المؤرخ حمزة علي لقمان إسهامات في كتابة التاريخ

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

>
حمزة علي لقمان
حمزة علي لقمان
أسهمت كتابات المؤرخ الراحل الأستاذ حمزة علي لقمان في رصد أحداث ومراحل من تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية حتى أصبحت مؤلفاته من المراجع التي تقدم الجوانب المعرفية في دراسات التاريخ. وغير كتبه المنشورة قدم الأستاذ حمزة علي لقمان عدة كتابات في الصحف والمجلات العدنية مثل «فتاة الجزيرة» و«القلم العدني» و«فتاة شمسان» ومجلة «عدن» وغيرها من الإصدارات التي عرفت بها عدن في تلك المرحلة كمدينة رائدة على مستوى الجزيرة العربية والعالم العربي. في هذه المادة الصحفية نقدم بعضا من إنتاج هذا العلم الخالد في مجال التاريخ.

بريد عدن
في العدد 371 من صحيفة «القلم العدني» السنة السابعة الصادر يوم الأربعاء بتاريخ 4 يناير 1961م الموافق 17 رجب عام 1380هـ يكتب الأستاذ حمزة علي لقمان مادة تاريخية عن بريد عدن، وفي بدايتها يذكر أنه عند دخول بريطانيا إلى عدن في 19 يناير 1839م لم يكن يوجد بها نظام نقل للرسائل بينها وبين الخارج بحرا وبرا، وقد دعت الضرورة إلى تأسيس مكتب بريد في عدن وعينوا له كاتبين وساعيين وكان أحد مساعدي المعتمد السياسي البريطاني أو الطبيب المدني يعمل رئيسا لمكتب البريد ويحصل على علاوة في الشهر قدرها 100 روبية. ولما ارتفع عدد السكان في عدن ووجدت الحكومة أن الرسائل مع الهند وغيرها في ازدياد وضعت مكتب البريد تحت إشراف المدير العام لدوائر البريد في الهند، وكان ذلك في عام 1857م وأمر المدير العام لرئيس مكتب بريد عدن براتب شهري قدره 250 روبية وزاد عدد الموظفين واحداً.

من عدن إلى التواهي
كان مكتب البريد في مدينة عدن وكان يحمل الرسائل ساعي البريد يرافقه أحد الكتبة من مدينة عدن إلى التواهي وكانت الرسائل تحمل على ظهور الجمال في بعض الأحيان وبعد تأسيس خط البريد الخارجي وجدت السلطات أن تلك الطريقة شاقة وغير عملية، فتقرر نقل إدارة البريد من عدن إلى التواهي، وتم بناء مقر من الطين والنورة لتكون دائرة للبريد وبعد عدة سنوات بنت الحكومة داراً واسعة للبريد كلفت حوالي عشرين ألف روبية.

بين الرجل والمركب
كان البريد الداخلي يسير على الطريقة القديمة وكانت الإدارة تستخدم رجلا يحمل الرسائل ويجري على قدميه من التواهي إلى عدن وخورمكسر في الصباح والعصر.

وبلغت الرسائل التي حملت بهذه الطريقة 400 رسالة في الشهر.

أما البريد الخارجي فكان ينقل بحرا بواسطة السفن التي تمر في ميناء التواهي ومنها سفن شركة البينو وشركة المسيجري ماريتم وشركة بي اي البريطانية الهندية وشركة روباتينو وشركة لويدس النمساوية.

السياح والقوات المسلحة
تذكر الإحصائيات أن السياح الذين زاروا عدن بين الأعوام 1871م و1875م كان عددهم 60 ألف سائح بالإضافة إلى القوات المسلحة البريطانية وغيرها التي مرت بطريق عدن واستخدم هؤلاء الزوار بريد عدن، وبلغ البريد الذي استلمته الدائرة في تلك الفترة 97 ألفا وخمسمائة وست رسائل، وواحدا وخمسين ألفا وثمانمائة وخمسة وخمسين صحيفة وخمسة آلاف وتسعمائة وثمانية وخمسين كتابا و144 طردا، أما البريد الذي أرسل من عدن أو بواسطة بريد عدن فقد بلغ : 98.651 رسالة،21.897 صحيفة،2.533 كتابا، و52 طردا.

طوابع البريد
كانت طوابع البريد التي تستخدم في عدن هي الطوابع البريدية الهندية والأسعار المقررة كانت كما يلي:

إلى بريطانيا أو أمريكا أو أوروبا 6 آنات لنصف الأوقية، إلى كندا 7.2 آنة لنصف الأوقية، إلى مصر 5 آنات لنصف الأوقية، إلى الهند أو الصين أو أستراليا 4 آنات لنصف الأوقية، إلى جنوب أفريقيا 8 آنات لنصف الأوقية، إلى زنجبار آنة واحدة لنصف الأوقية.

مدخول البريد
في خلال المدة المذكورة بلغت قيمة الطوابع العادية التي بيعت 128000 روبية والطوابع العسكرية 34 ألف روبية، وعدد كبير منها اشتراها السياح ورجال القوات المسلحة. وكانت جملة المصاريف في المدة تلك عشرة آلاف ومئة روبية ،وكان المعدل السنوي للرصيد المتبقي لمصلحة بريد عدن 28 ألف روبية يصرف ثلثاه لدائرة البريد البريطانية والثلث الباقي لدائرة البريد الهندية لتغطية الإعانة البريدية التي تقدمها.

أهمية اكتشاف اللغة الحميرية في الجنوب العربي
نشر الأستاذ حمزة علي لقمان هذه الدراسة في مجلة «عدن» عام 1967 العدد 14 وهذا هو النص الكامل لتلك المادة التاريخية: «يقع ميناء بير علي في ولاية الواحدي في الساحل الشمالي لخليج صغير دائري آمن طوله ميل وعرضه نصف ميل معرض للرياح الجنوبية. وإلى الشرق بالقرب من مدخل الخليج يوجد تل يدعى شوران، وإلى الجنوب ممر ضيق من الأرض يرتفع عليه جبل حصن الغراب وهو صخرة هائلة سوداء منعزلة كأنها حصن طبيعي يحرس مدخل الخليج، وبيرعلي ميناء صالح لرسو السفن الصغيرة لأنها محمية من الرياح الموسمية التي تهب على الشاطئ الجنوبي للبلاد العربية.

والمنطقة محاطة بحقول اللافا السوداء، بها جبال بركانية صغيرة. ومن البحر أمام الخليج تبرز عدة تلال بركانية تعتبر حصنا طبيعيا للمنطقة وقد جعلت هذه الحصانة الطبيعية من الميناء مركزا تجاريا نشيطا. وتتبع التجارة نفس محور الطرق الرئيسية القديمة حين كان خليج قانا- وهو خليج بير علي اليوم- ميناء حضرموت الرئيسي. ولقد جاء ذكر قانا وعدن في الإصحاح السابع عشر من العهد القديم- حزقيال- (هران وقانا وعدن تجار سبأ وآشور وكلمد كانوا تجارا بكل أنواع الأشياء بالأقمشة الزرقاء والأشغال المزخرفة والأكسية الثمينة المعبأة في أغطية مربوطة بحبال مصنوعة من شجر الأرز، كانت هذه من بين مواد تجارتك). وبالنظر إلى أهمية طريق البخور والبضائع الثمينة من ممالك جنوب شبه الجزيرة العربية سبأ ومعين وقتبان وأوسان إلى نجران ومدينة يثرب ثم إلى البحر الأبيض المتوسط فإن قانا كانت ثاني ميناء رئيسية بعد عدن لنقل البضائع الثمينة الواردة من الهند وأفريقيا الشرقية وأيضا من بلاد الصومال حتى القرن الثاني بعد الميلاد حين كانت تحكم جنوب الجزيرة العربية دولة سبأ وذي ريدان، التي اشتهرت في التاريخ بدولة حمير. ولميناء بير علي وجبل حصن الغراب ميزة خاصة بالنسبة لتاريخ جنوب الجزيرة العربية، وقد علمت أن الأهالي في بير علي منذ القدم يتداولون القول إن المنشآت العسكرية في حصن الغراب بناها ملك اسمه (صمعمع بن ذبيان) وقد اندهشت حين سمعت هذا الاسم ذلك لأن الملكين الحضرميين اللذين حكما حضرموت منذ حوالي 2600 سنة (من سنة 650 حتى سنة 590 قبل الميلاد) كانا (إل سمع ذيبان بن ملكيكرب) و(يدع إل ببين بن سمه يفع). ولأن الملك أو القائد الذي جدد المنشآت العسكرية في حصن الغراب وأضاف إليها كان اسمه (صميفع أشوع) وهذه الأسماء الثلاثة قريبة الشبه من اسم صمعمع الذي ظل الناس يتداولونه منذ القدم.

وليس من الصعب معرفة الطريق المؤدية إلى أعلى الجبل فإن بقايا الدرج من الأحجار الضخمة المقصوصة لا تزال موجودة في بعض الأماكن وقد تخرب الممر الرئيسي بفعل الأمطار والعوامل الطبيعية الأخرى فأصبح الصعود يتطلب كثيرا من الانتباه والحذر. وعلى مقربة من أعلى الجبل اندهشت حين رأيت كتابة منحوتة بأناقة وجمال على بقعة ملساء في الصخر مضيت أنسخها وأنا واقف على حافة هاوية وأستعيد إلى الذهن الزيارة التي قام بها الضابط البحري الإنجليزي كابتن ولستد وضابطان من زملائه على السفينة بالينورس في مايو سنة 1834م وصعودهم الجبل حيث وجدوا الكتابة فنسخوها دون أن يدركوا شيئا منها، بل لاحظوا أنها ذات طابع حبشي وكانت حقا شبيهة بالكتابة التي عثر عليها المستر سالت في الحبشة والتي كانت في الواقع عربية جنوبية. اهتم علماء الآثار واللغات السامية في أوروبا بتلك الكتابة وبالآثار والنقوش التي وجدت فيما بعد في اليمن وحضرموت والجنوب العربي وقاموا بعدة محاولات لمعرفتها بمقارنتها باللغات السامية الأخرى.ومنذ حوالي 100 سنة قام العالمان الألمانيان أروين روديجر وولهلم جسينيوس بمحاولات جدية لفك رموز الكتابة لكنها لم تكن كاملة النجاح، وعلى أساس هذه المحاولات كرس القس الأيرلندي فورستر جهوده معتقدا أن قصيدة الكاتب العربي النويري كانت ترجمة لكتابة حصن الغراب لكنها كانت جهودا فاشلة. وقام علماء ورحالة أوروبيون بزيارات لجنوب الجزيرة العربية جمعوا فيها كثيرا من الكتابات والنقوش والمعلومات، ومن أوائلهم الصيدلي الفرنسي يوسف آرنو في سنة 1834م ويوسف هاليفي في سنة 1870م الذي اكتشف خرائب مملكة معين التي كانت مجهولة حتى ذلك الحين، وقام العالم النمساوي إدوارد كلازر بأربع رحلات من سنة 1882م إلى سنة 1892م جمع أثناءها عددا من النقوش والكتابات وألف الخرائط والرسوم ففتح عهدا جديدا للمعلومات عن جنوب الجزيرة العربية. ومن بين العلماء الذين أسهموا في الكشف عن اللغة الجنوبية القديمة سيجفريد لنجر، وراتجنز، ورودو كاناكيس، وأوسيار، ومولر، ووليم ألبرايت، وآلبرت جام، وهومل، وغيرهم. وفي سنة 1934م جمع العالم الألماني ج. ركمانس قائمة كاملة بأسماء الأعلام العربية الجنوبية، وفي سنة 1943م كانت العالمة الألمانية الدكتورة ماريا هوفنر أول من ألف قواعد اللغة العربية الجنوبية وقامت بترجمة وتفسير كثير من اللوحات المكتوبة.

وهكذا صار بالإمكان معرفة الحروف العربية الجنوبية إلا أن اللغة ذاتها لازالت محاطة بكثير من الغموض بالرغم من أن كثيرا من الكلمات أمكن معرفتها وترجمتها. ولما كان المؤرخون العرب القدماء يجهلون وجود ممالك قبل مملكة حمير فقد دأبوا على وصف كل أثر وكل كتابة وكل نقش بأنه حميري، ولهذا السبب أطلقت صفة الحميرية على اللغة العربية الجنوبية. ويقال إن المؤرخ الجغرافي اليمني الهمداني كان ملماً باللغة الحميرية لكنه لم يسجلها ولم يحاول أن يترجمها في كتبه مما يجعلنا نشك في حقيقة القول بمعرفته لها.

ونعود إلى حصن الغراب فنذكر أن اسمه كما كتب في الصخر هو (عرماويت) ولفظة (عر) تعني حصن وأهمية الكتابة المذكورة أنها كشفت لنا التوقيت الصحيح للغزو الحبشي لليمن والتقويم الذي كان عرب جنوب الجزيرة العربية يستعملونه في تسجيل الأحداث والاستعدادات التي قام بها أهل حضرموت لصد الغزو الحبشي المحتمل على بلادهم.

ميناء عدن في بداية القرن العشرين
ميناء عدن في بداية القرن العشرين
والملاحظ أن حوالي نصف تلك الكتابة تتضمن أسماء شخصيات بارزة عملت تحت قيادة صميفع اشوع وأنهم سطروا، كتبوا ذن مزندن هذه اللوحة في عرماويت حصن الغراب ذكرى تشييدهم المنشآت الحربية لحماية البلاد من بني أرض حبشت، الذين تدفقوا (زرافاتن) على أرض حمير وقتلوا ملك حمير و(اقوالهو) رؤساء قبائله من بني حمير وبني أرحب، وأن اللوحة التذكارية و(رخهو) أرخوها في (ذي حجتن) شهر ذي الحجة (لاربعي وست مئتم خرفتم) سنة 640 . والجدير بالذكر هنا أن السنة الحميرية المنحوتة في حصن الغراب 640 توافق سنة 525 م التي غزا فيها الأحباش اليمن واحتلوها ومعنى ذلك أن مملكة سبأ وذي ريدان المعروفة بدولة حمير بدأت سنة 115 قبل الميلاد وانتهت سنة 525 بعد الميلاد.ويظهر أن جماعات من بني حمير وغيرهم هاجروا من اليمن إلى حضرموت قبل وبعد الغزو الحبشي وخشي حكام حضرموت من غزو حبشي محتمل فحصنوا مدنهم وسوروها. ومن لوحة تذكارية وجدت في مأرب كتبت بأمر القائد الحبشي أبرهة أن يزيد بن كبشة نائبه على قبائل كندة في حضرموت ثار على الأحباش مع بني مرة وبني ثمامة وبني مرثد وذي خلل وذي يزان أقيال معدي كرب بن صميفع وأقيال ذي جرة وكدور، فجهز عليهم جيشا من الأحباش واليمنيين بقيادة علي نبط فقتلوه، فجهز جيشا ضخما ليقوده بنفسه في شهر ذي قياض سنة 657 حميرية، فلما علم الثائرون بتحركه استسلموا وبذلوا له العهد والرهائن، ومعنى ذلك أن المدافعين عن قانا وحصن الغراب وغيرهما صمدوا سبعة عشر عاما قبل استسلامهم.

أهمية ميناء عدن قبل 700 سنة
في العدد 3 السنة الأولى من مجلة «فتاة شمسان» الصادر يوم الثلاثاء 1 مارس 1960م يكتب هذه المادة عن أهمية ميناء عدن حيث، يؤكد أن لعدن مكانة كبرى في العصور الوسطى كميناء تجاري عظيم وقد اجتذبت بموقعها اهتمام الدول الأجنبية وبالذات الشرقية التي سعت إلى ربط اليمن معها بمعاهدات تجارية وسياسية، وقد بلغ ذلك التوسع قمته في عهد بني أيوب وبني رسول من بعد.

وقد بعث ملوك الشرق بسفرائهم ونوابهم إلى ملوك بني رسول بهدف التبادل التجاري ومنهم:

1- ملك السند الذي أرسل في عام 1386م إلى الملك الأفضل بعثة تحمل هدايا نفسية من بينها بذور وفسائل أشجار لا تنبت في اليمن.

2- ملك كاليكت وقد أرسل إلى الملك الأفضل وفداً يحمل هدايا من بينها طيور نادرة وفسائل وبذور أشجار وزهور أمر الملك بزراعتها في البستان الملكي في تعز المعروف ببستان الديباج.

3- وفي سنة 1379م استقبل الأشرف مندوبي ملك سيلان (سرنديب) وقد حملوا له هدية من ملكهم تتضمن أربعة أفيال وبذور أشجار العنبة (المانجو) وغيرها من الهدايا وسلم المندوبون للأشرف رسالة من ملكهم مكتوبة بماء الذهب.

4- وفي عام 1382م وصلت إلى تعز بعثة من ملك الهند وعقدت معاهدة تجارية وسياسية مع الأشرف.

وفد الصين
في عام 1420م كان يجلس على عرش اليمن الملك الناصر أحمد بن الأشرف وهو ثامن ملوك بني رسول. وفي نفس السنة جاءت إلى ميناء عدن ثلاث سفن صينية تحمل سفراء ملك الصين إلى الملك الناصر أحمد وتحمل أيضا العديد من الهدايا الرائعة التي وصلت قيمتها إلى حوالي مليونين من الدنانير الذهبية، وكان الغرض من هذه الرحلة تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين اليمن والصين.

ملك الصين وملك اليمن
يقول الأستاذ حمزة لقمان في هذا الجانب: «استقبل الملك الناصر أحمد ضيوفه الصينيين في القصر الملكي بتعز وكانت تلك المقابلة مدعاة لدهشة رجال القصر، فإن رئيس الوفد الصيني تجاهل تقاليد وعادات البلاط الرسولي ولم ينحن أمام الملك! وزيادة على ذلك فقد وقف رافع الرأس وخاطب الملك قائلا: أيها الملك إن سيدك ملك الصين يبعث إليك بتحياته وينصحك بأن تكون عادلا مع رعاياك. وابتسم الناصر أحمد وأجاب قائلا: أهلا بكم وسهلا في بلادنا. ثم أمر بإنزال الضيوف في قصر الضيافة الملكية وأشار على رجاله بمعاملة الوفد الصيني باحترام وإكرام.ولما عزم الصينيون على العودة إلى بلادهم أرسل الناصر أحمد حرسه وكبار رجال حاشيته لمرافقتهم إلى عدن كما بعث لملك الصين رسالة ودية وهدايا من التحف والحيوانات والملابس الملكية».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى