حيدرأباد والحضارمة والمحاولات العبثية لطمس هويتها الإسلامية

> «الأيام» عفان محمود العقربي:

>
حيدرأباد عاصمة ولاية أندرا برادش الهندية، تعد خامس أكبر مدينة هندية، وتتميز بتاريخها وحضارتها القديمة ويعد الحضارم جزءاً من هذا النسيج، وتتكون من قسمين رئيسيين هما اسكندر أباد، وحيدرأباد القديمة، وتفصل بينهما بحيرة حسين سقر الاصطناعية، ويرجع تاريخ المدينة إلى 400 عام، وتتميز كذلك بجمالها الطبيعي وكثرة مساجدها ومناراتها وأسواقها المعروفة باسم ( البازار) وكثرة الجسور والهضاب وكذلك البحيرات، وتقبع على أعلى قمة سهل ديكان الذي يرتفع 1776 قدما فوق سطح البحر، وتمتد على مساحة تزيد عن 100 ميل مربع. وقد أسسها محمد قولي قطب شاة عام 1590م.

مطار حيدرأباد
نبدأ حديثنا من المطار، وهو الانطباع الأول الذي يستطيع الفرد أن يحدد أهمية المدينة من خلاله، فهي لم تكن الزيارة الأولى ولا الأخيرة لهذه المدينة بإذن الله، التي يحبها كل من يزورها، فبمجرد وصولنا إلى مطار حيدرأباد قادمين من
مومباي على متن إحدى طائرات شركة النقل الداخلي الهندية (جو اير) وهي إحدى مجموعة شركات هندية للنقل الداخلي، تعمل وفق نظام الطيران منخفض التكاليف، وبأحدث أنواع الطائرات، وبمجرد وصولك إلى المطار والذي يعد خامس أهم مطار في الهند، ترى حركة طيران رهيبة ما بين إقلاع وهبوط، تصل حركة الطيران اليومية فيه إلى (250) رحلة، محلية ودولية، وتعمل فيه 16 شركة طيران دولية، متجهة إلى مختلف أنحاء العالم ومنها عدد من الشركات العربية كالخطوط السعودية والقطرية والعمانية وطيران الإمارات وغيرها، وذلك نتيجة التطور الهائل الذي تشهده هذه المدينة بالذات في المجال التكنولوجي، و تحرير قطاع النقل من أي قيود وفتح الأجواء على مصراعيها أمام جميع شركات النقل، مما حدا بالحكومة إلى الإسراع في إنشاء مطار دولي جديد وفق أرقى المواصفات العالمية ليتناسب والحركة المتصاعدة للطيران، ويتوقع افتتاحه في مارس 2008م، أما إذا عدنا إلى مطار مومباي وهي العاصمة الاقتصادية للهند، لوجدنا العجب فمعدل الرحلات الجوية فيه تعتبر الأشد ازدحاما في جنوب آسيا وتصل عدد الرحلات إلى 45 رحلة في الساعة، أي 1080 رحلة في اليوم، وهذا الرقم في ازدياد مستمر، أما مطار عدن الدولي فلا يزال في سباته الشتوي العميق ونقول: لك الله يا مطار عدن. فعند مغادرتك أو وصولك إليه تحس وكأنك في مطار واقع في صحراء الربع الخالي معزول على الرغم من وقوعه في قلب المدينة، والرحلات تكاد تكون معدومة طيلة أيام الأسبوع إلا ما تجود به اليمنية عليه من رحلات لا تسمن ولا تغني من جوع، ووجود الطائرات القديمة، والخردة، وعدم وجود تنسيق ومساحات خضراء يشوه من منظره ويجعل الزائر يشعر وكأنه في مطار قرية صغيرة وليست العاصمة الاقتصادية لليمن .

الحضارم وحيدرأباد
ارتبط الحضارم بعلاقات وطيدة بحيدرأباد وحكامها حيث يقال إن حيدرأباد كانت الموطن الثاني للحضارمة، وكانت العلاقة وطيدة بين السلاطين وحكام أسرة نظام في حيدرأباد . وكان هناك أثر واضح لتدخل حكام النظام في حيدر أباد بنظام الحكم في حضرموت والوقوف إلى جانب بعض السلاطين ومساندتهم، والذين كان أشهرهم السلطانين الكثيري والقعيطي، فقد أسست الدولة الكثيرية في حيدر أباد وقد عملت على خدمة النظام، وكان النظام حينها يستخدم الحضارمة في القضاء على الثورات المناوئة له، وأعطى النظام مؤسس السلطنة الكثيرية المال لتأسيس سلطنته في حضرموت والتي كانت تشمل حضرموت كلها. والسلطان القعيطي هو الآخر كان في خدمة النظام في حيدرأباد ولقي الدعم لتأسيس سلطنته فيما بعد وعرفت بالسلطنة القعيطية وقد توفي في حيدرأباد .

ونظرا لتواجد الحضارمة بشكل لافت للنظر في حيدرأباد متفرقين في أرجائها، قررنا الذهاب إلى أكبر تجمع لهم وهي منطقة باركس التي تبعد حوالي 45 كيلو مترا تقريبا من حيدرأباد، وقد التقينا ببعضهم هناك وأجرينا معهم لقاءات استطلعنا من خلالها أهم مشاكلهم ومتطلباتهم.

< بدأنا رحلتنا في الصباح الباكر في تمام الساعة الخامسة والنصف مستقلين الدراجات النارية، للحصول على وجبة الإفطار الحضرمية الشهيرة (الهريس) وبمجرد وصولنا قمنا تناولناها وكان لنا لقاء مع الأخ طاهر بن عبدالعزيز الحاج، صاحب محل بيع الهريس الحضرمي الأصل الذي عرفنا عن نفسه قائلا: «عمري 35 سنة من مواليد حيدرأباد، متزوج ولي ولدان، نعمل في مجال بيع الهريس منذ زمن بعيد فهو مصدر رزقنا الوحيد، ونرجو من الحكومة اليمنية الاهتمام بنا وتسهيل إجراءات حصولنا على الجنسية.

< كما التقينا بالأخوة خالد بن أحمد بن عبود الكندي، وهو الآخر من مواليد حيدرأباد، ويعمل في مجال العقارات، ومحسن بن علي اليماني، وهو حضرمي من مواليد حيدرأباد صاحب محل بقالة، وقيصر بن عبدالله بن حبتور (30 سنة) يعمل في البقالة التي يملكها مبارك بن أحمد بن وهلان (28 سنة) وهو الآخر من مواليد حيدر أباد، وعامر بن علي بن شملان، وعلي بن سالم باشجر، وسيف بن مبارك بن شيب، وجميعهم من مواليد حيدرأباد. كما التقينا خالد بن خالد بايمين النهدي ( 55 سنة) الذي أخبرنا بأن أباه من مواليد حيدرأباد ولديه ست من البنات وولد واحد، وهو صاحب بقالة.

ذهبنا بعد ذلك إلى مناطق أخرى وسط المدينة وأثناء تجوالنا استوقفنا محل للعطور يحمل اسم (بن محفوظ للعطور) كنت قد زرته في وقت سابق، وقد اتجهنا للمحل ووجدنا فيه شابا اسمه خالد بن عبدالله بن ظهران بن محفوظ، وهو أحد أقرباء الشيخ خالد بن محفوظ، يجيد التحدث باللغة العربية بلكنة مفهومة، وسألته عن والده الذي التقيته من قبل فأجابني أنه نظرا لكبر سنه لا يأتي في الصباح للمحل، وقد أخبرني بأن أباه من مواليد حيدر أباد ويحمل الجنسية اليمنية ويبلغ من العمر 60 عاما ولديه 7 من الأولاد و 4 من البنات، وقال إنهم يحبذون العودة إلى الوطن الأم ورغبتهم في الحصول على الجنسية.

كما كان لنا لقاء مع الأخ محمد بن سلطان النهدي (55 عاما) لديه محل لبيع الجوالات، له 20 عاما في حيدر أباد وقد كان قبلها في البحرين، لم يزر اليمن قط، له اثنان من الأولاد وبنت واحدة، كان جده ساكنا في عدن، ويأمل في الحصول على الجواز اليمني.

من خلال التقائنا باليمنيين في حيدرأباد وجدنا أغلب مطالبهم موحدة، وهي العمل على فتح قنصلية يمنية في حيدر أباد لتسهيل حصولهم على الجنسية اليمنية وهو وعد كان قد قطع لهم أثناء زيارة الأخ عبدالقادر باجمال لحيدرأباد قبل عدة سنوات على حد قولهم، وكذلك فتح رحلة للخطوط الجوية اليمنية إلى حيدرأباد، كما كانت مطالبهم ملحة لفتح مراكز لتعليم أولادهم اللغة العربية التي أصبحت في تلاش مستمر. ونحن من على منبر «الأيام» منبر من لا منبر له ندعو الحكومة ورجال الأعمال إلى مد يد العون لإخوانهم و الإسهام الفاعل في دعمهم عن طريق إنشاء المدارس وتزويدها بالمدرسين والمناهج اللازمة للحيلولة دون فقدهم لهويتهم الإسلامية والعربية التي أصبحت في اضمحلال مستمر، و كذلك إنشاء المعاهد الدينية وإرسال البعثات التخصصية إليها، ونسأل الله إن يجعلها في ميزان حسناتكم. اللهم هل بلغت. اللهم فاشهد.

حيدرأباد مدينة إسلامية من الطراز الأول
يمكننا أن نجزم بأن حيدرأباد مدينة إسلامية من الطراز الأول ولأسباب عدة أهمها النسبة العالية للمسلمين فيها، والعدد الهائل للمساجد المنتشرة في كافة أرجائها، وكذلك جامعتها المسماة بالجامعة العثمانية والتي تأسست عام 1917م في عهد الحاكم السابع لأسرة نظام عثمان علي خان، وتعتبر سابع أقدم جامعة في الهند. وكذلك مطارها الذي يعد خير شاهد على حضارتها الإسلامية من خلال تصميمه الإسلامي.

أما أهم هذه المعالم والذي يعتبر قبلة لكل من يزور المدينة فهو مبنى تشار مينار (الأربع المنارات) ويصنف على أنه أبرز المعالم التاريخية في الولاية بأكملها، فهذه التحفة الأسطورية بنيت في عهد المؤسس الأول للمدينة محمد قولي قطب شاة في عام 1590 تخليدا لذكرى انتهاء زمن الكوارث، وهو عبارة عن مبنى مربع الشكل كل واجهة في طولها 20 مترا، ويبلغ ارتفاعه 20 مترا من دون المنارات التي بدورها ترتفع هي الأخرى 20 مترا من على سطح المبنى، وتمتاز بتصميمها المزخرف الفريد، والقسم الشرقي من السطح يحتوي على مسجد يتسع لــ 45 مصلٍّ مع مساحة كبيرة مفتوحة من الأمام لاستيعاب المصلين في يوم الجمعة، وعلى الشرق من هذه المساحة توجد شرفة كبيرة مقوسة من الوسط .

مكة مسجد
وهو أحد أكبر مساجد حيدرأباد، ويبعد حوالي 100 ياردة إلى الجنوب الغربي من تشار مينار، وقد جاءت تسميته نسبة إلى الحرم المكي، ومساحة قاعة الصلاة فيه هي 67 مترا * 54 مترا، ويبلغ ارتفاعه 23 مترا، ويتسع لـ 10 آلاف مصلٍّ. وهناك العديد من الأماكن والمزارات الإسلامية في حيدرأباد والتي لا يسعنا الحديث عنها، وهناك أيضا العديد من المباني الحديثة ذات الطابع الإسلامي التي أثارت فضولي في زيارات سابقة للمدينة مما حدا بي في هذه الزيارة إلى الاستطلاع ومعرفة المزيد عنها، فتوجهنا إلى أحد هذه المباني وهو بيت الحج الذي يبهر الناظر إليه بتصميمة الإسلامي الجميل والذي نتمنى أن يكون هناك مبان مثله في كل محافظات الجمهورية ليس حبا في منظره الخارجي البديع ولكن للأدوار والوظائف الجليلة التي يؤديها في خدمة المجتمع، وكان لنا لقاء مع

< الأخ خاجا شفي، المدير المالي للمبنى الذي نظرا لانشغاله وعدم توفر الوقت الكافي لديه قام بإعطائنا نبذة عما يقوم به هذا المبنى، حيث قال: «في البداية أشكركم على هذه الزيارة إلى بيت الحج في حيدرأباد، سأعطيكم نبذة مختصرة عنه وتاريخ تأسيسه والأدوار التي يقوم بها في خدمة المجتمع والموارد المتاحة.. تم وضع حجر الأساس له في عام 1999م وتم الانتهاء منه بين عامي 2001- 2002م وبلغت تكلفة بنائه 10 ملايين روبية تقريبا، أما أهم المكونات الرئيسية للمبنى فهي 3 أقسام رئيسية، القسم الأمامي (الدور الأرضي إلى الدور السابع) خصص لاستيعاب كل المكاتب الحكومية التي تندرج في إطار إدارة توفير الحياة الكريمة، القسم الخلفي (الدور الأرضي إلى الدور الحادي عشر) خصص لتوفير الخدمات الضرورية لـ 600 حاج في آن واحد، مثل قاعة المغادرة والوصول، معاملة الفيزا والجوازات، الفحص الطبي، وتوفير بنك، ومكتبة وكذلك قاعة اجتماعات، بالإضافة إلى كافتيريا ومطعم ومكتب بريد وخدمة التلغراف، أما القسم الثالث (الدور الأرضي إلى الدور الثاني) فهو عبارة عن مسجد يتسع لحوالي 800 مصلٍّ، أما البدروم فهو عبارة عن موقف يتسع لحوالي 80 سيارة، وسكن لإمام المسجد والمؤذن، وغرفة للصيانة ومولد كهربائي.

أما مصادر الدخل التي نعتمد عليها في مواردنا فهي صندوق الوقف، تأجير العقارات والأراضي التابعة للوقف، شهادات الزواج، الرسوم المحصلة من صرف الاستمارات، فهناك 35,703 أوقاف في ولاية اندرابرادش، وهي عبارة عن 3632 مسجدا، 8371 مقبرة، وأوقاف أخرى، كما إن في حوزتنا مليوناً وخمسة وأربعين ألفاً وخمسمائة وأحد عشر فداناً من الأراضي والحمد لله أموال الوقف في زيادة.

أما عن المهام الرئيسية التي نقوم بها في خدمة المجتمع فهي كثيرة نذكر منها: تقديم يد العون والمساعدة للأرامل والمطلقات من النساء المسلمات اللاتي ليس لديهن أي مصدر للدخل، مساعدة المسلمين غير القادرين على تكاليف الزواج، تقديم المساعدات الطبية، إنشاء خزانات المياه، وتوزيع الأدوات المدرسية المجانية من دفاتر وغيرها للطلبة الفقراء».

شكرا لك وأخيرا لا يسعنا إلا أن نشكرك على سعة الصدر وتحملنا وإعطائنا الفرصة للحوار معك وإمددانا بهذه المعلومات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى