحجاج ضيق الأمكنة التي سكنوا فيها إذ يقول الحاج يحيى حسن يحيى من عتمة بأنه يشترك وستة عشر آخرين في الدور الأرضي في أحد أبراج فندق مكة كورال، وشاهدت ذلك فلعل تلك الغرف هي صالات أو أمكنة شبيهة بالمخازن للفندق رصت فيها السرر جنبا إلى جنب وبالكاد تجد فسحة حتى للمرور كي تصل إلى سريرك بل ويشترك الحجاج، الذين أسكنوا هذه الغرف الشبيهة بعنابر المستشفيات أو المعسكرات، بحمامات قليلة مشتركة بعيدا عن مهجعهم المتواضع ولا يجد الحاج تفسيرا لهذه المعاناة التي يلقاها وهو يؤدي ركنا من أركان الإسلام إلا أنه لا يتبرم متمنيا أن يكون له الأجر والثواب، فما معنى الملصقات الكبيرة الحجم المرفوعة عند مداخل مسكن الحجاج اليمنيين «خدمة الحجاج شرف لنا» أم أننا اليمنيين مهووسون برفع الشعارات التي لا نعرف منها سوى قراءة كلماتها أما معانيها ودلالاتها أو تطبيق بعض منها فذلك لا يعنينا؟!

حجاج افترشوا ممرات مخيم اليمن بالجبل وتظهر خيام الدول الأخرى تحتهم
حجاج افترشوا ممرات مخيم اليمن بالجبل وتظهر خيام الدول الأخرى تحتهم
وكما يصل معظم الحجاج من اليمن إلى الأراضي المقدسة برا يفضل آخرون الوصول جواً وعبر الشركة الوطنية (اليمنية) التي من المؤسف تتأخر رحلاتها ويظل ركابها أسرى جدران مطار صنعاء لساعات، بل يفاجأ الحجاج بأن المقاعد لا تكفي على الرغم من وجود التذكرة وموعد السفر ورقم الرحلة وحالة (الأوكي)، فيسافر البعض ويتأخر الآخرون وعليهم الانتظار لرحلة أخرى وهذا ما شاهدناه بمطار صنعاء أنا وزميلاي مصطفى نصر وخالد القارني، وتبدأ معاناة الحاج المؤكد سفره فإذا به (يرتضح) بالمطار ليبدأ معاناة (الاستجداء) بحثا عن رحلة أخرى بعد ضياع رحلته أمامه وهو الحاضر الملتزم بموعد الحضور، فكيف يحصل ذلك؟ والأدهى من هذا أن يحدثك حجاج في الطائرة بأنهم فوجئوا أن سفرهم من عدن إلى جدة بحسب تذاكرهم لم يكن سوى رحلة من عدن إلى مطار صنعاء الذي انتظروا فيه قرابة اليوم، وما يحز في النفس أن ترى كل الركاب متهيئين للسفر ورُبطت أحزمة الأمان، وتتأخر الطائرة ساعات ويدب الهرج بين المسافرين الحجاج فإذا بموظفين يخرجون حجاجا إندونيسيين عددهم من خمسة إلى ستة، وهو مشهد حقيقة أثار سخطي شخصيا، وتعاطف زميليّ والركاب اليمنيين الآخرين، فالطائرة اليمنية انتظرت حتى صعد حجاج هنود قدموا عبر صنعاء وحتى يجد هذا الفوج كاملا مقاعد ظل بعضهم أمام باب الطائرة من الداخل، ويبدو أن الحل لإفراغ بعض المقاعد جاء على رأس الإندونيسيين الذين خرجوا بتذاكرهم المؤكدة ولا ندري متى سافروا بعدئذ من مطار صنعاء ولكن الذي نعلمه وشاهدناه أن هؤلاء الإندونيسيين باتوا بمطار صنعاء من الليلة السابقة ثم أخرجوا من الطائرة صباح اليوم التالي والله يعلم ما كان يدور في سرهم أثناء إخراجهم، فهدوؤهم وحياؤهم لم يدفعهم حتى إلى مساءلة ذلك الموظف الذي أخرجهم، وهنا تعرف معنى كلمة (البهدلة) وتشاهدها أمامك مصدقاً الحكايات التي سمعتها من حجاج في مكة وصلوا بعد تأخير وتغيير مواعيد. وعقب أداء الحاج المناسك تشاهد الازدحام أمام المكتب المؤقت لليمنية بمكة لتأكيد حجز العودة، إلا أنه معظم الأوقات مغلق مما حدا بعدد من الحجاج الافتراش أمامه لأنهم لم يستطيعوا حتى الاتصال بهواتف القائمين عليه والموضحة على ورقة ملصقة بالجدار، وللحقيقة المؤسفة فقد حدثنا حجاج يمنيون بأنهم لا يمتلكون سوى ريالات بالكاد تغطي مقابل ذهابهم من مكة إلى مطار جدة، كنا الثلاثة أنا ومصطفى نصر وخالد القارني سنقع ضحية تأخرنا لتكرار حضورنا للمكتب الذي نجده مغلقا لولا أن حصلنا على حجز عبر وكالة سمر اليمنية للسياحة والسفريات، وفي مدينة الحجاج بمطار جدة يخبرك حجاج بأن لهم يوما كاملا يفترشون الأرض لتأخر الطائرة التي ستقلهم لليمن وحضروا حسب الموعد، وحدثنا حاج طاعن في السن وثلاثتنا ننصت إليه بألم جراء معاناته، أنه لم يعد معه ريال واحد وبات بمدينة الحجاج بعد أن قيل له إن طائرتك غادرت رغم حضوره قبل الموعد بساعات، إلا أن ما خفف عنه هو أنه سيغادر في الطائرة ذاتها معنا والتي تأخرت هي أيضا ولكن لساعات. يعزو عدد - لعلهم مسئولون باليمنية - هذا الإرباك والضغط للوضعية غير العادية على الرغم من توفير رحلات إضافية باعتباره (موسم حج)، هذا ما سمعناه من ثلاثة أشخاص يبدو وكأنهم مسئولون، لأنهم يفهمون ذلك في تقديرهم بضغط وازدحام ومبررات ونحن فهمنا ذلك بأنه تخبط ليس إلا.

حجاج من وادي حضرموت معظمهم عائلات حطت بهم الطائرة في مطار صنعاء والمفترض أن تنقلهم إلى سيئون بحسب حجوزاتهم، إلا أن المبرر هو أن الوقت متأخر ولن تستطيع الطائرة المواصلة إلى سيئون! كما أكدوا لنا أن التأخير حصل في مدينة الحجاج ولم تصل الطائرة في موعدها، وبعضهم غادر صنعاء برا إلى الوادي فيما أمتعتهم بقيت في جوف الطائرة بمطار صنعاء وبقي الآخرون ليوم واحد ونقلوا جوا إلى سيئون.

هذه ملاحظات عن سفر الحجاج جوا لكنها ليست كل الملاحظات، وكما نقول في حضرموت شعبيا ملاحظات ولكنها من (رأس الكيس) أي ليس جميعها وليس من العمق، وقد تبدو عادية لأنها أضحت عادة مع كل موسم.. ربما.

مخيمات منى .. الصورة التقطت من مخيم اليمن وتؤكد الصورة ارتفاع المخيم ومشقة الصعود إليه
مخيمات منى .. الصورة التقطت من مخيم اليمن وتؤكد الصورة ارتفاع المخيم ومشقة الصعود إليه
حجاج يصعدون منى وليس عرفة!
كما قلنا إن الحاج اليمني لا تبدأ معاناته في الأراضي المقدسة بل من أرض الوطن في المعاملة أو السفر، ولم تبدأ هذه المرة في هذا الموسم 1427هـ بحريق أصاب عمارة وخنق حجاجا، بل إن الحرقة والاختناق من كثرة معاناته في المواصلات والسكن ونسبة كبيرة من الإهمال مقارنة بحجاج البلدان والدول الأخرى، ويمكن سؤال كل حاج يمني وستجدون الإجابة عنده مصحوبة بالتندر على وضعه والإشادة بأوضاع الحجاج من الدول الأفريقية والآسيوية كدولتي الصومال وإفغانستان على الرغم من ظروفهما إلا أن مستوى الأداء لخدمة حجيجهم عالية ولا تعليق، وعندما كنت وزميلاي نستعرض ما يتعرض له الحجاج اليمنيون ووصلنا إلى اليمنية قال الزميل مصطفى إنه تحادث ووزير الأوقاف حول ذلك وأجابه بأن مسائل الحجز والتأخير من الطيران يبلغ بها رئيس مجلس إدارة اليمنية ورئيس الحكومة أيضا، إلا أننا كحجاج وصحفيين يبدو أننا أثرنا حفيظة أحد مسئولي وزارة الأوقاف في بعثة الحج إذ تجمع حولنا حجاج يمنيون عقب أداء المناسك في بهو فندق مكة كورال لنسجل شكاواهم وملاحظاتهم فإذا بذلك المسؤول يحاول انتزاع دفتر الملاحظات، مما أثار الحجاج وبلغ ذلك مسامع وزير الأوقاف الموجود بمكة ومسؤولي البعثة وتم التواصل معنا واعتذر ذلك المسؤول لنا وحصل خير، وفي منى لا ندري كيف اختير لحجاج اليمن أن يكونوا في أعلى قمة الجبل حيث نصبت خيام المخيم لكفل أفواج وزارة الأوقاف والوكالات وفي معظم الخيام لن تجد موطئ قدم إذ رصت (الفُرُش) وتلاصقت حتى أن حجاجا رقدوا تحت الأقدام وآخرين افترشوا الممرات ما بين الخيام مواجهة للرياح والبرد القارس .

الحجاج يصعدون للتلبية والدعاء على جبل عرفة، وتم تصعيد الحجاج للسكن في منى حتى أن تعليقات الحجاج تقول إن حجاج اليمن مميزون لذلك اختير لهم أعلى الجبل، وقد يكون التميز في المشهد الذي تراه من علو، فالخيام البيضاء لملايين الحجاج من الدول الأخرى تبدو لوحة جميلة ودلالة على عظمة ديننا وقوته ومساواته، هذا في رأيي الشخصي أهم ما يميز المخيم اليمني الذي يشرف على مخيمات مسلمي العالم، أما القدوم إليه فيستلزمك الصعود (حتى ينقطع نفسك) وبداخل المخيم تجد معظم ما ترغب به خصوصا الطعام وإن كان هنا أكثر غلاءً فعلبة التونة (الغويزي) وصل سعرها إلى ما بين 8-10 ريالات سعودية ورشفة الشاي بريال وأحيانا تصل إلى ريالين، وبدون نقل فإن الصعود إلى المخيم راجلا يفرض عليك التوقف للراحة عدة مرات، كما أن الموقع يبعد كثيرا عن الجمرات بل ربما لا تصدق أن خياما تم تأجيرها مقابل مبلغ من المال لحجاج يمنيين وغير يمنيين مما أدى بآخرين يفترض أن يكونوا فيها إلى البحث عن موقع لهم، والازدحام لا ينقطع عند دورات المياه، لذلك فالصعود في كل شيء بمخيم اليمن في منى، الأسعار والخدمات الأخرى.. فيما بعض الوكالات وفرت مواصلات وخدمات متميزة لحجاجها. وتميزت وزارة الأوقاف بوعاظها ومرشديها وخطبائها بإقامة كثير من المحاضرات وحلقات الوعظ بين الخيام وحيثما توفرت المساحات الصغيرة، ويحضر هذه المحاضرات إضافة لليمنيين عدد من حجاج دول أخرى وهذه ميزة حسنة لمخيمنا. في عدد لاحق نسطر ملاحظات أخرى (الحلقة الأخيرة) .. وربنا يتقبل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى