يا سعد من حل ببعدان أو عاش في المشنة .. إب المدينة المحروسة بسياج الجبال والشجر والبشر

> «الأيام» محمد علي محسن:

>
ما أجمل مدينة إب المستيقظة لتوها من غفوة وقساوة برد الشتاء إلى صباح ربيعي مشمس ودافئ. يا سعد من حل ببعدان الجبل المنيف المتشح بالخضرة والمهابة والجمال الآسر الآخذ للألباب ويا سعد من عاش وتكحل بسحر وشذا (المشنة) حينما تكون جنة الدنيا وقبلة النسيم والمطر.

ويا بخت من قصدك وشاهدك يا إب الغنا وأنت بكامل البهاء والأناقة أو ارتوت رئتاه بنسائم سفوحك العليلة والنقية.

من مدينة الضالع الناهضة من ثنايا ليلة نيسانية لفجر يوم جديد كانت انطلاقتنا إلى محافظة إب مع أول إشراقة شمس، ثمانية من الصحفيين كنا وربان حافلة صغيرة - باص سعة 15 راكباً - في الرحلة التي أخذت منا ساعة أو أكثر بقليل بعد أن كانت تستغرق ساعات إلى وقت قريب عبر طريق رأس الرجاء الصالح قعطبة -يريم- إب (150كيلو) حيث إن رحلتنا هذه كانت قد سلكت الطريق الجديد قعطبة -إب مباشرة وبمسافة قدرها 74 كيلو مترا تم سفلتتها ولم يبق منها سوى مساحة أمتار حددت لإقامة الجسور عليها والعمل فيها على قدم وساق، ما أروع السفر وسط هذه الهضاب والأودية المتوشحة بحلة بديعة من الخضرة وقطر السماء، وما أمتع رؤية هذه الأرض والقرى البسيطة المتناثرة على جانبي الطريق وهي اليوم ساحة عبور وسلام وفرجة ونزهة لكل عابر سبيل بعد أن ظلت لسنوات خلت مساحة ممنوعة خطره على الأرواح والحياة ولا شيء فيها مدعاة للبهجة والمتعة وهي المنطقة المسيجة بالألغام والمخافر ونقاط التفتيش وخنادق الوغى والصراعات الشطرية ولطالما احترب الإخوة هنا على هذه البقعة الحدودية المنسية من التنمية والأمان وهاهي سيارتنا رباعية الدفع تجتاز تلك المسافة التي عرفت ومازالت الذاكرة تحتفظ ببقايا من الذكريات المؤلمة المترعة بصور ومشاهد آلة الحرب المستعرة في المكان الذي نسلكه الآن بسلام وشوق وطمأنينة على الرغم من وجود فرق نزع الألغام بسياراتهم الحمراء الرابضة على مسافة غير بعيدة من إحدى هذه القرى وبما يشير تواجدها لحقبة زمنية ولت بلا رجعة أو ندامة من هؤلاء الذين شاءت الظروف والأقدار أن تكون الألغام المنزوعة آخر صفحات ماضيهم الموجع والمحزن فيما مشروع الطريق المقام على أنقاض حقول الألغام وخنادق المجنزرات ونقاط التفتيش في الهوية أول صفحات حاضرهم ومستقبلهم المشرق والمنشود.

سُليم وحُمر وشعور وقرين الفهد وبيت الشرجي وبيت الشوكي والفاخر وغيرها من مناطق التخوم كانت ذات وقت قبلة للشباب الطامعين لشيء من مقتنيات وأقمشة السوق الرأسمالية وللأفكار اليمينية واليسارية المتطرفة وللأسلحة الأمريكية والسوفياتية.. لا شيء في الحاضر من ذلكم العنفوان والنزق والسوق سوى بضعة محلات تجارية واقفة على مضض في الطريق لا يوجد ثمة ما يغري الإنسان للتضحية بحياته لأجلها الا اذا كان اجتياز الحدود بحد ذاته نزقاً لمرحلة المراهقة.

ونحن نمضي بلا توقف أو هواجس من معابر الحدود والألغام صوب مدينة نجد الجماعي الواقعة في علو نقيل الخشبة الرابضة فوق منتهاه المدينة المسالمة بجامعها القديم البادي على قبابه ومنارته ومعماره لمسة من الاهتمام به كمعلم إسلامي وتاريخي يعود بناؤه إلى 400 سنة على يد محمد بن عامر الجماعي إلا أن طلاءه بالنورة كما عرفت ليس كافياً حيث إن الجامع الكبير بحاجة للصيانة والترميم. وقبل أن نصل نجد الجماعي حيث يستقبلك منزل الفنانة ذائعة الشهرة والصوت صباح عطيبة وفق إشارة من أحد الزملاء كانت المسافة المقطوعة من قعطبة إلى آخر عزلة فيها (الوجح) القابعة بين تبعيتها الانتخابية لمحافظة إب وتبعيتها الإدارية لمحافظة الضالع قد أخذت جل التفكير والاستماع والتساؤل والاندهاش والتفاؤل ايضاً فكل هذه الأمكنة وأناسها نقشت في وجدانهم وعقولهم تلك السنون الثورية والجهادية والقومية والاشتراكية والرأسمالية، الجميع كانوا هنا في هذه البقعة الملتهبة ذات حقبة تاريخية طويت صفحتها نظرياً وجغرافياً فيما محوها من العقول والأفئدة يتطلب وقتاً أكثر من الحوار والحريات والتنمية والديمقراطية والتعايش والقبول بالآخر خاصة لأولئك الجيل المسكون بأفكار وممارسات الحرب الباردة المشكلة له ومازالت تبعاتها مؤثرة فيه حتى اللحظة الماثلة المراد منها نسيان تلكم الحقبة بكل ما تعني من قتل ونفي للآخر المختلف في سبيل وطن موحد وديمقراطي يتسع لكل أعداء وفرقاء وأفكار الأمس، وطن جامع وناهض على أنقاض الألغام والحدود والحروب والصراعات والأفكار المتطرفة المستبدة التي سادت وتحاربت وهيمنت واستوطنت وعبثت في الحياة دونما طائل أو هدف مرجو يعود على الناس بالنفع ولو بعد حين.

ما أن وصلنا نجد الجماعي حتى بدأنا ثانية في الهبوط والانحدار إلى القاع ولكأنما المراد من الصعود والهبوط القصيرين هو معايدة المكان الرابض في ذرى الهضبة ومن ثم المضي بسلام نحو مدينة إب القريبة والمحروسة بسياج الجبال والشجر والبشر ولعل تسميتها بـ(اللواء الأخضر) مردها هذه المزية والتفرد للمدينة عن سواها من المدن من حيث تناسق وانسجام الاسم مع المسمى فلأول مرة أجد نفسي أميل لتسمية عسكرية من هذا القبيل على الرغم من كونه لا يتوفق مع ذاتي المنحازة لمسمى المحافظة وكل المسميات المدنية، هنا وفي إب بالذات تجبرك هذه الطبيعة التضاريسية الزاخرة بالجبال والتلال والخضرة والبشر لأن تحترم وتعجب بمسمى لا يستساغ أبدأ سوى في إب المحافظة التي توحي لزائرها بحميمية وصلة بين جبالها وشجرها وأناسها.

من حسن حظنا، ربما، أن انعقاد الورشة في جامعة إب تزام مع ورشة أكبر وأعظم تشهدها المحافظة في مختلف المناحي الاقتصادية والثقافية والتنموية والخدمية فكلما اقتربت المحافظة من يوم 22 مايو 2007م موعد الاحتفاء بالذكرى الـ 17 للجمهورية اليمنية في إب زادت وتيرة النشاط وارتفعت همة ومشاغل أبناء اللواء الأخضر، ومن سوء الحظ ايضاً أن أول ما استوقفنا ونحن مازلنا أمام بوابة الجامعة ولم نلج بعد القاعة المخصصة لاحتضان قادة الرأي - الإعلاميين - من محافظات إب وتعز والضالع ، الذين يناط بهم التعريف بحقوق الطفل وحمل راية هذه الحقوق وحمايتها وإذا بواقع الحال يدفع بمجموعة من التلاميذ للبوح لنا عن حقوقهم المغتصبة والمصادرة في ميدان التدريب القريب من مكان إقامة الورشة المنظمة من قبل مكتب الإعلام بالتعاون مع جامعة إب بتمويل من منظمة اليونيسف، ومما قاله هؤلاء الفتية لنا ونحن على عتبات بوابة رئاسة الجامعة الفخمة والمكلفة لخزينة الدولة قرابة 50 مليون ريال من إجمالي 147 مليوناً للبوابات الثلاث هو أن حجم ما دفع لكل تلميذ مدرسة في ميدان التدريب لا يزيد عن 4000 ريال كمخصص تغذية لمدة 26 يوماً فيما شكوا من مقدار ونوعية التغذية التي يتناولها المشاركون في التدريبات ولا تتجاوز القرص الرغيف الرديء بقليل من الجبنة والذي لا يتناسب مع حجم ما اعتمد لكل طالب وهو 250 ريال يومياً.

هكذا بدت الصورة وهكذا استهلت بمعاناة وشكوى من مجموعة أطفال وهكذا تشكلت واكتملت الصورة فيما بعد ونحن وسط جدل نظري وفكري وتطبيقي حول ماهي الصورة الإيجابية المطلوبة من الإعلام نحو الطفل وحقوقه المقرة في المواثيق الدولية وفي التشريعات الوطنية بل وفي الأديان السماوية والوثنية وهكذا انتهت أيام الورشة الثلاثة وعدنا أدراجنا فيما وقع أصوات أطفال المدارس المتسربة للقاعة من المساحة المخصصة للتدريب وغير البعيدة سوى بأمتار ومازالت مستوطنة بطبلة الأذن ودون مغادرة لصداها.

إب دون شك مدينة تجبرك على البهجة والانشراح في كل الظروف والأحوال فكيف إذا ما كانت زيارتنا لها وهي على الشاكلة التي رأيناها من الاهتمام والتحضير والإعداد غير المسبوق أو المألوف؟؟

إب واحدة من المدائن القليلة الهابطة من عالم خرافي وأسطوري كل ما فيها من جنان ومطر وإنسان يوحي بالحيرة والدهشة والإعجاب، كل ما في إب من إقطاعيات وتعسفات وانتهاكات للحقوق الإنسانية وليس آخرها الحرمان من أبسط الحقوق في الاتصالات التليفونية التي لا تتم من البطاقة وتعبئة استمارة ببيانات المتصل.. هذه الممارسات مجتمعة تضاعف من عزيمة وإخلاص هؤلاء للمكان المولود من ثنايا المطر والشجر فهذه المدينة المغروسة وسط رياض وجنان من الخضرة ومؤتزرة الجبال والتلال هي مدعاة للأمل والابتسامة والصبر والنسيان.

إب عروس الوطن كل ما فيها من نشاط وجهد هذه الأيام يصعب على المرء إهماله دونما تسليط الضوء عليه فالمدينة أشبه بخلية نحل تتسابق الزمن وتتحدى الطبيعة من أجل هدف واحد وهو احتضان عرس الأعراس اليمانية المقرر أن تشهده المدينة يوم22 مايو، لذلك كان علينا رؤية تلك الأعمال الإنشائية وبوتيرة جعلت أبناء إب يتمنون لمدينتهم احتضان كل الأعياد والمناسبات فيكفي القول هنا بما صرح به لنا الأخ أمين البعداني مدير عام مكتب الإعلام والعلاقات العامة في المحافظة من أن 530 مشروعاً تنموياً وخدمياً بكلفة 67 مليارا و205 ملايين و771 ألفا و211 ريالا سيتم افتتاحها أو تدشينها ووضع حجر الأساس لها -والحديث للبعداني - هنالك 275 مشروعاً بكلفة 25 مليارا و444 مليونا و905 ريالات مقرر افتتاحها في المناسبة، و150 مشروعاً بكلفة 18 مليارا و735 مليونا سيوضع لها حجر الأساس فيما سيتم تدشين 105 مشاريع بكلفة 9 مليارات وهذه المشروعات تتركز في قطاعات مختلفة أهمها قطاعات الطرق الحائزة على 21 مشروعاً بكلفة 14 مليارا و769 مليونا منها مشروع الخط الدائري الغربي لمدينة إب بكلفة مليار و700 مليون وبطول 19.5 كلم يبدأ من السحول وينتهي بمنطقة شبام بينما قطاع الصحة حاز على 19 مشروعاً بقيمة 706 ملايين، والتربية والتعليم 115 مشروعاً بكلفة مليارين و532 مليونا.

أما الزميل نبيل مصلح مراسل «الأيام» في إب فكانت فرحته لا توصف تجاه ما أحدثته المناسبة من تأثير إيجابي على مشروع استاد إب الرياضي الذي طال أمده ومنذ الثمانينات إلى أن دنت لحظة افتتاحه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى