كلام لـ «مكنمارا» وحاجة ملحة للوقوف أمامه

> نجيب محمد يابلي:

>
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي
اطلعت على كتاب «شكل الدولة وأثره في تنظيم مرفق الأمن» لمؤلفه د. عمر أحمد قدور، الذي بذل جهدا علميا ضخما، استند فيه إلى عشرات المراجع بلغات ثلاث (العربية، الإنجليزية والفرنسية) وأودعه في 432 صفحة عالج فيه قضية الأمن من عدة زوايا وارتباط ذلك عضويا بالدولة.

ما من مسلم إلا وقد تشبع بالرؤية المحمدية لقضية الأمن ومنها قوله صلوت الله عليه وسلامه:«الأمان قبل الإيمان» و«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» و«المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» وهذا غيض من فيض السنة المحمدية، وبهذا المعنى اقترب روبرت مكنمارا من التعاليم التي نشأنا عليها وهي ولاجدال سامية.

كان روبرت مكنمارا من القيادة العليا لمؤسسة فورد العملاقة ثم وزيرا للدفاع الأمريكي، وشغل بعد ذلك منصب رئيس البنك الدولي.

حمل الكتاب في بدايته تعريفات شتى للدولة، منها تعريف العالم الفرنسي كاريه دي مالبيرو بأنها مجموعة من الأفراد مستقرة على إقليم معين، ولها من التنظيم ما يجعل للجماعة في مواجهة الأفراد سلطة عليا آمرة وقاهرة.

وفي تعريف آخر أن للدولة عدة معان، ففي المعنى الأول وهو أوسع المعاني تعني كلمة الدولة مجموعة منظمة قاعدتها الاجتماعية الأمة والمعنى الثاني أضيق، فالدولة بمعناها الواسع هي تجمع بشري مرتبط بإقليم يسوده نظام اجتماعي وسياسي وقانوني يوجه لمصلحة مشتركة وتسهر على المحافظة على هذا المجتمع سلطة مزودة بقدرات تمكنها من فرض النظام ومعاقبة من يهدده بالقوة.

يقتطع المؤلف بعضا من طروحات روبرت مكنمارا التي أودعها كتابه (جوهر الأمن )The Essence of Security ومنها نصا:«إن أي مجتمع يمر بمرحلة التحول إلى مجتمع عصري، فإن الأمن معناه التنمية، والأمن ليس هو المعدات العسكرية، وإن كان يتضمن المعدات العسكرية، والأمن ليس هو القوة العسكرية، وإن كان قد يتضمنها، والأمن ليس هو النشاط العسكري التقليدي، وإن كان قد يشمله. إن الأمن هو التنمية، وبدون تنمية لايمكن أن يوجد أمن، والدول النامية التي لا تنمو في الواقع لا يمكنها ببساطة أن تظل آمنة».

ثم يمضي مكنمارا في تحليله لمفهوم الأمن فيقول:«... وإذا كان الأمن يتضمن شيئا فهو يتضمن القدر الأدنى من النظام والاستقرار، وإذا لم توجد تنمية داخلية أو على الأقل الحد الأدنى منها فإن النظام والاستقرار يصبحان أمرا مستحيلا» (ص 174).

بعد أن وضعت القارئ أمام تعريف الدولة سيستقرئ- أي القارئ- أن الدولة في بلادنا هي الحلقة الغائبة التي سببت قلقا كبيرا لدى المواطن، ولو جمعنا ما نشرته الصحف المحلية من استغاثات الأفراد والجماعات برئيس الجمهورية في قضايا ظلم خلال الفترة 1996-2006م فقط لاستوعبتها مجلدات نوعية: قضايا أرض وقتل وحقوق عاملين وبسط على متنفسات وقطع أرزاق وفرص عمل توزع على قادمين من محافظات أخرى على حساب أهل الأرض وأحكام قضاء تخضع لضغوط بعدم تنفيذها وقضايا أخرى، ويجسد ذلك غياب الدولة المؤسسية، دولة النظام والقانون، التي تتوازن فيها الحقوق والواجبات والتي تقتص للضعيف من القوي وللكتابي من المسلم وللمدني من العسكري وللرعوي من القبلي.

إذا وقفنا أمام طروحات مكنمارا سنستقرئ أن رؤيته سليمة وأننا نمارس السفه في المال العام، عندما استحدثنا قوى أمنية تحت عدة مسميات، وبددنا مليارات في شراء أجهزة وآليات ودفع أجور ومكافآت وفواتير مياه وكهرباء وهواتف وهلم جراً من الإنفاق الضخم، لأن لدى الدولة العصرية أجهزة شرطة مدنية، ولأن المال العام ينفق من أجل التنمية ومحورها الإنسان، والدليل على ذلك تصاعد معدلات الفقراء وتسرب الأمية إلى المدارس وتدني الأوضاع الصحية والتعليمية، وتشير التقارير الدولية إلى تدني مرتبة اليمن في جانب التنمية البشرية، لأن غياب التنمية عن المجتمع كما سبق أن أشار مكنمارا يهدد السلام الاجتماعي بالخطر.

سؤال أخير: هل نعيد النظر في رؤيتنا المتخلفة للأمن وهلا اتجهنا إلى التنمية باعتبارها الخطوة الأولى للسير على طريق العصرنة إذا أردنا مواكبة الدول التي شمرت عن سواعدها واختطت طريقا استراتيجيا لصنع الواقع الجديد المنشود؟

لقد حز في نفسي ما قرأته في أحد التقارير الاقتصادية من أن تونس قد أصبحت موقعا ملائما للاستثمار في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، لأنها تحظى بثقة الشركات الاستثمارية الكبرى متعددة الجنسيات نتيجة توفر المناخ الملائم، ومن أهم ملامحه الحوافز المقدمة للمستثمرين وما تتمتع به تونس من استقرار اجتماعي وسياسي يمكنها من استقطاب نحو 150 مؤسسة جديدة سنويا، ليبلغ إجمالي المؤسسات ذات الرأسمال الخارجي الناشطة 2600 مؤسسة توفر قرابة 250 ألف فرصة عمل وساعد على ذلك تجذير النظام التعليمي الذي أصبح يلبي حاجة سوق العمل في عموم محافظات تونس.

متى نشهد الفرج يا ترى؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى