المقالح في ( كتاب القرية ) 3-3

> «الأيام» عبده يحيى الذباني:

> لاحظ أخي وصديقي الباحث الشاعر محمد مسعد العودي في رسالته عن الصورة في شعر المقالح أن الشاعر نفسه يخاف الليل ويبغضه، ولعله هكذا حتى في (كتاب القرية) لولا ثقته بانفلاق الفجر من أفق القرية الذي سرعان ما يفزع إلى ذكره بعد أن يذكر الليل، وإن دوران لفظة (الليل) في شعر المقالح ظاهرة لافتة للنظر لعل وراءها نزعة الشاعر الفطرية إلى الخلود فليس ثمة ليل أو ظلام أو موت في الحياة الأخروية الخالدة .

ليس بوسعي هنا أن أتحدث عن تقنيات الفن في هذه اللوحات السبع والسبعين وما طرأ عليها من تجديد رصين ومن ابتعاث لبعض الأساليب القديمة في الشعر العربي كالكناية مثلاً، وكذا المراوحة بين شعر الشخصية وقصيدة النثر فكل منهما يملأ مساحة محددة في كل لوحة، فضلاً عن عدم اعتماده على القوافي ذات الروي الواحد أو المتنوع مع أن اللوحات القصائد جاءت حافلة بالموسيقى الشعرية المؤثرة المعبرة، لقد سالت الموسيقى من خلال الكلمات والحروف نفسها ومن خلال تناغمها مع المضامين والعواطف، ومن خلال الجمل الشعرية بدفقها الشعوري المنساب مثل جداول القرية. إنها بساطة فنية كبساطة القرية، أصيلة كأصالتها ولكنها مرحلة متقدمة من مراحل الكتابة الشعرية .. بساطة متطورة صعبة المنال والمراس حتى تكاد تكون فريدة معجزة فنياً .

وبما أنها لوحات ولم يسمها شاعرها قصائد فقد كان للكتابة نفسها خصائصها الفنية من حيث رقعة البياض والسواد على الصفحة وعلامات الترقيم ومكان الكلمات من السطور وحجم الحروف، وكذا طول السطور وقصرها، تأمل مثلاً هذه اللوحة التي يرثي الشاعر فيها (القرية) :

سأغمس ريشة روحي /في حبر هذا الغراب/ وأكتب مرثاة سيدة الريف /تلك التي لم تعد تأكل القمح /من خبز تنورها /لم تعد تتحسس (كنّّ) الدجاج /لتظفر بالبيض، /مزرعة النحل جفت /ولا عسل في الجبال المحيطة /لا ورد نيسان باقٍ/ولا عطره /لم تعد قرية /ثم لم تستطع - مثلما تشتهي -/أن تكون مدينة .

لقد جسد المقالح في (كتاب القرية) خريف القرية ونزوعها باتجاه المدنية بصورة شعرية مؤثرة ومعبرة، كما صور نساء القرية البائسات اللاتي أضحين يتحملن أعباء الأعمال كلها بعد أن غادر الرجال إلى المدن في داخل الوطن وخارجه، فغدت معاناتهن جسدية ونفسية معاً ولقد كان أكثر تجسيداً لمعاناة نساء المهاجرين، إذ يرسم في إحدى اللوحات نثراً: حين تهبط زوجة المهاجر إلى الوادي

تحوم الفراشات حولها

في محاولة لتقبيلها

وكأنها تعتذر إليها بالنيابة عن الزوج الغائب

والينابيع عندما تنقطع الأمطار

تئن مثل امرأة انقطع عنها زوجها !!

ويبرز سؤال: هل معاناة زوجة المهاجر اليمني خلال الخمسينات وإلى الثمانينات هي نفسها معاناة زوجة المهاجر اليوم بكل تفاصيلها ؟

لا نظن ذلك مع التسليم ببقاء المعاناة وبقاء المشكلة ولكن عناصرهما اختلفت، لقد صار عالم اليوم نفسه قرية في تواصله واتصالاته وصلاته، فهل اكتفى الشاعر بتصوير المعاناة كما رأتها عيناه في الزمن الماضي؟ على ما لهذا التصوير من قيمة فنية ورمزية وفلسفية وتاريخية ونفسية، وملاحظتنا هذه لا تعني خلو لوحات المقالح من حياة القرية المعاصرة، فقد حفلت بتصوير ما طرأ على القرية من تغيير وغزو وتلاش وتبدّل ومن اندثار حضاري ذكرنا بأطلال الشاعر الجاهلي النفسية و المادية .

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى