شيء من معاناة الحجاج اليمنيين.. مشاهد وملاحظات من الواقع

> «الأيام» علوي بن سميط:

>
حجاج من بقاع العالم يتجهون لرمي الجمرات
حجاج من بقاع العالم يتجهون لرمي الجمرات
معظم الحجاج اليمنيين تنقلوا بين المشاعر سيرا على الأقدام فيما البعض دفعوا قيمة خدمة نقلهم ومواصلاتهم، وفي الأصل أن الوكالات هي من يقوم بذلك، وقال لي عدد من أصحابها بأنهم لم يحصلوا كوكالات على الأعداد المطلوبة من الحافلات والباصات لنقل الأفواج التابعة لهم، إذ أنهم في آخر لحظة أبلغوا بأنهم لن يتمكنوا من الحصول على المطلوب مما جعلم في حيرة واكتفوا بالنقل بالعدد الموجود، فالبعض منهم استخدم ثلاث حافلات تذهب وتجيء لتنقل مجموعة تلو أخرى والحجاج منتظرون، ونظرا للازدحام قد لا تتمكن من العودة ويمر الوقت ويقرر الحجاج تدبير أمرهم، إلا أن المبرر ليس مقنعا، فبالإمكان البحث في وقت مبكر وتوفير الحافلات الكافية وإشعار أصحاب الوكالات ايضا في وقت مبكر من قبل الجهة التي التزمت بذلك، وليس في وقت حرج كيوم التوجه إلى منى وعرفة.. وهي المشكلة التي تضاف إلى جملة من مشاكل سوء التدبير والتنظيم التي من نتائجها معاناة حجاج اليمن.

حدثني الحاج عبدالله عوض محفوظ، مدير مدرسة بمحافظة شبوة وهو من أبناء محافظة حضرموت يعمل ويسكن في عتق منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن، حج وعائلته هذا الموسم والتقيته بالمدينة المنورة .. وقال إنه كغيره من الحجاج دفع كامل رسوم الخدمات للوكالة التي فوّجته، إلا أنه لم يستفد من خدمات المواصلات بتاتا. وأضاف محدثي بأنه وضع حالته أمام مسئولي بعثة الحج اليمنية، وهي حالة من آلاف الحالات بالتأكيد.

طبيب يمني وحاج مصري بالمخيم اليمني
طبيب يمني وحاج مصري بالمخيم اليمني
الفريق الطبي في بعثة الحج اليمني لم يعرف الكثير من الحجاج مواقعهم المنتشرة والقريبة من مساكن حجاج اليمن، ولأن مجموعة أطباء معي في السكن ذاته التابع لمجموعة العواضي، أخبرني د. بامحمود بأنهم يعملون في العمارة القريبة منا، ويتناقل الحجاج فيما بينهم إرشاد من يحتاج للتطبيب على المراكز الطبية اليمنية. وللحقيقة فإنك بزيارة المركز تحصل على الدواء المتوفر لديهم، وفي الأغلب فإن الحالات التي تزور هذه المراكز تتشابه، وأبرزها آلام الصدر، السعال، الدوخة، آلام المفاصل وتصلب الأرجل والتقرحات وشيء من حالات الضغط والهبوط، ويأتي في المرتبة الاولى استهلاكاً أدوية المضادات الحيوية وشراب المضاد والمخفف للسعال والبلغم، أما حقنة الفولتارين فهي محببة لكثير من حجاج اليمن الذين يقررونها بأنفسهم قبل الطبيب لسرعة مفعولها في تسكين الآلام المبرحة في المفاصل جراء السير والإعياء وسخونة البدن، ففي خلال نصف ساعة كنا وزملائي في أحد هذه المراكز نشكو السعال وآلاماً في القدمين والساقين، وحصل ثمانية من أصل عشرين دخلوا ذلك الوقت على هذه الحقنة، وليست هذه زيارتنا الأولى فقد زرنا المركز الطبي اليمني في منى بعد أن بحثنا عنه بين الخيام، ففي مساء ثاني أيام التشريق وصلت إليه وعلمت أن 126 حالة مختلفة وردت إليه من بعد المغرب وحتى الحادية عشرة، وكان أحد الحجاج المصريين يعرض حالته فلم يمانع الطبيب المناوب حينها د. عبدالواحد من عدن - وكنت موجودا ساعتها منتظرا الدور- أو يرشده إلى أن يذهب إلى بعثة طبية تتبع دولته، وفي تقديري فإنه يستحق العلاج لأن خيمته بالمخيم اليمني إذ أن الحجاج الفرادى من دول ساحل البحر الأحمر حددت لهم مؤسسة الطواف التي استقبلتهم موقعهم في منى على جبل اليمن، والأطباء من محافظات إب وتعز وحضرموت وعدن وبقية المحافظات، وكنت أعتقد أن هذه الخدمة تقدم مجانا من بعثة الحج الرسمية، إلا أن أصحاب وكالات حج يمنية أكدوا لي أن وكالاتهم تدفع مبلغا للبعثة الرسمية مقابل التطبيب على كل حاج، ومع مستوى الخدمة بالمراكز الطبية الجيدة في نظري إلا أنني لم أشاهد سيارات إسعاف أمام تلك المراكز، بيد أنني لاحظت سيارات إسعاف لدول فلسطين وسوريا والجماهيرية الليبية وافغانستان والسودان وبنين وماليزيا، لذا فالحاجة ملحة عند وجود طارئ لتوفير سيارات إسعاف مستقبلا في بعثاتنا اليمنية لنقل تلك الحالات إلى المراكز الطبية أو المستشفيات الميدانية. ولعل قائلاً يقول لي إن ذلك موجود، لكن ليعذرني إنني لم أشاهده مثلما شاهدت إسعاف الدول التي ذكرتها ليس في منى وحسب بل أمام العمارات التي يسكنها حجاج تلك الدول.

ازدحام مكة بالحجاج حتى بعد انتهاء الموسم بالقرب من الحرم
ازدحام مكة بالحجاج حتى بعد انتهاء الموسم بالقرب من الحرم
ينقصنا الأداء والتنظيم
لعل من الطرائف أن تجد جملا من اليمن يطوف به صاحبه بين المخيمات ويرتاح تحت المخيم اليمني، وازدان الجمل بهودج مطرز بالألوان الزاهية من الزهور الصناعية، وقد التقط حجاج على ظهره صورا فورية للذكرى، وهو الجمل الوحيد الذي شوهد بمنى. إلا أن ما يسيء أن ترى أكواما من الأكل في عدد من ممرات المخيم اليمني فائضة، تهرسها الأرجل غير عابئة بهذه النعمة، كما تكومت البراميل المخصصة لفضلات الأكل على الرغم من أن معظم حجاج اليمن يتناولون وجباتهم الخفيفة إما ساندويتش أو خبزا جافا وكوبا من الشاي، وللأسف فإن مستوى النظافة في المخيم ليس على ما يرام، ونحتاج إلى مزيد من التوجيهات والإرشادات قبل وصولنا كيمنيين إلى الأراضي المقدسة عسانا نقطع عادة التزاحم والتدافع في كل شيء وعلى كل شيء، بل تسمع تمنيات كثير من الحجاج اليمنيين بأن يصبحوا كحجاج الدول الأخرى المتميزين بمستوى التنظيم، فكل فوج تعرف حملته أو الجهة التي فوجته، لذا فإن التقصير بل وحتى عدم الانضباط إذا بحثنا في تفاصيله لا يقع من الحاج اليمني، بل التقصير وإلى حد الإهمال من جهات التفويج من عدد من الوكالات وبعثة الحج الرسمية، لذا فالواجب أن تعمل الوكالات ممثلة باتحاد جمعياتها وكذا وزارة الأوقاف على رصد الملاحظات وتقويمها لإمكانية تلافيها في المواسم القادمة وتحديد المسؤوليات.

ويقول عدد من الحجاج أنت تسمع الآن التبرم والشكوى والسخط وكل هذا كأنه ليس موجودا بوصول الحاج اليمني إلى الوطن، أم أنه ينسى أو يتناسى بأن شكواه لن تجد آذانا صاغية وفعلا على الواقع. ونقول إن خدمة الحاج شرف، وهو يدفع مقابلها، وإذا ظلت بهذه الصورة فعلى كل الجهات المعنية بخدمته أن تتذكر ماذا يعني تفويض الحاج أمره لله عز وجل.

جمل في منى بعد خروجه من مخيم اليمن
جمل في منى بعد خروجه من مخيم اليمن
ومن المهم أن يقف المرء شاكراً ما تقوم به حكومة خادم الحرمين الشريفين من خدمات تهدف إرضاء حجاج المسلمين من كل البقاع، فليتصور كل منا أن ثلاثة ملايين حاج بلغات مختلفة وطبائع متعددة يجتمعون في ساعة واحدة ومكان واحد لأداء مناسك موحدة في مشاعر واحدة، كيف تسيطر عليهم من حيث التوجيه والخدمة والحفاظ عليهم؟ إنها بحق مفخرة للمملكة العربية السعودية بأن أنهى حجاج موسم 1427هـ شعائرهم دون حوادث تذكر ولله الحمد.. ثلاثة ملايين حاج منذ قدومهم وحتى مغادرتهم وحركتهم في المشاعر عدد ليس بالهين، ولا يحتاج إلى الإمكانيات وحسب بل إلى كيفية التعامل، وهو ما أثبتته السلطات السعودية التي قدمت خدماتها ووسعت المنشآت والبنى الخاصة بالمشاعر فانسابت حركة الحجيج وعملت على إرشادهم بالتوجيهات واتباع التعليمات الكفيلة بسلامتهم وسخرت المملكة قواها المادية والبشرية لهذا الغرض: رجال الأمن والقوات المسلحة والدفاع المدني وشباب الكشافة وخدمات الصحة وكذا الإرشادات والكتيبات الصادرة عن وزارة الشون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة بشأن التعريف من الوجهة الشرعية وتبصير الحاج بأداء هذه الفريضة والركن الخامس والتي يجد فيها الحاج الإجابات عن كل الأسئلة وتسهل له أداء المناسك والشعائر بكل يسر.. فتحية وثناء وتقدير لقيادة المملكة وشعبها .. وللجميع حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى