«القزم» عبدالمجيد أبو سبعة لـ «الأيام»:كتلة من الأحزان.. حائط من الآهات .. صفحة سوداء كُتب عليها (قزم)

> «الأيام» أنيس منصور:

>
أبوسبعة مع أطفاله وزوجته
أبوسبعة مع أطفاله وزوجته
عاش حياة مليئة بالمغامرات والمآسي والمفاجآت.. محبوب للناس وصاحب شعبية جماهيرية، طوله (95 سم) ووزنه (16 كيلو جراما) وعمره (65 عاما) .. متزوج وأب لسبعة من الأولاد والبنات، ولديه حفيدات ينادينه «يا جدو»، ويسكن في إحدى حارات الراهدة في منزل شعبي ضيق جدا.. بذل «كل دم قلبه»، كما يقول، لتوفير الحياة الكريمة لأولاده ولتربيتهم.. يلاعب الصغار ويمازح كبار السن، يتعاطى القات، يبغض المدخنين. لون بشرته بين السمرة والبياض، ويضع الابتسامات ونظرات الأعين في موضعها. لديه رصيد عاطفي، ومعجب كثيرا بالزعيمين: علي ناصر محمد وعلي عبدالله صالح. هوايته سماع النشرات الاخبارية، وغناء أيوب طارش وركوب الجمال.. يحفظ الشعر والأمثال والحكم الشعبية، ولديه مواهب عدة.. صاحب عزيمة وتحدّ وعفة، يشكو قلة المصروف وكثرة الديون وفقرا مدقعا وحياة متصعبة.. يتمنى الوظيفة طالبا تخفيف معاناته وتخفيض الأسعار.

ذلك هو «القزم» عبدالمجيد حسن المقطري الملقب «أبو سبعة» .. قادني الفضول الصحفي للالتقاء به عن قرب لنقل حياة اختلطت فيها الدمعة والمأساة بالعبرة، فإلى تفاصيل اللقاء.

أتمنى الوظيفة ومعجب بالزعيمين علي ناصر محمد وعلي عبدالله صالح

بعد التحية والسلام سرد عبدالمجيد ابوسبعة شريط حياته: «أنا من مواليد 1942م، مديرية المقاطرة تحت القلعة، ولدت فقيرا وعانيت أمراضاً عديدة منذ الصغر حتى يئس والداي من حياتي، وكانت قامة والدي وأمي وإخواني طويلة، وأنا الوحيد القصير (قزم). وكنت معفيا من الأعمال كما أن حياتنا البدائية قاسية حتى كبر سني وأعطاني والدي جملاً لنقل البضائع والتهريب بين شمال اليمن وجنوبه سابقاً، ومعي زملاء مرافقون. وكانت طرق السفر تمر عبر عدة مناطق برية منها الصبيحة والاعبوس والقبيطة وكرش».

وشرح ابو سبعة قصة زواجه الذي قدم فيه ا2 محاولة يائسة، حيث يتقدم ويرفض طلبه: «كان بعضهم يرفضني بأعذار واهية وبعض الأحيان ترفض النساء بسبب شكلي القصير، وأخيرا تزوجت من أم عيالي: تفاح بنت شاهر المقطري، وهي خير رفيق والحمد لله» .أما فيما يخص مراحل عمله فأفاد عبدالمجيد: «عملت مع مؤسسة هائل سعيد انعم كمشرف لقسم الخياطة، ووقع لي حادث اصطدام بجانب مستشفى الثورة تعز أدى الى انكسار ظهري، حينها تركت العمل». ثم تساءلنا مع (أبو سبعة) عن اللباس والأكل والنوم فأخبرنا أنه يقوم بتقسيم المقطب أو الفوطة إلى أربعة أجزاء «وألبس جزءا واحدا فقط، وملابسي ولاَّدي». أما الأكل فإنه يأكل نصف روتي ونصف بيض ونصف كوب شاي.. كل شيء نصف.

أتقاضى 9 آلاف ريال نهاية كل 3 أشهر

وبخصوص حياته الاجتماعية والاقتصادية تحسر ابوسبعة قليلا: «لدي سبعة أولاد جميعهم طوال حتى البنات الأربع لسن مثلي، لكنهم تركوا التعليم للعمل بالأجر اليومي. يواسوني بلقمة العيش وليس لدي أي دخل سوى تسعة آلاف ريال نهاية كل ثلاثة أشهر من الرعاية الاجتماعية. حياتنا تعب ومشقة ومعركة مع الحياة في مواجهات وصراعات». ضحك ابوسبعة وهو يحاول أن يتذكر شيئا يربطه مع حديثنا عن مشقة الحياة: «ايش من نضال حمل مسدس كيف يقع نضال؟» وتابع: «دائما أسمع نشرات الأخبار وهوايتي الشعر الشعبي، وأحسن فنان عندي أيوب طارش عبسي، وتعاملي مع الجيران في احسن حال، لكن عندما أذهب الى منطقة بعيدة أو قرية يتجمع الناس والأطفال حولي مستغربين وبعضهم يسخر مني. الله يسامحهم وأمشي قليل قليل».

أتمنى تخفيض الأسعار إلى ما كانت عليه قبل 94

تنهد أبوسبعة عندما جاء الحديث الى الامنيات والأحلام: «أتمنى وظيفة. أتمنى ان يخرج اليهود من فلسطين، والامريكان من العراق، وأدعو ربي يطول عمري كما قصر قامتي».

صورة الزعيمين

شاهدنا في منزله صورتين لرئيس اليمن الجنوبي السابق علي ناصر محمد والرئيس الحالي لليمن علي عبدالله صالح، سألته ما سبب تعليق هاتين الصورتين فأجاب: «هذان أحسن زعيمين ومعهما جمال عبدالناصر».

وعن شعوره تجاه نصيبه من الحياة الدنيا أن أُهدي قامة قصيرة: «أنا مؤمن بقضاء الله، ولست ناقصا. والله يخلق ما يشاء».

الزوجة (تفاح): أتمنى توظيف أحد الأولاد

انتقلنا الى زوجة (أبوسبعة) تفاح بنت شاهر للسؤال عن أحولها وعن عائلتها فقالت: «نحمد الله عشنا متحابين، متفاهمين حياة سعيدة، ولم أعرف من زوجي أي غضب او زعل، يكفيني منه السماحة، وحالتنا قليل تعب ونتعاون كل واحد من مكان لمواجهة الحياة، وكما تشاهد البيت حالنا مزر، وعبر «الأيام» نخاطب المسؤولين والدولة بمراعاة الحال أو توظيف واحد من العيال».بهذه المطالب ختمت زوجة (ابوسبعة) حديثها ثم اعترضنا مختار العريقي (دكتور بيطري)، وهو خير صديق وأنيس محبب للقزم (أبو سبعة): «إنه زميلي ولا يفارقني في المسير وتخزين القات وبيننا اتصالات، وأشعر بنقص عندما يفارقني لفترة يوم واحد أو يومين، أستعين به لمرافقتي وبعض الأحيان يسبب لنا إحراجات مع الناس المارين في الأسواق والقرى إذ يتجمعون حوله مندهشين، ورغم هذا فإني أحبه كثيرا».

طرائف .. مواقف ونداء

< اشترى مختار العريقي كوبي عصير فرفض (أبوسبعة) تناول الكوب قائلا «أشتي أشرب لكن هذا مسبح للسباحة»، كما حدثت مشاجرات وعراك بين الأطفال وأبو سبعة بسبب تشابه اللباس والأحذية واختلافهما بالأحقية والملكية.

< دخل (أبوسبعة) يوما كابينة الاتصالات ولم يستطع الوصول لسماعة الهاتف، واستعان بالصعود على الكرسي . دخلت إحدى النساء للاتصال من نفس الكابينة وصاحت خائفة: «في جني من الجن يتصل من الكابينة». وبعد أن هدأت من روعها اتضح لها أن الجني ما هو إلا إنسان (قزم) يدعى ابو سبعة.

< تلقت إدراة الأمن في خدير بلاغاً عن فقدان طفل، وكان أبوسبعة معتاداً أن يجلس على سطح إحدى عمارات حديقة البناء لتعاطي البناء، وتلقت إدارة الأمن أن طفلا صغيراً دائما ما يتردد على سطح هذه العمارة، وجاء أفراد الأمن ليجدوا أن الطفل هو (أبو سبعة) المعروف جيدا لديهم.

إلى ذلك هناك الكثير من الطرائف والقصص والحكايات المضحكة يحفظها أحد أولاد (أبو سبعة) لم نجده في البيت وقت اللقاء، أما عن لقب (أبو سبعة) فإنه كناية عن عدد أولاد عبدالمجيد البالغ سبعة.

تلكم هي حصيلة اللقاء مع (ابو سبعة) عبدالمجيد المقطري. ينثر كلماته بحروف تشتكي وأخرى تبكي. اختلطت الدموع بالابتسامات، ولسان الحال يقول ابتسامتي زائفة ذبلت وماتت فيها كل معاني السعادة، حاكيا حديث العيون التي تطلق عليه سهام تحقير وسخرية وعدم اهتمام بجسمه الصغير الهزيل كمثل هزالة الدولة.

(أبو سبعة) كتلة من الأحزان وحائط من الآهات وصفحة سوداء كتب عليها «قزم»، وأخيراً سجين حكم عليه بالإعدام مع وقف التنفيذ بحسب قول (أبو سبعة) الذي يضيف: «ما أحسست يوما اني صغير، لكن معاملات الناس وجرع النظام جعلتني أشعر بالنقص». القلم والورق يعجزان عن وصف تقهقر المقطري عبدالمجيد لأنه أبلغ من الوصف فهل من لفتة عطف رسمية خيرية ورحمة تنقل القزم (أبو سبعة) إلى حالة أفضل. فهو يستحق كل خير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى