يوم كانت عدن بندر !

> سعيد عولقي:

>
سعيد عولقي
سعيد عولقي
في هذا الشهر تمر علينا الذكرى المئوية الأولى لميلاد الموسيقار العربي الكبير الفنان فريد الأطرش رحمه الله .. وفي الشهر قبل الماضي (فبراير) يكون أكثر من نصف قرن قد مضى على زيارة فريد الأطرش لعدن التي وصلها نهار الجمعة 10 فبراير 1956م مع فرقته الفنية الكبيرة (استجابة لرغبة الأمة العدنية التي أبديت للفنان الكبير بواسطة الفاضلين النبيلين حسن وحسين إسماعيل خدابخش خان) كما ورد في صدر الصفحة الأولى من صحيفة اليقظة تحت مانشيت كبير ووحيد.. «والمعلوم أن الفرقة المصرية سوف تتوزع في أماكن مختلفة أهمها (دار الهناء) للنبيل حسين خدابخش حيث ينتظر أن ينزل الأستاذ فريد .. والمقرر -حتى الآن- أن يحيي الأستاذ فريد ثلاث حفلات للرجال فقط وذلك في استاد الخزينة حيث أقيم لهذه المناسبة مسرح كبير .. الخ» وأكتفي بهذا الاقتطاف من صحيفة اليقظة لأحاول إلقاء نظرة عابرة على الأجواء التي رافقت الزيارة بعيون صحافة ذلك الوقت وبالذات صحيفتي فتاة الجزيرة واليقظة شاكراً لصديقي العزيز حامد جامع تزويدي بقصاصات تغطي بقدر المستطاع ذلك الحدث الفني الرائع .

في أسبوعيات فتاة الجزيرة يكتب الأستاذ علي محمد لقمان (12 فبراير 1956م) : «أصبح فريد الأطرش حديث الناس في عدن .. فلأول مرة في تاريخ جنوب الجزيرة يصل فنان عربي شهير لإحياء حفلات غنائية في عدن .. وما كان أهل الفن يقدمون على هذا العمل لأن عدن لم تكن سوقاً رائجة من أسواق الفن الغنائي والفنان الكبير لا يحضر بلداً إلا اذا كان أجره يليق بمكانته الفنية». «ولكن فريد يعلم أن عدن سوق رائجة لأفلامه ويندر أن نجد أحداً لا يشاهد فلماً لفريد ولا يحفظ أغانيه وحضوره إلى عدن شخصياً أمر فيه مجاملة كبيرة من ناحية وفيه كسب تجاري من أخرى لأن عدن سوق لفريد الاطرش».

وبالمناسبة أهدى الشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت قصيدة جميلة إلى «كل نفس صفت كالماء وأضاءت كالسناء» وكتب الأستاذ عبده حسين أحمد بأسلوبه الرفيع صفحة في صحيفة فتاة الجزيرة وصف فيها فريد الأطرش بأنه الموسيقار «الذي بعث في الموسيقى الشرقية حياة وحركة وتجديداً بحيث أصبحت أغانيه تجري على لسان كل شرقي لأن فيها فن الشرق الساحر وقلب الشرق الدافئ وعاطفته الحارة وخياله المحلق» ووصف فريد الأطرش بأنه: «عملاق ضخم في دنيا الغناء العربي ضحى بمظاهر الإمارة وأحلام الارستقراطية التي كانت تحيط به في جبل الدروز .. وعاش للفن لأنه فنان والفن طبيعة تعيشه لذاته وتحتقر كل ماعدا ذلك من متاع الدنيا الزائل وسرابها الخداع» .

وبالإضافة إلى اللمحات المشرقة التي رافقت الزيارة التي أعتبرها تاريخية لعدن وللفنان الكبير وفرقته ونجومها ومنهم إيمان ، سامية جمال وثريا حلمي وغيرهم ومن هذه اللمحات كذلك مقابلات فريد الأطرش مع الصحافة ومع إذاعة عدن حتى أنه أبدى رغبته في تكرار زيارته هذه مرات أخرى وكتبت فتاة الجزيرة تحت عنوان «عدن تظهر في أفلام فريد الأطرش»: حمل الموسيقار فريد الأطرش معه «فوطة» عدنية و «كوفية عدنية» وأخذ تجربة عن الملابس العدنية القومية ليظهر بها في فيلم قادم من أفلامه السينمائية يغني فيه أغنية عدنية تحية منه لعدن التي استقبلته استقبالاً كريماً بحفاوة بالغة.

هذه لمحة عن إشراقات الزيارة وطابعها الحميم .. أما الظلال التي برزت فلا مفر من الإشارة إلى أبرز ما ظهر في الصحف منها وهو : أن الحفلات كانت تقتصر على الرجال في كل الأوقات والأماكن مما جعل فريد الأطرش يصرح للصحف بأنه على استعداد لإقامة حفل خاص للنساء. والظل الآخر هو أن أسعار تذاكر الدخول التي تتراوح ما بين ستين شلنج وأربعين وعشرين كانت غالية بالمقارنة إلى زمانها .

نأتي إلى ظلال التحليل والتحريم والمسائل المتعلقة بما هو مكروه وما هو محرم وما هو مش محرم والأخذ والرد الذي بلغ أعمدة الصحف .. وكان أبرز مقال هو ما كتبه الأستاذ الشيخ العلامة محمد بن سالم البيحاني ثم الرد عليه الذي كتبه الأستاذ القدير عيدروس الحامد .. ولكم يا أيها الأعزاء القراء العودة إلى النصوص إن شئتم .. أو تخيل ما يمكن أن تحتوي عليه من علم وأدب .. المهم أن الشيخ البيحاني لم يسكت على مقالة الحامد المعنونة :«وبعدين يا مشايخ» فكتب ردّه بعنوان :«لا تغلط يا عيدروس».

وهكذا كانت الدنيا تمشي ضحك وسلا أو على رأي عبدالحليم حافظ ضحك ولعب وجد وحب .. كانت القلوب صافية والنفوس نظيفة والشيء موجود لا هم ولا هرم .. كانت عدن بندر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى