وعود القدس أورشليم

> جوزيف جودج في الناشيو نال جيو جرافيك:

>
القدس الشريف
القدس الشريف
المقال الاصلي نشرته المجلة الأمريكية «ناشيونال جيو جرافيك» واسعة الانتشار، قبل سنوات من حلول الالفية الجديدة. المقال بوعوده عن مصير العالم وفق الرؤية الدينية للأديان الرئيسة الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام لم يستنفذ أغراضه ودلالاته رغم مضي فترة طويلة من نشره لأول مرة. فالمعارك والصراع الدموي الرهيب تضاعف في السنوات الاخيرة في بابل(العراق) التي تسمى في التوراة(بابليون)، وفي فلسطين التي يسميها اليهود(أرض الميعاد) يحتدم الصراع ويواصل اليهود حفرياتهم لهدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة. المسيحيون الاصوليون ذوو التأثير الكبير في السياسة الدولية والنفوذ الواسع في دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وغيرها يعتقدون بقرب نزول المسيح في القدس اورشليم مع مطلع هذه الالفية. اليهود كذلك، يعتقدون بقرب نزول ملكهم في القدس اورشليم ايضاً. ولهذا فهم قد هيأوا له باستكمال احتلال القدس بكاملها منذ حرب الايام الستة في عام 1967م. كما يستعدون حالياً لاعادة بناء الهيكل المزعوم تمهيداً لمجيء هذا الملك اليهودي او نزوله. والمسلمون أيضاً، كما بينت الاحاديث النبوية الشريفة، يعتقدون بنزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان، في صف المسلمين عندما تدور المواجهة الملحمية بين اصحاب الوعد الحق وأصحاب الوعد المفترى على ارض الشام.كما تقتضي الإشارة إلى بعض عبارات المقال الاصلي استدعت منا التعقيب عليها، أولاً بأول، تبييناً وتصحيحاً وفقاً لعقيدتنا الاسلامية.

عندما ترتدي هذه المدينة العتيقة، ذات الصخرة الذهبية، رداءها السحري يشعر المرء أنها اقرب بقاع الأرض إلى السماء و يستطيع مد يده نحو الرياح حيث اوقف، في قديم الزمان، ملك كريم يد أب طائع، كان على وشك ذبح ابنه (تعقيب: يشير الكاتب إلى أن الذبيح كما يعتقدون، الذي فدي هو اسحاق عليه السلام، ولكننا نحن المسلمين، نعتقد كما ورد من ادلة قطعية عديدة ان الذبيح المفتدى هو اسماعيل عليه السلام). هنا ايضاً حيث وصل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم على ظهر حصان مجنح ثم صعد إلى السماء. هنا ايضاً حيث قتل ابن الله صبراً على الصليب ليفدي البشريه من أوزار الخطيئة ( تعقيب: يشير إلى رسول الله المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ولكننا نعتقد بما ورد في القرآن الكريم «وما قتلوة وما صلبوه ولكن شبه لهم» حاشا لله الواحد الأحد أن يكون له ولد .تعالى الله على ما يصفون علواً كبيراً {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} سورة النساء) هنا حيث سيتم العثور على التابوت وكذلك سيعاد بناء الهيكل وحيث سيأتي المسيح الحقيقي في النهايه ليقود الناس نحو الفردوس (تعقيب: يعتقدون أنهم بدعمهم الأعمى لدولة إسرائيل يهيئون لعودة المسيح. واليهود ماضون في مخططهم لاقامة الهيكل مكان المسجد الأقصى، يقول بات روبرتسون، زعيم الاصوليين الانجيليين: إن إعادة مولد اسرائيل هي الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية الكون قد بدأ، كما أنه مع قيام إسرائيل فإن بقية التنبؤات أخذت تتحقق بسرعة أو كما قال نيكسون في كتابه(1999 نصر بلا حرب): في عام 1999 نكون قد حققنا السيادة الكاملة على العالم، وبعد ذلك يبقى ما بقي على المسيح). هكذا يقولون، وطالما أن الناس يعتقدون، مهما كان ما يعتقدون، وكما يتصرفون بتدين حار أو بتدين بارد إزاء عقيدتهم سيتواصل الحلم والتراجيديا حول هذه المدينة الفريدة، عبر بواباتها العتيقة تجري الطرقات بعيداً، كما كانت قبل الالفية نحو ساحل البحر المتوسط غرباً، وتنحدر إلى أسفل نحو البحر الميت شرقاً وعلى امتداد أخاديد جبلية جنوباً نحو«بيت لحم» حيث ولد «يسوع» و«داود» وإلى حبرون «الخليل» حيث يرقد إبراهيم ( عليه السلام). وشمالاً حيث مواقع الامبرطوريات القديمة: الاشورية، الفارسية، الرومانية، البيزنطية والتي حطمت على مدار التاريخ هذه المدينه، الواحدة منها بعد الأخرى(يقصد الامبراطوريات سالفة الذكر) واسترقّت واضطهدت سكانها الاتقياء.لكن الطريق الحقيقي إلى القدس هو العاطفة والبوابات هي الإيمان و الشوارع هي الذاكرة والقداسة الداخلية هي الشوق والحنين. إنه المكان الذي تتحول فيه الأساطير إلى حقائق والحقائق إلى أكاذيب، حيث الرجال الذين يتذكرون سني الاضطهاد يسيرون في ممرات ضيقة آمنة، صنعوها لأنفسهم بعناية. مدينة أسوار داخل اسوار، بوابات مغلقة وأبواب بمسامير وقلاووظ. لا نوافذ سوى الحديد والصخر، والصخر والحديد. ومع ذلك فعندما تصبح السماء صحوا فوق أعلى القمم إلى الشمال الشرقي من المدينة، قمة النبي صموئيل، نتذكر أيضاً اسمها الثاني «قمة الفرح» كما أسماها القائد الصليبي الملك ريتشارد قلب الأسد، كتعبير عن الشعور الذي تملكه وهو ينظر للمرة الأولى باتجاه مدينة يسوع البعيدة.

المملكة الصليبية التي أقامها الصليبيون عام 1599م فوق عظام المسلمين واليهود الذين جرى استئصالهم، دامت فقط مائة عام، قبل أن تأتيها الجيوش العربية لتستعيد المدينة التي حكمت فيما بعد من قبل ممالك المسلمين سواء من القاهرة أم دمشق او اسلامبول، والذي استمر حتى عام 1917م وعندما تمكن الجيش البريطاني بقيادة السيد «ادموند اللنبي» من دخول المدينة المقدسة في لحظة مذكورة من تاريخها. حيث اختار أن يمشي بتواضع على قدميه عبر بوابة يافا القديمة كعلامة احترام لقداسة المكان. وانتهى الوجود البريطاني إلى نهاية مضطربة ودموية بعد عقود من التمرد العربي وحروب العصابات العربية واليهودية توجت بحرب شاملة بينهما عام 1948م. وسرعان ما انتزع العلم البريطاني من مبنى الحكومة، وما كاد آخر(لوري) من القوات البريطانية يتحرك بعيداً عن الاسلاك الشائكة التي تفصل قطاعات المدينة، حتى كانت القوات اليهودية والعربية تتبادل النار فيما بينها كانت القدس هي الجائزة. القدس المقدسة الطاهرة تطلب مجدداً قربان الدم.

الضابط عبدالله سالم وهو يقود فصيل مسلح من الفرقة العربية أسفل ربوة الشيخ جراح، أوقف سيارته ذات اللون الرملي، ورمى بنفسه ليقبل الأرض المقدسة في الإسلام، ولكنه قتل قبل أن يصل إلى الأرض. بعد ذلك تمكنت الفرقة العربية من دخول المدينة القديمة وعندما أشرفت القوات الدولية على وقف إطلاق النار، فيما بعد أبقت المدينة مقسمة مع إيجاد منطقة ما بين البوابات القديمة للمدينة كمنطقة للجميع وظل هذا الوضع لمدة 19 عاماً وخلال هذه المدة استطاعت اسرائيل أن تبني مدينة جديدة غرب المدينة المقدسة، بينما سيطر الاردن على الشرق وهو مجموعة من القرى الريفية، حتى جاء يوم 7 يونيو 1967م، اي اليوم الثالث لحرب الايام الستة.

في يوم شتوي من العام الماضي، جلست مع كولونيل متقاعد من جيش الدفاع الاسرائيلي في (بار) دافئ قال الكولونيل : من ينسى ذلك اليوم؟ لقد اخترقنا «بوابة سان ستيفنس». في الجيش الاسرائيلي يكون الضابط في المقدمة! كنا نعتقد أن الفرقة العربية في مواجهتنا بكامل قوتها إلا أن الذي حصل أنه خلال ساعة واحدة فقط، كنت أقف أمام الحائط المقدس، حائط المبكى حيث بكيت!! في ذلك اليوم صار للمرة الأولى منذ أكثر من 1800عام أن تسيطر دولة اسرائيلية فضلاً عن جيش اسرائيل على أورشليم القدس بكاملها. وهكذا استجاب الله دعوات المصلين على مدى الدهور الماضية وابتهالاتهم، ولكن عبر نار البنادق ورصاصها، من الأعداد التي لا حصر لها من اليهود الذين هلكوا عبر القرون. بعد حياة الاضطهاد الذي رضعوه مع حليب أمهاتهم، وأيضاً لضحايا «الهولو كوست النازي» هذه التذكارات التي جرى إقامتها. وهكذا قاد الله اليهود إلى هذه الأرض التي وعدها لهم. لقد قلنا إننا سنبني دولة لإسرائيل على أرض إسرائيل، وقد فعلنا.

عندما عدت إلى أورشليم القدس السنة الماضية بعد غياب طويل، عرفت أنها تعيش مرحلة جديدة من الألم، كما عرفت أيضاً أن طهرها وقداستها ظلتا سليمتين على الرغم من ضغينة الحقد الذي أفرزه الاحتلال والسيادة السياسية لعقيدة واحدة على غيرها من العقائد، كأحد نتائج إلحاق القدس الشرقية تحت الاحتلال الاسرائيلي في أعقاب حرب الأيام الستة (1967) صار هذا الجزء من القدس وغيره من الأراضي المحتلة في مستوى التابع الاقتصادي لدولة إسرائيل خاصة بالنسبة لهؤلاء العرب الذين فقدوا منازلهم وأراضيهم الزراعية وكل ممتلكاتهم في القرى والريف الفلسطيني. ولهذا يتدفق عند فجر كل يوم باتجاه مدينة القدس أكثر من 28 ألف عامل عربي فلسطيني، بعضهم بالتاكسي من القرى المجاورة وبعضهم مشياً على الاقدام او متعلقين بالباصات المكتظة من القدس الشرقية. معظم هؤلاء عمال عضليون مياومين، خاصة في قطاع البناء، يبنون بالأجر اليومي القدس اليهودية الجديدة على أراض نهبها اليهود بقوة الاحتلال. كانت هذه الأراضي فيما مضى ملكاً لهؤلاء العمال العرب أو لآبائهم.

إنها «مهنة عبيد» كما يسميها العرب، كذلك يطلقون ذات الاسم على الساحة الخارجية لباب دمشق (إحدى بوابات القدس): ساحة العبيد!! تلك الساحة التي تصل إليها كل صباح الباصات والسيارات حاملة هذه الحمولة البشرية الكثيفة من العمال العرب. إنه مشهد تراجيدي كئيب يراه كل من يزور تلك الساحة في الصباح الباكر. حشد كامل من هؤلاء العمال العرب يهرول باتجاه أية سيارة تلوح في الساحة لمقاول أو رجل أعمال يهودي يطلب عمالاً. وهم يندفعون نحوه، حتى لو كان هذا المقاول يريد عاملاً واحداً فقط. فإنه يفاجأ بأربعة من هؤلاء يتصارعون فيما بينهم على شاص السيارة، كل منهم يطمح بأن يكون هو هذا العامل المطلوب. وفي لحظة مفاجئة يظهر ضابط إسرائيلي ممتطيا حصانا يخترق هذه الحشود ليلقي القبض على من يتخلف في الساحة من هؤلاء العمال العرب. فعقوبة أي متخلف تكون بدفع غرامة 50 شيكلا إسرائيليا. فالعربي الذي لا يجد فرصة عمل لهذا اليوم، وتقبض عليه شرطة الخيالة هو بلا شك سيئ الحظ. كثير من هذه القوة البشرية العربية العاملة تأتي للعمل بأسلوب أكثر تنظيماً من خلال مقاولي القطاع الخاص الإسرائيلي الذين يشيدون المباني على أراض في القدس تمنحها لهم الحكومة عن طريق رهن تبادلي بضريبة رهن عقاري معين، معمول به في اسرائيل. رجل الأعمال «ابنر بيريز» يملك بيتاً جميلاً في مستوطنة (الطالبية) أقرب المستوطنات مجاورة للقدس فهو كغيره من رجال المؤسسة الحاكمة قال لي: «إنني أحب هذا البلد. لقد كان أبي مهندساً عمل لسنين طويلة في البلدية العربية للقدس. عندي الآن الكثير من العمال العرب الذين يعملون لحسابي. لا توجد مشكلة، فهم عمال جيدون إذا عاملتهم بالعدل».

لقد ذهبت إلى واحدة من القرى العربية القريبة من القدس والتي فقدت جانباً كبيراً من أراضيها لصالح مستوطنة إسرائيلية جديدة ناشئة. لقد كان حولي وأنا أتجول حزام كامل من مباني الوحدات السكنية يحجب النظر.

«إن اليهود يعيشون كالنحل..» هكذا قال لي رجل عربي طاعن في السن .«فالأراضي التي يبنون عليها ليست لهم، فهم يقومون بأخذ أراضينا باستمرار».وأضاف مشيراً إلى مجموعة متلاصقة من المباني على أحد التلال أمامنا «لقد أسرها اليهود» مستخدماً ذات المصطلح الذي يطلقونه هنا على الأراضي المصادرة. ويضيف «لقد جاءوا عام 67 صائحين في ملاكها الحقيقيين: اذهبوا بعيداً عن هذا المكان. لقد تم أخذ هذه الارض. فهذا المكان كان يوماً ما وادياً أخضر يعج بالبهجة حيث البساتين والحقول الخضراء والرجال والشباب الأقوياء». «أما الآن فقد رحل هؤلاء الشباب إلى الاردن أو إلى أمريكا. ولا يعيش في القرية حالياً سوى الكهول الذين يعمل بعضهم كعمال مياومين عند اليهود، إننا نعيش زمناً صعباً».

وهكذ تلتقي في القدس أورشليم وعود الأديان ونبوءات الأنبياء. وترتفع الصلوات إلى السماء من المسجد والكنيسة والكنيس، راجية عدالة الله وخلاص المسيح (انظر التعقيب الأول). المدينة ذات القبة الحجرية المذهبة، والتي تتراءى وكأنها مزولة (ساعة شمسية) تحسب السنوات الواحدة بعد الأخرى، حتى السنة الأخيرة من عمر العالم الدنيوي حين تفي الوعود!!

ترجمة وتعليق/ محمد سالم قطن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى