الداعية الحبيب زين العابدين علي بن عبدالرحمن الجفري :لا ينبغي أن تكون نصيحة الحكام من أجل التباهي والشعبية

> «الأيام» عن «اليقظة» :

>
الحبيب زين العابدين علي بن عبدالرحمن الجفري
الحبيب زين العابدين علي بن عبدالرحمن الجفري
نشرت مجلة «اليقظة» الاسبوعية لقاء مع الداعية الحبيب علي زين العابدين بن عبدالرحمن الجفري في عددها 1986 الصادر بتاريخ 21-27 مارس 2007 أجرته معه الزميلة أميرة شلبي وفيما يلي نصه:

انفرد بين الدعاة بلقب الحبيب.. فكان حبيبا باسمه ولقبه وقدره.. يحمل فكرا راقيا.. يقر الاختلاف.. يرفض الخلاف.. يتقبل النقد ويدعو للحوار.. في حوار ساخن حملت إليه اليقظة أسئلة مثيرة.. (مستفزة).. في محاولة للوصول للحقيقة فقط.. فاتسمت ردوده برقي وهدوء كبيرين عكس بهما حقيقة الحبيب وسمو فكرة وشمولية حديثه.. فمن اليقظة هذه الأسئلة ومن الداعية الحبيب الجفري كانت الردود التالية:

مرتبة الحبيب

< الحبيب علي الجفري ماذا تعني كلمة الحبيب هل هي الشيخ أم السيد؟

- في اليمن ( وفي حضرموت بالذات) لمحبة الناس لأهل البيت ينادون من اشتهر بالعالم والفضل من أهل البيت بالحبيب عملا بقوله صلى الله عليه وسلم (أحبوا الله لما يرفدكم به من نعمه، وأحبوني من حب الله وأحبوا أهل بيتي من حبي هذا )، والعلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح.. ليس الاشكال ان يناديني أحد يا حبيب أو لا يناديني المهم ألا يناديني أحد بالبغيض.

شرف النسب

< وهل حقا تنتسب إلى آل البيت؟

- أسال الله ان يجعل ذلك حجة لي لا علي فالانتساب إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم مسؤولية وتكليف قبل أن يكون تشريفا وأخجل إذا قلت إني أنتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأني لا أرى أني قد قمت بحق النسب كما ينبغي.

جيل العم

< نشات نشاة سياسية حيث كان والدك سياسيا كبيرا معارضا فلماذا تركت هذا المجال وانتهجت النهج الدعوي؟

- الأصل في الأسرة نهج العلم والدعوة فقد اختار جيل العم محمد بن علي الجفري رحمه الله بعد أن تخرج في الأزهر الشريف العمل السياسي لحاجة البلد إبان الاحتلال البريطاني إلى وجود مقاومة تساعد على تحرير البلد وكان مشروعه إعداد جيل يستطيع أن يقوم بالمهام الوطنية فأهّل إخوانه وأبناءه وأعضاء حزبه وعددا من أبناء البلد ليكونوا كفاءات متعددة تمهيدا لهذا الدور بعد الاستقالة، لذا اشتغل الأعمام والوالد بالسياسية، رغم أن الأصل انشغالهم بالعلم الشرعي والديني.

العمل السياسي

< فضلت العمل الدعوي وتؤكد أنه خير من السياسة ، ألا ترى أن العمل السياسي يخدم الدعوة ايضا؟

- من أجل السياسة لابد من العمل في الدعوة، على اعتبار أن الخطاب الإسلامي كالمظلة إن ارتقي ونأى أصحابه بأنفسهم عن التنافس مع الآخرين، والأفضل من ذلك أن يظل الدين يخاطب السياسة والاجتماع والاقتصاد وشتى مناحي الحياة التي يحتاج إليها الإنسان، فيشعر أصحاب كل مجال أن الدين مأوى لهم جميعا. فإذا ابتعدنا عن السياسة وابتعد الدعاة عن الخوض في معمعة التنافس السياسي سيجد العلماء أنفسهم مأوى للسياسيين بأطيافهم المختلفة، الذين بدورهم سيوقنون أن العلم الشرعي والدعوة إلى الله عزوجل ملاذهم، وإذا أصبحت الدعوة بدورها جزءا من المنافسة السياسية في الميدان والسباق للفوز بالسلطة، وهذا ما نشاهده في الواقع الإسلامي حاليا.

تباه وشعبية

<كيف ذلك وأنتم تقيّدون نصح الحكام؟

- لا أقيّده لكن لا ينبغي أن تكون نصحية الحكام من أجل التباهي والشعبية، فالفارق كبير بين أن أنصح الحاكم وأبتغي رضوان الله تعالى ثم إصلاح الوضع، وبين أن اتخذ من نقد الحاكم على المنابر وسيلة لنيل الشعبية وإثبات الشجاعة. ولذلك أقول إننا مع تديين السياسة لا مع تسييس الدين.. والأصل في النصيحة ألا تكون في الجهر، ومن الأفضل أن تكون بالمواجهة الشخصية أو بالمكاتبة لأن ذلك أبلغ في قبولها، فهي وسيلة للوصول إلى تصحيح الوضع، فينبغي ألا تكون مجرد نصح.. هناك حالات نادرة تغلق فيها أبواب النصيحة والتخاطب من قبل بعض الساسة والمسؤولين، وهنا يلجأ الداعية أو العالم إلى التصريح على الملأ بملاحظاته وانتقادات،ه وذلك استثناء وليس أصلا، فإذا كنا نراعي نفسية العاصي بأخذه بالتدرج نحو الهداية بعدم المصارحة والتبسيط، فمن باب أولى ولي الأمر الذي يرى نفسه صاحب الحق في القيادة والتوجيه.

< ولكن هل هناك مرجعية دينية للساسة؟ وإن لم يكن أفلا يبيح ذلك النصيحة على الملأ؟

- ثمة خلط بين مسألتين، ارتباط الحاكم بالعالم، وهذا أمر قد حصل فيه شرخ خلال السنوات المائة والخمسين الماضية، بالإضافة إلى شروخ أخرى حدثت في تاريخ الأمة خلال تلك الفترة، فهناك فجوة كبيرة بين صاحب القرار وبين المرجعية العلمية والدينية، وهنا يتحمل الحكام جانب كبيرا من المسؤولية، والجزء الآخر يتحمل مسؤوليته أصحاب الخطاب الديني، وهذا له أثر كبير في النصيحة، لكن لا ينبغي أن يكون مبررا لأن نحيد عن الأصل في النصيحة، وهو الآخذ بالآداب النبوية في النصحية.

الحبيب عمر

<وماذا عن فكرة دار المصطفى ودورها؟

- دار المصطفى أسسها شيخنا الحبيب عمر بن حفيظ (الإمام الشهيد محمد بن سالم حفيظ) امتدادا لمدرسة أشياخه في حضرموت في (تريم) التي كان لمنهجها الأثر الأكبر في إدخال أكثر من ثلث جنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا إلى الإسلام، وتقوم هذه الدار على ثلاثة مقاصد، أولها: التعليم بطريقة الأخذ والتلقي والحوار والسند المتصل.

والمقصد الثاني: التزكية والتربية التي تقوم على أساس البحث عن الأرقى وطلب الوصول إلى مقام الإحسان من خلال تطبيق العلم الذي يدرس.

والثالث: الدعوة إلى الله عزوجل، وهي إعمال الفكر وبذل الجهد لنشر ذلك في الأمة.

ويوجد في الدار طلاب من أنحاء العالم الإسلامي من القارات الخمس وبعضهم يصطحبون عائلاتهم وفيهم مسلم تبعا لأبويه متفهم لدينه، ومنهم حديث عهد بالإسلام.

لغة الحوار

< أنتم ممن ينادون بالحوار مع الآخر وهناك من ينتقد ذلك بأنه لن يأتي بالثمار المرجوة لعدم وجود معادلة بين الطرفين؟

- أرسل الله سبحانه وتعالى موسى وهارون عليهما السلام في عالم منعدم التوازنات السياسية والقوى، فلا مجال للمقارنة بين شخصين يأتيان منفردين وبين ملك مثل فرعون يملك أرضا مثل مصر، ومع ذلك أمرهما الله عزوجل بالذهاب إليه وأمرهما باللين:{ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}، مع أن الله يعلم أنه لن يتذكر ولن يخشى ولا فائدة في التعامل مع فرعون ومع ذلك أمرهما بالإحسان في التعامل معه واللين والذهاب إليه، لذا فالاعتراضات من هذا القبيل موضع نطر لآن القرآن يخالفها، وعندما نعتقد أن الحوار لن يغيّر أو إذا نشأ الجيل على رؤية أن الحوار مع الآخر لن يفيد سيربي هذا الجيل مهزوما، فالجيل الذي لا يعرف غير لغة القوة جيل مهزوم، يفتقد المبدأ الذي يدافع عنه بالفكر والحضارة والثقافة والرسالة التي يوجهها للعالم، فإذا استخدمنا السلاح فقط فمعنى هذا أننا أفلسنا، فالمطلوب الدفاع عن الفكرة لا أن نلغيها لصالح القوة، فهذا هو السقوط الذي يريده أعداؤنا اليوم.

إصلاح الضعف

< ومن سيعالج الضعف الداخلي المثير لهذه الفتن.. العلماء أم أنكم ترون أطرافا أخرى مسؤولة عن ذلك؟

- أعتقد أن إلقاء مسؤولية إصلاح الضعف الداخلي على العلماء وحدهم نوع من الهروب من الواجب، فهي مسوؤلية مشتركة بين العلماء والحكام والمثقفين ورجال الأعمال والقيادة التنظيرية والتنفيذية، وكذلك بين شرائح المجتمع المختلفة، فهؤلاء أسس ولبنات لا يمكن أن تنهض الأمة بدونهم، فإذا صح للإعلاميين أداء رسالتهم وأصحاب القيادة التنظيرية والتنفيذية وصح للمجتمع أن يتكامل تمت معالجة الضعف، فهي رسالة مشتركة.

< ولكن العلماء أقدر على استشعار الخطر المحدق بالأمة ويستطيعون دق ناقوس الخطر ، ألا تتفق معي في ذلك؟

- أختلف معك قليلا، فالعلماء العاملون المثقفون المتبصرون الربانيون يملكون النظرة الثاقبة في الشريعة لاستخراج العلاج للواقع، والتجار الذين يقلبون المال، والمثقفون في مختلف العلوم الإنسانية، وأصحاب القرار في العالم الإسلامي، يملكون الرؤية الواضحة للواقع أكثر من العلماء، فالعالم بحاجة إلى أن ينصت إلى الاقتصادي ليفهم الوضع الاقتصادي جيدا، ثم يأتي من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم بما يمكن أن يعالج هذا الوضع، وكذلك يستمع العالم إلى الحاكم ليقرر له الواقع السياسي فينظر إلى الواقع بعين مستوعبة وليس من خلال مسجده فقط، وعلى الإعلامي أن يوصل هذه الرسالة بطريقة واضحة.

سجن انفرادي

< احتجزت في سجن الأمن السياسي، رغم أنك لم تعمل بالسياسة، أخبرنا عن هذه الفترة..

- كانت خلوة، استفدت منها كثيرا في مراجعة نفسي، سجنت انفراديا لمدة عشرة أيام في قبو تحت الأرض خلال فترة منتصف عملي الدعوي، ثم تأكد للأخ الرئيس اليمني أن لا علاقة لي بالسياسة من قريب أو بعيد، ووقتها أشيع أن هذا وشاية أبلغت للرئيس، وفي النهائية ظهرت الحقيقة للجميع، وفي اليمن الآن المجال مفتوح في المساجد والجامعات للعمل الدعوي.

تكامل الأمة

< نحتاج إلى التكامل،ولكن أليس العلماء من سيبدؤون ببث هذه الروح في الأمة؟

- إذا أردنا النظر إلى المسألة بشكل مبدئي يمكننا أن نقول ذلك، ولكن قد يأتي شخص آخر ويرى أن المشكلة في الإعلاميين لأن العلماء يحاولون عمل شيء ما ويأتي الإعلاميون ويشوهون رسالة العلماء، وقد ننظر من زاوية أخرى ونرى أن المشكلة عند التجار الذين يبيعون المبادئ لأجل مصالحهم عندما تتضارب معها، وقد نقول: إن البداية من الحكام لأن القرار بأيديهم، فماذا يستطيع العالم أن يفعل والشرطة والأمن والمضايقات السياسية أمامهم؟ فلنخرج من قضية البحث عمن نحمله المسؤولية إلى مرحلة أن يتحمل كل منا مسؤوليته من مكانه، كأن يبدأ المتحدث بالالتفات إلى شريحة العلماء والدعاة ويقول: نحن المسؤولون، وكذلك السياسيون يقولون: نحن المسؤولون، فبدلا من أن أقولك أنت المسؤول.. أقول: أنا المسؤول، فاذا رسخت لدينا ثقافة (أنا المسؤول)، وأضيفت إليها ثقافة البحث وعدم الارتجالية والتسرع في التصور وبالتالي المعالجة فسنرى أثرا كبيرا.

الثنائية في الحكم

< هناك من يرى أن دار المصطفى بما أنها ليست على خلاف مع الحكومة فهي مع الحكومة، فما ردك على ذلك؟

-المشكلة دائما هي الثنائية في الحكم، فإن لم يكن معي فهي ضدي، والكثيرون في العالم انتقدوا مقولة الرئيس الأميركي جورج بوش (من ليس معنا فهو ضدنا)، وللأسف الكثير ممن انتقدونا يمارسونها دون أن يشعروا، فإما أن أكون مع الحكومة في شيء صواب وخطأ، وإما أن أكون ضدها في كل شيء، وهذه الثنائية هي الإشكال، لكن نحن مع الحكومة في الصواب وننصحها أن تترك الخطأ، هذا منهج دار المصطفى، وقد زارنا الرئيس علي صالح منذ فترة، وقبلها قام بزيارات عدة -جزاه الله خيرا - وجلسنا معه وأثنينا على ما نراه صوابا في منهجه وانتقدنا ونصحنا بما نرى أنه يحتاج إلى نصح، ورأينا منه رقيا في الاستماع إلينا وتقبلا لما نطرحه. وأرى أن هناك مشكلة انتشرت في الستينيات وصارت في تصاعد وهي النظر إلى الحكومات على أنها خطأ حتى يتبين العكس والمعارضون على صواب حتى يثبت أنهم على الخطأ، وهذا تعميم غير صحيح، فكيف يكون كل من وافق الحكومة على باطل وكل من خالفها على صواب. إن الحكومة المسلمة التي لم يظهر من صاحبها كفر بواح لها علينا حق السمع والطاعة في غير معصية الله، ولها علينا كذلك حق الموافقة في الصواب والنصح عند الخطأ. يتبع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى