خندقة وفندقة و تخزين و نجع

> سعيد عولقي :

>
سعيد عولقي
سعيد عولقي
في رواية الأديب نجيب محفوظ «حديث الصباح والمساء» التي حولها الأديب الأستاذ محسن زايد إلى تحفة تليفزيونية قل أن قدم تليفزيون عربي مثلها ومن النادر أن نرى مثيلاً لهذا العمل الاستثنائي خارج هذا الاطار الثنائي (محفوظ / زايد) لصعوبة تجسيد مثل هذة الأعمال الروائية في شخصيات وأحداث على الشاشة فهناك - في الرواية- يأتي التحدي الأكبر والأول وهو كثافة الأحداث وتركيزها الشديد وكثرة الشخصيات مما يفيض على رواية صغيرة الحجم كثيرة التنوع جزيلة العطاء في تنوعها الذي لا يكف عن التجدد باستمرار حتى انك في الصفحة الواحدة ربما تمر على مئة سنة من الزمن الجاري روائياً ثم تعود إلى سكون الطبيعة وخضرة البساتين وخرير الجداول الجارية ابداً.. وتعود إلى يوميات الحياة الاعتيادية في الحارة.

ليس جديداً ولا غريباً على نجيب محفوظ أن يخترق بقلمه الأكوان ويقطع المسافات والأزمنة فهو سيد من يخط الرواية بقلمه الآخاذ.. الجديد هنا والذي هزني فعلاً من الأعماق هو تحويل عمل روائي كهذا إلى مسلسل تليفزيوني يشق طريقه وسط مسلسلات الهشك بشك وتسليك الأحوال التي دخلت إليها الوافدة الجديدة من مسلسلاتنا اللي فيها «طريجنا» المحتوم إلى الفشل الذي لا تزال مرارة طعمه على ألسنتنا.. أعود إلى الموضوع فأقول إن التحديات الكثيرة والضغوط لم تحل دون وصول عمل تليفزيوني كهذا إلى صدارة المكانة التي يحتلها في نفوس الذين يقدرون الفن الأصيل أكثر مما يقدرون أعمال صرف العملات النقدية والحوالات البنكية.

لم يعمل القائمون على هذا المسلسل بحشد الكم الهائل من ممثلي الصف الأول والثاني وبعده عبثاً .. ولم يشارك هؤلاء ايضاً عبثاً وكان يكفي أن يطل منهم نجم ليقول بضع كلمات في بضع حلقات - من أصل أكثر من ثلاثين حلقة - لأنهم بحسهم الفني يدركون أن الكيف أهم بكثير من الكم ... وهذا هو الشرط الأساسي الذي وضعه محسن زايد ليكون للكلمة قيمة وكذلك للوقت الذي تحتله في المسلسل - كلاماً وموسيقى وحركة و صمت نعم حتى الصمت محسوب وقته - نفس هذه القاعدة الصارمة طبقها الأستاذ محسن زايد في المسلسل الآخر الذي قدمه عن رواية نجيب محفوظ وهو:«الحرافيش» وهما العملان الوحيدان اللذان تمكنت من مشاهدتهما في ما يصل إلينا بثه من الفضائيات العربية المباركة التي أقل ما تقدمه فن وأكثر ما تقدمه عفن وينطبق القول طبعاً وبجدارة على محطتنا اليمنية براً وجواً.

وفيما يتعلق بمحطة تلفزيوننا اليمني الفضائي والأرضي فإن ما نسمعه عنهما أنهما تعكسان الواقع اليمني خير انعكاس.. فكل ما نسمعه عن تلفزيون اليمن وإذاعتها أنه في مبالغ سرقت من قسم الفلاني وأنه في لجنة من هيئة أركان البث تبحث في هذي المسراقة وبعد أخذ ورد وفحص وقحص...تكتشف اللجنة الجناة ويتم التعامل معهم وفقا لشريعة الفساد اليمني حيث يتم تحويل هذا الشخص بدل ذاك وهذي الشخصية بدل ذيك.. ويكون تقرير اللجنة مفصلا أحسن تفصيل فيذكر أن المبلغ الناقص الذي كان في حكم الضائع وليس المسروق-لأن لجنة التحقيق تشتي تتجنب بقدر المستطاع كلمة مسروق فالموس دائر اليوم على رأس غيرك وبكرة على رأسك - هذا المبلغ الضائع كان في حدود المليون ريال وقليل فكة.. ثم يتطرق التقرير إلى أن اللجنة المكلفة بالتحقيق في هذا الموضوع قد تجشمت عناء السفر والطلوع والنزول والتفندق والتخندق وتخزين القات ونجعه والكثير من الصرفيات والنفقات والنثريات... والخ. وقد تكلفت مصاريف اللجنة المحترمة مبلغ وقدره خمسة ملايين ريال يمني فقط لا غير والله ما عانة زايدة.

وهكذا انتهت المسألة على كل خير وتم اعتماد الموضوع على أن يصرف للجنة كل قرش طلبته في ورقتها التاريخية حيث إنها قد أثبتت بجدارتها الفائقة مكان وأسباب المبلغ الضائع من ميزانية التلفاز المبجل الذي كان موضوع التباس .. لكنه بعونه تعالى جعل التلفزيون مرآة تعكس ما يجري على الساحة اليمنية من فساد وما تدور فيه من مسراقة يومية وكله يوم بيوم وكل ساعة بسلسلتها. صحيح أن القضية أخذت بعض الوقت لكن ما في شيء يجيء بالسهل كلما في الأمر أنك تحتاج إلى بعض الخندقة والفندقة والتخزين و النجع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى