الثأر وغياب الدولة في شبوة 1-3

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
قرأت في صدر صفحة «الأيام» الأولى العدد (5011) هذا الخبر: «لجنة الوساطة تطلب تقديم رهائن من الأطفال إلى حين تسليم المطلوبين أمنيا بشبوة»، وليسمح لي القارئ الكريم إذا كشفت حقيقة ساطعة الخبر أعلاه كان جزءا منها، وهي أن فتوى حرب 94م حول إبادة أبناء محافظات الجنوب بمن فيهم النساء والأطفال قد أحدثت ما يشبه (الانقلاب) ضد الشريعة الإسلامية وما تقديم الرهائن حتى من الأطفال إلا استمرار لتلك الفتوى الظالمة. روى الأديب الأندلسي في كتابه (العقد الفريد) أن رجلا يقال له: سُليك، دخل على الحجاج يشكو إليه مظلمة حلت به على أيدي عشيرته فعاتبوه بذنب غيره كما يفعل الطغاة، فرفض الحجاج تظلمه فقال الرجل : إني سمعت الله عز وجل يقول غير هذا، قال: وما ذاك، قال: قال الله تعالى- على لسان إخوة يوسف : {قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين ü قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون} (يوسف 79.78) فانحنى الحجاج بن يوسف إذعانا للشريعة واقتص للرجل وهو المشهور بالقسوة والجبروت. فكيف يؤخذ أحد بجرم غيره فإن هذا ظلم كبير لا يجيزه دين ولا عقل.. وها هو الدستور وهو الذي يملك زمام الحقوق كلها تقول مادته الثالثة «الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات» فأين شريعة محمد صلى الله عليه وسلم من هذا كله.. ألا يكفي أن الحكومة وأجهزتها لم تقم بواجبها تجاه قلب الحضارات القديمة (شبوة) لاجتثاث سرطان الثأر الذي انتشر هناك ولم يستيقظ ضميرها بأن تضع له حدا، والإسلام يحرم الثأر فأين صناديد الفتاوى.. ولكن الذي لا يكون قدوة يستحيل أن تسمع له موعظة فالثأر والرهائن نظم جاهلية وهي تهتم بطريقة بدائية بمعالجة الجريمة بعد وقوعها أكثرمما تهتم بمنع حدوثها وهذا دليل على تخلف الدولة لا نضجها وقد جاء النهى عن الثأر وتقديم الرهائن وبينت السنة النبوية تفصيل تلك النصوص القرآنية في أحاديث كثيرة تبين حرمة المسلم على أخيه المسلم.

ومن القواعد الأساسية في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية أن الإنسان لا يؤاخذ بجناية غيره فالمسئولية الجنائية مسئولية شخصية.. يقول سبحانه وتعالى {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها}(فصلت آية 46) و{لا تزر وازرة وزر أخرى} (فاطر الآية18) ويقول الرسول: «لا يؤاخذ الرجل بجريمة أبيه ولا بجريمة أخيه» والقوانين الوضعية أغلبها لا تخرج على هذه الثوابت الدينية في مجال المسئولية الجنائية أي ثبوت الفعل الذي يعتبره القانون جريمة على الشخص الذي ارتكب ذلك الفعل.. وتقديم الرهائن في هذه الحالة يخالف الشريعة الإسلامية ويخالف القوانين النافذة في بلادنا وقد أثبت الواقع الأمني أن الدولة عندما تطبق شرع الله والقوانين الوضعية المنظمة لحياة المجتمع يعيش الناس آمنين مطمئنين وعندما تتهاون في تطبيقها يتسرب الفساد إليهم وتتفشى الجريمة بينهم. والرهائن نظام جاهلي لا يقوم على أساس من الدين والقوانين النافذة ولا توجد قاعدة قانونية تشير من قريب أو من بعيد إلى نظام الرهائن وقد بيّن الدستور مواضع المسئولية الجنائية. ولا يجوز بعد 45 عاما من ثورة 26 سبتمبر أن نعود إلى نظام الرهائن. طبيعة المتهمين أن يختفوا ومن صلب مهام الأمن أن يبحثوا عن مكان اختفائهم لا أن يأتوا بالأطفال كرهائن.. والقبض على إنسان بريء وتقديمه كرهينة غير عسير ففي استطاعة الأمن أن يأخذ سكان قرية أو حي كرهائن ولكن هذا التصرف يهدم الشرع والقانون مادة مادة ومن قبل حراس القانون.. وهذه الوسائل تعكس قصور صلاحيات الأمن في ضبط الجناة ولا يجوز لأحد أن يفعل شيئا باطلا ومخالفا لشرع الله وللقوانين الوضعية.. وهنا نود أن نثني على السلطة المحلية في محافظة شبوة التي رفضت تطبيق النظم الجاهلية في هذه القضية الجنائية التي لا ننكر أن لها وقعا كبيرا في المجتمع. لكن تقديم الرهائن يساعد على انتشار جرائم الثأر وجرائم القتل.

إن شبوة اليوم بحاجة إلى قيادة أمينة- وما أكثر الرجال الأمناء في شبوة- تتصف بالصدق والشجاعة في معالجة أمراض الثأر فيها.. قيادة تحمل في يد دواء الثأر (وشبوة منطقة غنية بالثروة والرجال) وفي أخرى آلة الجراحة لاستئصال جرائم الثأر الفتاكة التي لا يجدي معها دواء، ولن يكون ذلك إلا إذا قامت الحكومة بمسئوليتها وأخلصت دينها لله وعملها بما جاء عن الدين والتشريعات النافذة في مكافحة جرائم الثأر، فالثأر خطره داهم ومشكلاته متعددة بل وأعظم بكثير من الجرائم الفردية الأخرى.. وهنا نتساءل: هل شبوة تحكمها سلطة أم لا؟ وإذا كانت تحكمها سلطة فكيف لمواطنين يطلبون علاج مشاكلهم وثاراتهم التي تعددت وكادت تستعصي والدولة لا تريد ذلك؟ إنني أعلم أن كافة الأخوة في المجلس المحلي واللجنة المشكلة للبحث عن المتهمين في مديرية مرخة يحدوهم الأمل وتدفعهم أخلاقهم إلى إنهاء الثأر ليجنبوا مواطنيهم الأضرار والمشاكل والفتن التي كادت تعصف بكل مديريات شبوة ونعلم أن هؤلاء الأخوة الكرام يحز في نفوسهم أن يروا آباءهم وأبناءهم وإخوانهم متشبثين بأذيال الثأر رغم وجود إمكانات العزة وأسباب القوة بين أيديهم، ولكن أعتقد أن الحكومة لا تعمل صالحا في هذه القضايا وهذه الجريمة عظيمة يجب على مجلس النواب أن يسائلها على هذا التقصير المبين..ونحن الذين نعتز بانتسابنا لعاصمة أقدم حضارات اليمن (شبوة) يؤلمنا ما نرى ونسمع في محافظة شبوة ونسأل ماهو موقف الحكومة من كل ذلك وما هو مفهومها القانوني والأخلاقي في قضايا الثأر وتقديم الرهائن في شبوة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى