وتلك الأيام .. كرسي × كرسي

> نصر بن مبارك باغريب:

>
نصر بن مبارك باغريب
نصر بن مبارك باغريب
علاقة الإنسان بالكراسي طويلة، تمتد منذ ولادته وحتى وفاته، وهي علاقة لا تستدعيها الحاجة الملحة بقدر ما تجسدها حقيقة ضعف وعجز الإنسان، فأول كرسي في حياته هو الكرسي الذي يجلس عليه أثناء طفولته ليتخلص من فضلاته في ممارسة لطقس بشري أزلي يعبر عن عجزه في فعل ذلك بطريقة تميزه عن بقية المخلوقات، وآخر كرسي هو المقعد المتحرك الذي يحل مكان القدمين اللذين عجزا عن حمله في شيخوخته ، وما بينهما كراس كثيرة ككرسي المدرسة وكرسي الانتظار وكرسي المنصب والمسئولية .. إلخ .

ولأن أول كرسي وآخر كرسي في حياة البشر عبرا عن العجز لا القوة والجاه أو السلطة أو الشخصية الفذة أو التميز عن البشر الآخرين فهذا يعني أن الكراسي الأخرى لا تعبر بالضرورة عن مكانة الفرد في الحياة والمجتمع بل العكس هو الصواب، أي أن الفرد وسلوكه وأخلاقه ودينه وصدقه وعلمه تعبر عن نفسه لا الكراسي التي يتبوؤها. البعض تدفعهم الصدف وعوامل أخرى إلى القعود على كرسي المنصب المهم فيعتقد واهماً أنه قد تعالى على سائر الخلق بتربعه على الكرسي، وتغويه نفسه الأمارة بالسوء باستغلاله أيما استغلال فيصاب بأعراض العظمة والانتفاخ والغرور التي تظهر في تصرفاته وتفكيره، فلا يرى نفسه إلا من خلال هذا الكرسي الذي يستمرئ في استخدامه كما كان في مرحلة الطفولة الأولى لإخراج فضلاته وإن كانت تأتي في عنفوان العمر مختلفة الأشكال والألوان ومتشابهة الروائح، جاهلاً اختلاف وظائف الكرسيين! وأضحى الكرسي المنصب هو ( الطوطم ) المقدس المباح أمامه أي شيء، ويستبيح من أجله كل شيء، ولكن عندما يفقده - الكرسي - يفقد كل شيء !! لا عزاء لهؤلاء الذين يشبهون الكراسي التي يجلسون عليها ! ولتحقيق المكانة الصحيحة لمنصب المسئولية بعد أن أضحى الكرسي غاية لبلوغ الشهوات تدفع صاحبه للتشبث به إلى حد الالتصاق والتماهي، فإنه ينبغي أن نمنح كرسي المنصب لإنسان يعي أعباءه وعظمة ووزر المسئولية، بحيث يكون أكبر من شهوة السيطرة والتعالي على الخلق التي يجسدها الكرسي الذي يتسمنه، لا أن نمنحه لمن هو دونه ويتطلع إلى الكرسي لا إلى ما وراء دلالاته النبيلة، متغافلاً مبتدأ ومنتهى الكرسي الذي سيتبوؤه يوم القيامة في الجحيم والذي سيكون حينذاك من نار محرقة إذا أخطأ في استعماله .. فهل ثمة من يدرك عجز ومآل الكرسي الذي لن يذود عن سخط رب العباد، وهل ثمة من لايزال يلهث ويتخلى عن كل القيم والأخلاق ويكرس حياته البائسة للحصول عليه أو للبقاء فيه ؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى