المقالح في «كتاب القرية» (2)

> «الأيام» عبده يحيى الذباني:

> لقد دخل الشاعر إلى عوالم الأشياء من أبوابها الشعرية تبعا لطبيعة علاقته بها وكان له دوره في صناعة هذه الأبواب نفسها وما تفضي إليه حتى صار العمل مثلا شعريته الساحرة بين يدي الشاعر وكذلك صارت الأرض بأشيائها التي تبدو محايدة وجامدة تفيض بالشعر وقل مثل ذلك في الطفولة والأصدقاء والذكريات والمواقع والصخور والحيوانات، فما أن تلمسها يدا الشاعر حتى تورق بالشعر.. لله ما أكرم هذا الينبوع وما أكرم الأرض التي سالت به ليسقي نباتات الشعر فيها وأشجاره!!

طرحت مقدمة الديوان د. ملكة أبيض في نهاية مقدمتها أسئلة جافة، لكنها جائزة في ميدان النقد من مثل: كيف نعيد للقرية بهاءها وجاذبيتها؟ وكيف نبقي أبناء القرية في قريتهم؟ وكيف نزيل الجفوة أو الفجوة بين الريف والمدينة؟ وهي أسئلة مشروعة ذات أهمية حضارية معاصرة ومستقبلية، ولعل المقالح في (كتاب القرية) قد طرح هذه الأسئلة وأخرى غيرها وأشار إلى الإجابة بطريقته الشعرية التي قد يكون فيها السؤال جواباً والجواب سؤالاً ، أو يسبق الجواب فيها السؤال، وقد تبعث هذه الجملة الشعرية أو تلك في ذهن هذا القارئ سؤالاً بينما تبعث في ذهن قارئ آخر جواباً، وهكذا. ولا أسعى هنا إلى تسطيح مضامين هذه اللوحات أو تحديدها فهي لن تبرح تضخ مضامين جديدة عبر خارطة الزمان والمكان والقراءة.

لم تكن هكذا بلقعاً

وأخاديد

كات شعاباً من البن والخوخ

أدواح تبني عليها العصافير أعشاشها

ومخازن أسرارها

أين صارت؟

وأين عصافيرها؟

هربت للمدينة أيدي البناة

وأهملها القاعدون الكسالى

وأشجارها هرمت

واستقالت

هوى بعضها

وتلوح بقية أعجازها كالمشانق

عارية في انتظار الرحيل

هكذا يضعنا الشاعر في قلب المأساة التي تعيشها القرية اليمنية اليوم:

تصدأ المعاول في الدهاليز

والايدي عاطلة تتسول

اللقمة في المدينة

لقد عجزت القرية أن تكون مدينة وأضاعت خصوصيتها الأصيلة بوصفها قرية، لقد حفلت اللوحات بشعرية الأشياء كما خلعها عليها الشاعر وكأن الشعر مثل الجمال لا يخلو من شيء ويبقى على الفنان خصوصاً والإنسان عموماً أن يتلمساه ويكتشفاه ويبعثاه، وهو موجود في النفوس أكثر من وجوده في الأشياء، ولن أذهب إلى الحديث عن جماليات هذه اللوحات الشعرية لأن المقام لا يسمح، فدورنا يتوقف عند دعوة القارئ إلى تأملها وتذوقها والسفر في رحابها فهي نفسها رحاب القرية الساحرة وهي تقطر شعراً ورحاب الجمال والفطرة والبساطة والصفاء والبراءة والطفولة والقيم الأصيلة والإيمان العميق، فصفاء الطبيعة في القرية يقابله صفاء الأرواح، وجمالها يقابله جمال النفوس. وهكذا تبقى قرية المقالح الشعرية رمزاً بل رموزاً إلى حياة أجدى وأصفى وأحرى، حياة كما أرادها الله تعالى لنا أن نحياها.. حياة هي رحلة على طريق يفضي بنا إلى حياة الخلود، فكأنما القرية المقالحية هي جنة على الأرض تفضي إلى جنة خالدة، لقد قال أحد الأدباء: «خلق اللهُ القريةَ، وخلق الإنسانُ المدينةَ» في كناية جميلة عن فطرة القرية وبكارتها وسهولتها، وعن حياة المدينة المعقدة المقيدة بسلاسل الإنسان نفسه.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى