ردهة الأحلام

> عبدالقوي الأشول:

>
عبدالقوي الأشول
عبدالقوي الأشول
قبل ما يقارب عقدين من الزمن أعلنت عدن منطقة تجارية حرة وهو الإعلان الذي أتى مصحوبا بنبرة تفاؤل عالية في قدرة المدينة على استيعاب مشاريع استثمارية متنوعة من منظور موقعها الجغرافي ونافذتها البحرية شديدة القرب من خط الملاحة الدولية بالإضافة إلى المزايا الطبيعية للميناء التي تؤهله للعمل على مدار العام لتقديم خدماته للسفن دون أن يتأثر بعوامل الرياح الموسمية بالإضافة إلى ميزة المطار -أعني مطار عدن- وخصائص العقار والأماكن المؤهلة لقيام أنشطة سياحية واستثمارية كبيرة.

وحين نعود اليوم للوقوف على ما تحقق نجد أنفسنا بعيدين عن تلك الغايات وربما الأماني التفاؤلية التي لازمت إعلان عدن منطقة حرة، رغم مرور مدة زمنية كبيرة كانت كفيلة بتحقيق نهوض في أرجاء المدينة والوطن لو أن الأمور سارت على نحو حصيف ومسؤول ورؤية استراتيجية، نعي من خلالها ماذا نريد، بمعنى أدق الأمور إثر إعلان عدن منطقة استثمارات متنوعة ونشاط تجاري حر، دخلت في نفق معاملات لا تختلف في جوهرها عما كان سائرا من طرق عمل وتجارب غير مدروسة سلفا وربما تعاملات غير مسؤولة ناهيك عما لازمها من فساد لمتطلبات الحاضر وما استجد في مضمار العمل أو النشاط الاستثماري من تنافس ومحاولة كل طرف إظهار ما لديه من عوامل جذب استثمارية على أرض الواقع.. على عكس طرقنا العجيبة التي ظلت تراوح عند حدود التغني بالقوانين والتسهيلات على هذا الصعيد وكأنها كل شيء.

إذن ماذا بقي بعد كل هذا من خصائص عدن ومميزاتها الاستثمارية؟

في يقيني إن الأمور انحدرت في جوانب كثيرة إلى حال مختلف تماما..وذلك ما تلخصه طبيعة الحركة القائمة في مطار المدينة الدولي الذي لم يعد يحمل من هذه الصفة إلا تسميته إذ مازالت الحركة مقتصرة فيه على الطيران المحلي والوضع لا يشذ عن هذه القاعدة في الميناء الذي كان ذات يوم يعد ثاني أكبر ميناء في العالم.. يعج بحركة دائبة الأمر الذي جعل قدوم بعض السفن الكبيرة إلى الميناء يعد حدثا غير عادي ويعده البعض دليلا على تعافي أمورنا.

أما خصائص ومميزات العقار التي تعد من أفضل عوامل الجذب المقام لدينا فالحديث عنها اليوم بات مختلفاً تماما فبعد أن كانت عامل تشجيع للاستثمار أصبحت محط توجس وخوف وقلق أصحاب المشاريع الاستثمارية لما اقترن بأمرها من تداخل ومشكلات معظمها منظورة أمام القضاء يعاني أصحابها تسويفات الحسم مما يجعلها من أبرز عوامل الإحباط والتنفير، عازفين عن إقامة مشاريعهم.. ومثل هذه النماذج مثلت أحد أبرز العوامل التي أضرت بسمعة بلادنا وحرمتنا من الاستثمارات بمعناها الحقيقي.

ومع ذلك نجد حالا من الاستغراق في وصف بعض المشاريع الصغيرة بأنها إنجازات استثمارية حتى تلك المشاريع التي لا تزيد الطاقة البشرية التشغيلية لها عن ثلاثة أفراد.. مثل هذا الخلط في النظر للاستثمار وهذه المفهومية الخاطئة جعلت من غير الممكن الحديث عما نريده من الاستثمار لأننا لم نحدد معناه بعد. في يقيني أن العالم غير معني بأمرنا وطرقنا البالية وتعاملاتنا غير المسؤولة، وثورة العصر الصناعية التكنولوجية ماضية في طريق تطورها العارم مصحوبة بأحلام ومغامرات من ينشدون تحقيق أحلامهم وأحلام بلدانهم عبر بوابة التنمية.

ولا أدري ما هي الحكمة أن نعلن لحج منطقة حرة إذا كنا حتى اللحظة لم نغادر مواقع الأحلام والآمال التي رسمناها في مخيلاتنا لعدن.. ومضى الزمن دون أن يتحقق من أمرها شيء على الواقع، هل هو الشعور بعقدة الذنب والفشل..هي وراء إطلاق العنان لمزيد من أحلام اليقظة، ثم إن لحج بوضعها الراهن لا تحتاج إلى أن نعلن أنها منطقة حرة فحري بالجهات المعنية حل قضايا الأرض والعقار بالمحافظة..وكبح جماح تلك الامبراطوريات العملاقة التي رفعت لافتات الامتلاك على مئات الكيلومترات من أرضها وأرض خبت الرجاع وما حول الوهط وعندئذ يمكننا الحديث عن أرض مهيأة لاستيعاب مشاريع استثمارية تنموية.

وهناك فرق كبير وهوة عميقة للغاية بين التفكير بروح المسؤولية تجاه الوطن وبين نوازع تلك الذات التي تأبى إلا أن تكون سيدة الاستئثار بكل شيء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى