بردّونيات:«نحن أعداؤنا»

> «الأيام» عبده يحيى الدباني:

> عبدالله البردّوني، شاعر عظيم قلما جاد الزمان بمثله، وقد شكل فتحاً جديداً في الشعر اليمني، وإضافة حقيقية أصيلة إلى الشعر العربي والإنساني.. غنى للإنسان.. للوطن.. للثورة.. للحقيقة.. للحرية.. للشهداء.. للأصدقاء.. للعروبة.. للتاريخ، للشعوب المقهورة.. للحب والطبيعة.. لمدن اليمن وقراها الكثيرة المختلفة.. لمعالمها وأعلامها وخصوصيتها..غنى للمرأة والطفل كما غنى للغناء نفسه، وشعرن الثقافة وفلسف الشعر. لقد صور هذا الأعمى الضرير، بل الرائي البصير- فيما صور - بفنه الكبير، الإنسان اليمني في كل أطواره: ذكاءً وجهلاً، ثورة وخنوعاً، ظالماً ومظلوماً، جباناً وشجاعاً، وحيداً وضمن جماعته. وفي هذه القصيدة (نحن أعداؤنا) استبطان فني فلسفي لمأساة المجتمع اليمني خصوصاً والعربي عموماً في تخاذله وتردده وجبنه وتهيبه وسلبيته حتى صار هذا المجتمع نفسه هو عدو نفسه، بل أخطر أعدائها على الإطلاق، ها هو يقول في مطلع هذه القصيدة: لأنا رضعنا حليب الخنوع

تقـمصـنا من صبـانا الخـضوع

فجعنا ليكتظ جلادنا

ويـطـغى وننـسى بأنا نـجوع

وحين شعرنا بنهش الذئا

ب شددنا على الجرح نار الدموع

ورحنا نجيد سباب الدجى

ولم ندر كيف نضيء الشـموع

ففي ظل وضع كهذا مثقل بالسلبية والخنوع واحتمال الضيم والأذى والعجز عن المبادرة والإقدام والتضحية فلا عدو للمجتمع مثل نفسه، وحتى الثورة نفسها تصبح سحابة صيف عابرة سرعان ما يسرقها أعداؤنا لأن أعداءنا الذين في دواخلنا يثبطوننا عن أن نحميها وننميها، فتتحول الثورة نفسها إلى نكوص ونكسات وأحياناً تنقلب على نفسها، أو ننفضّ عنها فيتحول المخاض إلى إجهاض.

نفور وتطفئنا تفلة

فنمتصّ إطفاءنا في خشوع

ونحن أيضاً لا نكون فاعلين في الأحداث بل منفعلين بها فلما ثار العالم ثرنا ولكننا استبقنا الأحداث وقلدنا الآخرين تقليداً أعمى:

ولما سمعنا انفجار الشعوب

أفقنا نرى الفجر قبل الطلوع

وربما هزمنا عدونا حيناً بيد أن العدو الذي في نفوسنا ظل يتربص بنا:

فحين انتوينا شروع المسير

خذرنا المغبات قبل الشروع

وقلنا أتى من وراء الحدود

جرادٌ غريبٌ فأشقى الربوع

وليس عدانا وراء الحدود

ولكن عدانا وراء الـضلوع

فقد جلت الريح ذاك الجراد

فكنا جـراداً وكـنا الزروع

فماذا ننتظر بعد كل هذا ، بعد أن هزمنا أنفسنا بأنفسنا إلا أن نكون لقمة سائغة لأي غزو يبتلعنا كيف يشاء:

ومن ذا أتى بعد؟ غازٍ بصول

يداه ويرنـو بعيـني يسـوع

عرفناك يا أول الفاتحين

إلى أين؟ ليس هنا من تروع

وليس عدانا وراء الحدود

ولكن عدانا وراء الضـلوع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى