دموع الغربة ..عند الشاعر الغنائي يسلم بن علي

> «الأيام» رياض باشراحيل:

>
رياض باشراحيل
رياض باشراحيل
الشاعر اليمني الكبير ( يسلم بن علي) أحد القلة من الشعراء الذين ارتبطت أسماؤهم بشعر الأغنية كلماتٍ وألحاناً وكان في رقة ألفاظه وقوة مطالعه وجمال صوره الشعرية في إبداعه كالنهر العذب الذي روى به حدائق الشعر الغنائي في جزيرة العرب من خلال حناجر كبار المطربين فيها ومنهم طلال مداح وأبوبكر سالم وفيصل علوي وأحمد يوسف الزبيدي وعلي الصقير وهود العيدروس وغيرهم .

قرية الحب والأحلام

أطل شاعرنا على الدنيا من (عَمَاقين) بمحافظة شَبْـوَة اليمنية.. وعماقين قرية صغيرة ذات طبيعة ساحرة معظم بيوتها ومساجدها من الطين وتقع بين مدينتي الروضه وجردان، وهي على مقربة من شعب (رهوان ) الذي تصله مياه الأمطار من رؤوس الجبال فيروي الأرض ويسقي الزرع والحيوان والانسان .

في هذه البيئة الخصبة نشأ يسلم بن علي وترعرع فاكتحلت عيناه بجمال الطبيعة وأخذ من نورها أضواء ومن سحرها مشاهد ولوحات ظلت حيةً في وجدانه وأضحت نبعاً من منابع فكره ومصدراً من مصادر إلهامه الشعري انطلقت فيما بعد وجعلت فنه وشعره مسرحاً تمتزج فيه تلك العوامل البيئية إضافةً إلى استعداده الفطري وتجربته الذاتية في حياته .. لذلك فلا بدع في أن يقول شاعرنا :

قال يـسـلم بـن علي قـسّـمت قـلبي عالمحبــيــــن

يـاعــدن مابـا حـلالك جـنــــة الدنيـــــا عماقــيـــــن

وكعادة الشعراء على امتداد مسيرة الشعر العربي يجعلون من المدينة أو القرية أومسقط الرأس رمزاً للوطن بأسره.

لذا فإن عماقين عند شاعرنا هي الوطن، و هي اليمن التي شكلت وجدانه وشخصيته، وأرضعته مشاعر الحب والعشقو ورسمت في خياله من جبالها الخضراء وشعابها، وأجوائها الساحرة وسواحلها، وآثارها العريقة وتاريخها، أحلى المشـاهـد والصـور .

لذلك فقد هام يسلم بن علي في شعره عشقاً باليمن واستبدّ به حُبَّ بلاده وحُبّ عماقين موطن الحب والأحلام فأخذ يترنم صادحاً :

لو خيرونا في المداين أو عطونا قصر عالي بخــتـــار خيـمــة في عماقيــن

لو نا على بارد من الشنـه و نظره في عيالي مابـا الـتجــــــارة و الملايــيـــن

هم علموني للمحبة و ادخلوني بحر مالي ذقت العنب لي في البساتين

وفي رأيي أن هذه التجربة الشعرية تعد دعوة للالتصاق بالأرض والأهل، ودرساً من دروس حُبّ الوطن يغذي به شاعرنا هذا الجيل والأجيال المتعاقبة .

غربة و اغتراب

وقد قيّض الله لشاعرنا أن يغادر وطنه وهو لايزال غضاً لم يستوِ عوده بعد وكان في الثانية عشرة من عمره فولّى وجهه شطر الحجاز بالمملكة العربية السعودية ، واحتضنته الأرض الطيبة وفتحت له صدرها وجوارحها، وهامت به ونمت موهبته واحساسه الفني، وعاش بها مكرماً يصدح بالقصائد والأغنيات التي يتلقفها المطربون الكبار والصغار من شرقها إلى غربها.

لكن النعمة التي عاش في أحضانها والبيئة التي أحبته وفتحت له أبوابها في المهجر هل أنسته مرارة الغربة وآلام الفراق ونيران البعد عن الأهل والخـلان ؟!

ويجيب علينا يسلم بن علي من خلال عنوان ديـوانه ( دموع المهاجر)، والعناوين إرهاصات لمقاصد الشعراء ومفاتيح لأغراضهم، ومن خلال أبياته التالية التي صاغ كل كلمة فيها بقطرةٍ من دموعه تلك الدموع التي انهمرت على خده وسالت فأنشد شاكياً باكيا:

على خدّ المهاجـر سالت الدمـعـه وحُـبَّــه للـوطــن من قــوة الإيمان

ومن فارق ضنـيـنه يـنـقـلب طبـعـه حـياتـه تـنـتـهـي في عـالم النســيان

تـذكرت الحـبايـب لـيـلة الجمـعـه وكرهت السـفر لـيـت السـفر ماكان

و ليلي طال والدمـعـه ورا الدمعـه حياتـه في تـعب من فارق الخـلان

متى باشـوفـهـم مـشـتـاق لـلرجـعـه متى باشوف صيره أو جبل شمسان

وهكذا أصبح الحال عند شاعرنا تعبا ونكدا ودموعا وهموما وغيوما فالإمام الشافعي يقـول : «إن للسفر خمس فوائـد»، أما عند يسلم بن علي فلم يعد للسفر خمس فوائد ولا حتى فائدة واحدة غير الألم والحزن والموت البطيء .

وبتلك الأنفاس الرائعة التي لانت لها ريشة الشاعر وحشد لها كل عناصر الإبداع الفني، وبغيرها من أبيات وقصائد عذبة يبرز الشاعر يسلم بن علي في طليعة الشعراء الغنائيين المعبرين عن تجربة الغربة ولوعة الفراق والحنين إلى الوطن .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى