الصادق المهدي:في السودان عبر ولا حياة للاستبداد في العالم العربي

> «الأيام» عن النهار اللبنانية:

>
السيد الصادق المهدي
السيد الصادق المهدي
أطلق رئيس الوزراء السوداني السابق زعيم حزب الامة المعارض السيد الصادق المهدي امس الاول من الجامعة الاميركية في بيروت مبادرة لحل الازمة المستحكمة بلبنان منذ اشهر، باسم ما يسمى "الديبلوماسية الوقائية"، داعيا اللبنانيين الى "التراضي" على "ثلاث لاءات، وثلاث نعمات"، ضد الحرب الاهلية والانقسام والاغتيالات، ومع الدستور والمحكمة ذات الطابع الدولي وحكومة الوحدة الوطنية.

وفي محاضرة له في قاعة عصام فارس في الجامعة الاميركية، تحدث المهدي بانكليزية طلقة امام نخبة اكاديمية، عارضا لرؤاه في ازمة العرب الراهنة، ومنها ما يعانيه السودان خصوصا، وكذلك لبنان.

عقب تقديم لممثل مؤسسة "هاينريتش بول فاوندايشن" هايكو ويرين ومدير معهد عصام فارس لدى الجامعة الاميركية في بيروت الزميل رامي خوري، استهل الصادق المهدي كلامه بالتذكير بمحاضرة له في الستينات من القرن الماضي في الجامعة الاميركية ايضا تحدث فيها عن انبعاث اسلامي غير متوقع بعد الذروة التي وصلت اليها فكرة القومية العربية، وعن محاضرة له خلال سني سجنه في الستينات ايضا عن "تحديات التسعينات" وفيها رؤيته للاختلافات التي كانت تنبعث بين الشمال والجنوب، وكذلك الغرب والشرق، متوقعا نشوء ما يسمى "عالم غير متماثل" يؤدي الى "حرب غير متماثلة" يستخدم فيها الجنوب الفقير والضعيف اسلحة الارهاب والمخدرات والهجرة غير الشرعية والقنابل السكانية والبيئية وغيرها ضد الشمال الغني والقوي.

عجز في الديموقراطية

وقال ان العالم العربي يتربع اليوم على ثروة هائلة، وهو في الوقت ذاته يعاني عجزا في الديموقراطية على مستوى الحكم. وقسم العالم العربي اقتصاديا اربع فئات: اقتصادات النفط كدول الخليج، اقتصادات النفط المختلطة كالعراق والجزائر، اقتصادات التنوع كمصر والمغرب ولبنان، واقتصادات الدخل المحدود كاليمن والسودان. ولاحظ ان الاختلافات الاقتصادية هذه لا تعكس نفسها اختلافا في انظمة الحكم التي تجمعها غالبا صفة الاستبداد، باستثناء لبنان دائما والسودان احيانا. ورأى ان هذا "الستاتيكو" في العالم العربي لا حياة له.

وأضاف ان العالم العربي يواجه تحديات عدة على جبهات داخلية متعددة، منها التزمت الاسلامي في مقابل القوى الاجتماعية الجديدة مثل الانتيليجنسيا والشباب والمرأة، وحركات الاصلاح الديموقراطي والاسلامي مقابل قوى متشددة مثل تنظيم "القاعدة" الذي يدعي ان المستقبل له، وهو تمكن من انشاء "خلافة الكترونية" عبر الانترنت ويحاول الآن انشاء "خلافة ميدانية" على ارض الواقع.

واشار الى تحديات خارجية دولية متعددة ايضا في محاولة للتغلب على المشكلات الداخلية التي ظهّرت الارهاب العالمي، مؤكدا ان محاولات الاصلاح الداخلية التي تحاول انظمة الاستبداد تطبيقها فقدت صدقيتها، كما ان الضغوط الخارجية لفرض هذا الاصلاح، عبر ما سمي الشرق الاوسط الكبير ثم الشرق الاوسط الموسع، فقدت صدقيتها ايضا بعدما اغرقت في رمال العراق. وهذا ما ادى الى احباط مزدوج دفع الشباب الى التفكير في خلاص اما بالفرار الى الغرب عبر اعالي البحار، واما بالهرب الى الماضي الذي تمثله تنظيمات كـ"القاعدة" وشركائها. ورأى بداية امل في عدد من البقع في العالم العربي في شباب يبدو انهم يعملون على التصالح بين الهوية والحداثة، وعلى انشاء مشاركة ديموقراطية ومساءلة للحكم، ويسعون الى توازن بين القوى الاجتماعية المختلفة ومنها القوى المهمشة كالشباب والمرأة والاقليات وغيرها، والى بناء علاقات مع القوى الخارجية تقوم على المصالح المشتركة.

"طائف آخر"

ولفت الى ان لبنان، نظرا الى هذه التحديات، يتبوأ مكانة فريدة لتحقيق الاختراق المرجو في جدار الازمة. واعتبر ان معاناة لبنان اليوم تعكس بصورة دراماتيكية ثلاث قوى واضحة في المنطقة بأسرها، وهي ازمة الحكم، وازمة التشريع، وازمة العلاقات الدولية. واكد ان التحدي الذي يواجه الجسم السياسي هو تجنب الفوضى وانهيار الدولة، وهو يعني بصورة سلبية ان المطلوب شكل من اشكال المصالحة الوطنية والاجماع الوطني، اي "طائف آخر" يؤدي الى تحويل "الحرب الاهلية المعلقة حاليا" اجماعا وطنيا يحتوي التحديات الداخلية والخارجية، ويقود الازمة الى نهاية وحل وتسوية.

أزمة السودان

وعبر من لبنان الى السودان الذي يعاني ايضا ازمة خاصة للغاية في العالم العربي وفي افريقيا حيث تتمثل فيه كل التنوعات والتعقيدات الخاصة بالقارة السمراء، قائلاً ان نموذج السودان يمكن استخلاص الكثير من العبر فيه، خصوصاً انه جرب كل انظمة الحكم المعاصرة، مما اكسبه خبرات متعددة في حكومات ليبرالية ديموقراطية وحكومات عسكرية وحكومات الحزب الواحد وحكومات شيوعية واسلامية. وفصل اخفاقات كل هذه الحكومات الواحدة تلو الاخرى، ولا سيما منها الحكومات الديموقراطية. وشدد على ان المجتمع المدني السوداني قوي للغاية، وتمكن من اسقاط الحكومات الاستبدادية، وان الحكومة الراهنة تقع تحت حصار المجتمع المدني المحلي والمجتمع الدولي.

ولفت الى انه لفهم ازمة السودان التي يعتبرها البعض احجية، يجب الفصل بين عاملين رئيسيين: الاول يتعلق بالحرب الاهلية في الجنوب، والآخر يتعلق بالازمة الانسانية في دارفور بغرب البلاد. وقال ان مفتاح الازمة كان محاولة تطبيق الشريعة الاسلامية بالقوة على يد سلطة الحزب الواحد الذي سيطر على السلطة وحاول فرض التعاليم على مجتمع متنوع، مما ادى الى حال استقطاب في اتجاهات متعددة، وخلص الامر الى تراجع حزب المؤتمر الوطني عن الخطة، وتبلور الامر رسمياً في اتفاق نيفاشا. وتحدث عن تحفظات عدة على هذا الاتفاق الذي وقع عام 2005.

وتوقف عند ازمة دارفور، الاقليم الذي يمثل 20 في المئة في سكان السودان ومساحة هذا البلد الشاسع. واشار الى وجود ازمات اربع يعانيها الاقليم منذ استقلال السودان، وهي هوة التنمية، ونزاعات القبائل، ونزاعات المزارعين المستوطنين والبدو المحليين، وازمة عمليات النهب والسرقة التي تسببها نزاعات الحدود. واكد ان ازمات اخرى نشأت في السنوات الاخيرة ابرزها يتعلق بتسييس الاعراق والاتنيات، وظاهرة الازمة الانسانية الاخيرة، وما نشأ عنها من تدويل للاقليم عبر قرارات عدة اتخذت في مجلس الامن وابرزها 1556 و1591 و1593 و1706. وخلص الى ان لا مناص من نشر قوة دولية مساعدة لقوة الاتحاد الافريقي في دارفور. وتطرق الى ظاهرة انشاء المحاكم الجنائية الخاصة في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها نورمبرغ ويوغوسلافيا وليبيريا وغيرها. وقال ان محكمة خاصة انشئت للسودان، ويجري العمل على انشاء محكمة خاصة للبنان، وان المجتمع الدولي لجأ الى هذه المحاكم بعدما اخفقت الانظمة القضائية المحلية في احقاق العدالة.

لاءات ونعمات

وانطلاقاً من قراءته لما يحصل في السودان وأزمته، ابدى قلقه مما يحصل حالياً في لبنان، لان هذه الازمة قد تؤدي الى فوضى على رغم ضبط النفس من كل الاطراف. وقال انه نظراً الى حراجة الموقف التقى كل الاطراف، كاشفاً انه اقترح اعتماد مبادرة "الديبلوماسية الوقائية" المؤلفة من هيئات وشخصيات دولية عدة، داعياً الى "ثلاث لاءات وثلاث نعمات" في لبنان: لا للحرب الاهلية ولا للانقسام ولا للاغتيالات، ونعم للدستور ونعم للمحكمة ذات الطابع الدولي ونعم لحكومة الوحدة الوطنية. وشرح ان المحمة الخاصة بلبنان ستكون مختلفة عن المحاكم الجنائية الدولية السابقة، لانها ستنشأ باتفاق لا سابق له بين حكومة دولة والامم المتحدة. وحض اللبنانيين على اعتماد الاجماع والتراضي لحل ازمة بلدهم. وختم بأنه سيعمل على اقناع جميع الاطراف باقرار المحكمة لمعاقبة القتلة، محذراً من استخدامها لاهداف اخرى ابعد من ذلك، مما قد يؤجج ويولّد المزيد من الخلافات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى